سعت السعودية من لحظة اشتداد ساعدها الى العمل بكل ما في وسعها لجعل اليمن حبيس الجدران لما تعلم من امتلاكه لمقومات النهوض والحكم.. ومن الآليات التي اتبعتها لتحقيق ذلك هو استغلال حظوتها لدى الاميركيين بان لا تتعامل واشنطن مع اليمن بشكل مباشر وانما عن طريقها، أي أن اليمن في السياسة الخارجية الامريكية يكون مجرد ملف تابع للسياسة الخارجية السعودية وان لا يتم شيء في اليمن الا بنظر السعوديين ورضاهم... تكفل بملف اليمن الامير سلطان بن عبد العزيز واستند لاستراتيجية شراء ولاءات المشايخ ولاسيما المشايخ اصحاب النفوذ .. وكانت هناك قائمة طويلة بأهم الشخصيات المؤثرة في اليمن واعتمدت لهم مرتبات شهرية تتفاوت بحسب أهمية الشخصية واتباعها ومدى نفوذها..وضمنوا بذلك ان لا يصل الى السلطة في اليمن الا من يرضون عنه.. انقلاب الحمدي كان خارج حساباتهم، فما ان وصل السلطة حتى بدى منه ما كانت المملكة تخشاه، فعملت بالتنسيق مع المتضررين في اليمن (وهم المشائخ وبعض الضباط) على ترتيبات جديدة تمكن من ازاحة الحمدي او التخلص منه لاسيما والرجل ظهر بخطاب قومي واستقلالي في أوج الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفيتي ورغم أنه كان محسوبا على كتلة عدم الانحياز الا أنه من خلال خطابه صنف لحساب المعسكر السوفيتي .. وبحكم ان اليمن مجتمع تقليدي محافظ فقد استغلت السعودية البعد الديني لضرب الرجل ومشروعه، فصور على أنه رجل لا يكترث للشريعة وأنه يعزز قيم لا تنسجم والموروث الديني والثقافي في اليمن... تمكن المال والمكر السعودي من شيطنة الرجل وجعل رحيله او التخلص منه أمرا مطلوبا او على الاقل يمكن غض الطرف عنه.. وصعد الى السلطة من ترضاه المملكة عبر وكلائها في الداخل، فكان اختيار علي صالح..والحقيقة ان اختيار الرجل كان إمعانا في قتل الروح اليمنية، فتاريخ اليمن لا يقبل ان يتولى السلطة شخص كعفاش لا يمتلك اي مؤهلات علمية او غيرها..وقد عرف عن حكام اليمن سعة علمهم سواء حكم الأئمة او غيرهم كالدولة الرسولية التي حكمها ملوك اشتهروا بالعلم والمعرفة واجلال العلم وأهله.. قبول المشائخ والشخصيات المؤثرة بأن يؤول الأمر لعفاش يعكس في الواقع حجم العمى والارتهان للمملكة ومدى التشوه الذي الحقه المال السعودي في العقلية اليمنية وطريقة تفكيرها.. صمد عفاش في الحكم لكنه كان مدركا كل الادراك لما تريده السعودية وطريقة تفكيرها، فقولب نفسه على ذلك لاسيما وهو انسان بسيط كل ما يمتلكه "سيمخته" وطموحه ومحيط من عملاء للسعودية يمكن في اي لحظة ان ينقلبوا عليه... من أجل ان يغير هذا الواقع كان لا بد ان يتخلص من وصاية احد عليه ويقنع السعوديين بأن يتم التعامل معه مباشرة دون الحاجة لغيره.. السعوديون لا يمكن ان يمكنوه من هذا لأن الابقاء على ولاء القبائل ومشايخها بنظرهم أكثر ضماناً لهم..أول محاولة لعفاش للخروج من عباءة السعودية تمثلت بوقوفه الى جانب العراق عقب غزوه للكويت، وهي الخطوة التي حرصت دول الخليج على جعل اليمن يدفع ثمنها باهضا من خلال طرد اليمنيين ودعم الانفصال. غير أن محاولتهم تلك باءت بالفشل بسبب الالتفاف الشعبي والتوافق السياسي ونجاح دبلوماسية عفاش في ادارة الازمة على المستوى الخارجي.. حرص عفاش كل الحرص على التحرر من الوصاية السعودية وخدمته الظروف في ذلك..حيث شهدت اليمن تشكل تحالف معارضة بين اليسار والمحافظين مما جعل خيار عفاش ونظامه موضع قبول لدى الخارج لأن نجاح التجربة الديمقراطية في اليمن يعني الاتجاه نحو الاستقلال السياسي ونشوء جسم غريب في الجزيرة العربية تخشاه الانظمة الملكية اشد ما يكون، فكان فتح صفحة جديدة مع عفاش اهون الأمرين وهو ما استغله عفاش لتثبيت دعائم حكمه والتخلص من شركائه سواء كانوا افراد او احزاب .. وعمل في الوقت نفسه على تعزيز علاقته بواشنطن ومحاولاته الدؤوبة على كسب ثقتها حتى يتم اقامة علاقات مباشرة معها لا أن تكون عن الطرق السعودية..الظروف مرة أخرى خدمته من خلال اليمنبالولاياتالمتحدة من خلال التحول على المستوى الدولي ودخول العلاقات الدولية مرحلة الحرب على الارهاب وتبني الولاياتالمتحدةالامريكية استراتيجية عالمية لمكافحته، فاثبت للامريكان بأنه حليف جدير بالثقة واستخدم ملف الارهاب للتحرر من الوصاية السعودية وتخفيف المعارضة له في الداخل.. لكن اندلاع الثورات العربية لخبطت كل الحسابات، واشتد ساعد المعارضة في الداخل لاسيما بعد ما رأت من عفاش انفراده بالسلطة وسعيه لتوريث الحكم.. لكن السعودية كانت ترصد الوضع في اليمن وكلا الخيارين ليس في صالحها، فعفاش الذي استخدم دهائه واستثمر الظروف للتخلص من وصاية آل سعود وكسب ثقة واشنطن والتعامل معها بشكل مباشر دون الوسيط السعودي هو ايضا خطرا عليها لا يقل عن خطر نجاح الثورة في اليمن..دعمت عفاش لوأد الثورة. وهنا يدخل الحوثي وتمرده على الخط، فبينما كانت المملكة تبحث خيارات تفكيك المشهد اليمني وجدت ظالتها في الحوثي المدعوم ايرانيا وتعزيز النزعة الانفصالية والوقوف مع عفاش ضد الثورة وتدخلها باسم دول الخليج لحل الأزمة اليمنية، وبذلك تضمن عدم اكتمال مشروع عفاش وعدم نجاح الثورة. وبحسب تقديري ان محاولة اغتيال عفاش في انفجار النهدين لم يