على الرغم من الحرب التي تشتعل في البلاد، فإنّ العام الدراسي الجديد ينطلق في عدد من مناطق اليمن، اليوم، مع الأمل بعودة الانتظام إليه كما كان قبل عام 2014. يتوجه، اليوم الأحد، تلاميذ اليمن في المحافظات والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية (الرئيس عبد ربه منصور هادي) إلى مدارسهم بعد انقضاء العطلة الصيفية التي استمرت نحو ثلاثة أشهر، وذلك بالرغم من الصعوبات التي تواجه العملية التعليمية الناتجة عن الحرب. يبدأ اليوم الدراسي الأول في المحافظات الجنوبية وبعض المحافظات الشمالية والشرقية وسط تفاؤل مجتمعي ببدء عودة الحياة إلى طبيعتها في هذه المناطق بعد حروب ومواجهات مسلحة خلفت دماراً واسعاً، لم تسلم منه المؤسسات التعليمية. في هذا السياق، توضح المعلمة في مدرسة "النبراس الأهلية الحديثة" بالعاصمة السياسية المؤقتة عدن، صفاء سيف أنّ العام الدراسي 2017-2018 يبدأ اليوم بحسب الجدولة المقدمة من وزارة التربية والتعليم للقطاع التعليمي العام والخاص والتي سُلّمت إلى المدارس في عدن منذ وقت مبكر. تضيف أنّ الإعلان المبكر عن الموعد أتاح فرصة تنفيذ العديد من الاستعدادات منذ نحو شهر: "جرى استقبال وتسجيل التلاميذ والحصول على مخزون من كتب المنهج التعليمي المختلفة لتوزيعه عليهم، وكذلك تجهيز الفصول الدراسية للتدريس". تؤكد أنّه سيجري تحديد المقرر والمحذوف من المنهج حين التحاق التلاميذ بفصولهم. تشدد سيف على "وجوب التزام التلاميذ بموعد بدء الفصل الدراسي الأول وبالزيّ المدرسي الخاص، والحرص على المجيء إلى المدرسة بمظهر لائق يتفق مع شروط الصحة المدرسية". تعرب عن ارتياحها لكون ترتيبات العام الدراسي الحالي تمضي بسلاسة من دون عراقيل قد تعيق مسيرة العملية التعليمية في عدن بعدما واجهت خلال السنوات الماضية العديد من التحديات التي ساهمت في تعطيل عجلة التعليم، كما تقول. وعلى الرغم من حالة الرضا التي يعيشها أولياء الأمور بسبب بدء العام في ظروف مستقرة، فإنّ القلق يسيطر على كثير منهم بسبب الأعباء الاقتصادية المترتبة على دخول أبنائهم إلى المدارس لا سيما من لديهم عدة أبناء. من بين هؤلاء خالد الشرعبي فهو أب لسبعة أولاد، ستة منهم سيتوجهون إلى المدارس اليوم. يقول ل"العربي الجديد": "احتياجات المدرسة كثيرة لكلّ واحد من أبنائي، مثل الزي المدرسي والكراسات والأقلام والحقائب وغير ذلك، وهذا عبء كبير عليّ". يشير إلى أنّه اضطر إلى ادخار مبالغ خلال الأشهر التي سبقت بدء العام الدراسي ليواجه هذه المتطلبات. يضيف الشرعبي: "وفّرت الزي المدرسي لثلاثة من أبنائي، وبعد شهر إن شاء الله سأوفر للبقية. أما المسلتزمات الأخرى مثل الكراسات والأقلام فقد اشتريتها بالرغم من سعرها المرتفع بعدما اضطررت للاقتراض من أحد أصدقائي في عدن". يشير إلى أنّ ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية وعدم توفر الأعمال سيحدّ من قدرة أولياء الأمور على توفيرها، ويطالب مديري المدارس بتفهم أوضاع المواطنين المعيشية بعد سنوات من الحرب. هو ما تشدد عليه أيضاً أم شيرين عبد الله التي توضح، أنّها لن تستطيع جلب أيّ من متطلبات المدرسة لأبنائها كونها فشلت في توفير المال لذلك. تقول: "بالكاد نستطيع توفير الغذاء بشكل يومي، ولا نستطيع شراء أي شيء ويجب على المدرسة أن تتفهم وضعنا وتسهل على أبنائنا". تقول إنّها تثق تماماً أنّ المدرّسين يعرفون جيداً صعوبة توفير المعيشة لكثير من اليمنيين اليوم بسبب الأوضاع، وبذلك لن يسجلوا أيّ عقوبات على من يقصّر في توفير الزي المدرسي أو يتأخر في شراء الكراسات. إلى ذلك، تعتقد التلميذة في المرحلة الثانوية، إسمهان ب رجاء، وهي من سكان محافظة حضرموت، كبرى المحافظاتاليمنية (شرق)، أنّ هذا العام سيكون أفضل من الأعوام السابقة في انتظام عملية التدريس وتوفير الكتاب المدرسي وتواجد المدرسين مقارنة بالأعوام السابقة. تشير إلى أنّ العملية التعليمية باتت منفصلة عن المركز في صنعاء وهو الأمر الذي كان يؤخر في عملية الانجاز باعتبار صنعاء تعيش حرباً منذ سنوات. تضيف ل"العربي الجديد": "مدينة المكلا اليوم مستقرة، وكانت العملية التعليمية متوقفة عندما كان تنظيم القاعدة يسيطر على المدينة. وقتها لم نكن نجرؤ على الخروج من المنزل إطلاقاً". تبدأ الدراسة، اليوم، في كلٍّ من العاصمة السياسية المؤقتة عدنوحضرموت وأبين ولحج والضالع وجزء من محافظاتشبوة وجزء من محافظة تعز وبعض مناطق البيضاء وهي محافظات تحررت من السيطرة الحوثية. من جهته، يقول المدير العام التنفيذي للمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي وكيل وزارة التربية والتعليم لقطاع المشاريع الدكتور، محمد باسليم، إنّ الوزارة أصدرت قراراً يقضي بتخفيض الإنتاج في فروع مؤسسة الكتاب المدرسي الثلاثة وتوزيع المهام بينها، لتتولى مطبعة صنعاء "تغطية احتياجات ثلاثة أقاليم هي آزال وسبأ وتهامة، ومطبعة عدن إقليمي عدن والجند، ومطبعة حضرموت إقليم حضرموت ليجري اعتماد المناهج نفسها التي كانت قبل الانقلاب الحوثي". يشير باسليم إلى أنّ مؤسسة الكتاب المدرسي وقعت عقد طباعة مع وزارة التربية بتاريخ 22 يناير/ كانون الثاني 2017، لإنتاج نحو 70 مليون كتاب، لكلّ محافظات الجمهورية اليمنية، من صعدة إلى المهرة، شريطة التزام الحوثيين بخطة طباعة 2014، ليكون لفرع مطبعة صنعاء 60 في المائة، ولمطبعتي حضرموتوعدن 40 في المائة من إجمالي العقد الذي تبلغ قيمته 14 مليار ريال (56 مليون دولار أميركي). لكنّ فرع صنعاء يرفض أيّ عملية تعامل مع الإدارة المركزية للوزارة بعدن. يؤكد باسليم أنّ مخصصات فرع صنعاء موجودة حتى اللحظة في حال قبوله التعامل مع القيادة المركزية، وفق الخطط والمناهج المحددة قبل الانقلاب. يشير باسليم إلى أنّ المطابع بدأت طباعة الكتاب في مايو/ أيار الماضي "بعد إضافة 50 في المائة من احتياجات محافظة تعز إلى خطة مطبعة عدن، وإضافة احتياجات محافظتي مأربوالجوف إلى خطة مطبعة حضرموت لكي يجري توزيع الكتب في جميع المناطق المحررة". يضيف أنّ عملية الطباعة مستمرة والكتب تُرسل إلى مأربوالجوف من حضرموت وإلى مديريات تعز من قبل محافظة عدن. ويلفت إلى التأخر في طباعة الكتب بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم توفر مادة الديزل، والنقص في المواد الخام. لكنّه يعد أن يجهز 70 في المائة من الكتب في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. 120 تلميذاً في فصل واحد تواجه وزارة التربية والتعليم عدة مشاكل، أبرزها اكتظاظ الفصول بالتلاميذ، إذ يبلغ عددهم في الفصل الواحد أحياناً 120 تلميذاً، بسبب دمار لحق بالمدارس. عدد المدارس التي تضررت كلياً في المناطق التي لا تخضع للسيطرة الحوثية هو 94 مدرسة، وجزئياً 420. أما المدارس التي تستضيف نازحين فهي 10 في الجوف، و18 في مأرب، و76 في تعز. أزمة رواتب المعلمين يضع انقطاع المرتبات عن آلاف المعلمين في العاصمة اليمنيةصنعاء وبقية مناطق الحوثيين، العملية التعليمية على المحك، حيث يعاني 167 ألف معلم ومعلمة في 13 محافظة يمنية يمثلون قرابة 73 % من إجمالي الكادر التعليمي في اليمن من توقف رواتبهم منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. ووفقاً لمنظمة "يونيسف"، فإن توقف رواتب المعلمين يهدد بحرمان 4.5 ملايين طفل في اليمن من الدراسة، ويعرض 13 ألف مدرسة تمثل حوالي 78 % من إجمالي المدارس في اليمن، لخطر الإغلاق. اتجه معلمون للبحث عن مصادر أخرى للرزق، فبعض المعلمين التحقوا للعمل في المدارس الخاصة برواتب زهيدة، لكن الغالبية تقف عاجزة وتبحث عن أعمال أخرى. يقول عبد الملك عبد الله (مدرس) والذي أصبح عاملا في مطعم شعبي، إن "عمله الجديد يساعده على مواجهة أعباء المعيشة وتوفير الأكل لأطفاله الأربعة". ويضيف عبدالله والذي كان يعمل قبل توقف الرواتب معلما للغة الإنكليزية، في إحدى المدارس الحكومية في تعز ل"العربي الجديد" إنه "يشعر بالحزن لتركه طلابه منذ منتصف العام الدراسي الماضي". وقالت دعاء محسن، معلمة في مدرسة حكومية بالعاصمة صنعاء ل"العربي الجديد": "تم الإعلان عن بدء العام الدراسي الجديد نهاية سبتمبر/أيلول، لكن من سيذهب لتدريس الطلاب، نحن لا نملك أجرة المواصلات إلى المدارس، على الوزير الذي أعلن عن انطلاق العام الدراسي أن يصرف رواتب المعلمين، أو ليضع نفسه في مكان معلم بلا راتب يقوم بتدريس فصول مكتظة بالطلاب خمس حصص يوميا". وقبل توقف رواتبهم، كان المعلمون يتقاضون رواتب زهيدة، حيث لا يتجاوز راتب المعلم الحاصل على الشهادة الجامعية 80 ألف ريال في الشهر (220 دولاراً)، لا تكاد تكفي لمواجهة أعباء المعيشة وارتفاع الأسعار. كلفة التعليم وتسببت الحرب التي يشهدها اليمن منذ عامين ونصف العام، في تفاقم الوضع المعيشي للمواطنين وحرمان آلاف الطلاب من الدراسة، وتزايد عدد الأطفال العاملين بمعدلات قياسية، حيث ينتشر مئات الأطفال في شوارع العاصمة اليمنية كباعة جائلين. ويؤكد خبراء اقتصاديون وتربويون أن أسبابا اقتصادية بشكل أساسي تحرم آلاف الأطفال من الالتحاق بالمدارس، فالآباء عاجزون عن توفير مستلزمات الدراسة ورسوم المدارس وتكلفة الزي المدرسي وحتى أجرة المواصلات. وأوضحت مبادرة خيرية تدعى "العودة إلى المدارس" أن آلاف الأطفال الأيتام والفقراء والنازحين محرومون من الذهاب للمدارس، لعدم قدرة أهاليهم على توفير الزي المدرسي والمستلزمات الدراسية. وقالت المبادرة، في نداء للداعمين، إن توقف رواتب الموظفين يهدد آلافا آخرين بالتوقف عن الدراسة لعدم قدرة عائلاتهم على دفع تكاليفها. وعطلت الحرب مظاهر الحياة في المدن اليمنية، وقذفت بملايين اليمنيين إلى قاع الفقر، وشردت نحو ثلاثة ملايين يمني. الكتاب المدرسي وتمر الحكومة اليمنية بأزمة مالية عجزت بسببها عن طباعة الكتاب المدرسي، ووجهت نداء للمانحين الدوليين، خلال يونيو/حزيران الماضي، تطلب دعمها في هذا الجانب. ولاحقا أعلنت الحكومة عن وعود خليجية بطباعة الكتاب المدرسي للعام الجديد، وأوضحت، منتصف أغسطس/آب، أن دول مجلس التعاون الخليجي تعهدت بتقديم 10 ملايين دولار لدعم تمويل طباعة الكتاب المدرسي في اليمن. وتمول منظمة يونيسف طباعة الكتاب المدرسي في مناطق المتمردين الحوثيين وحلفائهم من حزب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، منذ اندلاع الحرب قبل نحو عامين ونصف. تهديدات بتوقف الدراسة وأوضح الباحث ومدير الإعلام بمركز الدراسات والإعلام التربوي، طاهر الشلفي، أنه في ظل وضع الحرب الذي يشهده البلد يمر قطاع التعليم بمنعطف خطير وتهديد فعلي بتوقف العملية التعليمية تماما، في ظل غياب وتوقف صرف الاعتمادات المالية التشغيلية لكافة جوانب العملية التعليمية. وقال الشلفي ل"العربي الجديد" إن "مايقارب 200 ألف معلم يمثلون 75% من إجمالي المعلمين يعيشون بلا مرتبات منذ ما يقارب العام، مما يشكل تهديدا قويا للعام الدراسي، فضلا عن تداعيات الأزمة الاقتصادية بشكل عام ومنها العجز عن طباعة الكتاب المدرسي". وأشار الباحث اليمني إلى توقف الميزانية التشغيلية للمدارس الحكومية، وتداعيات ذلك في العجز عن التهيئة الجيدة للمدارس مع بداية العام من عملية تنظيف وترميم للمقاعد أو للمباني. تظهر الإحصائيات الرسمية قبل الحرب، وجود فجوة كبيرة في التعليم باليمن، حيث يوجد أكثر من (661) مدرسة فيها أكثر من 250 ألف طالب يدرسون في العراء تحت الشجر وفي فصول من الصفيح، بحسب إحصائية لوزارة التربية والتعليم اليمنية 2013، فكيف الحال الآن وسط اشتعال الحرب ووجود الكوليرا.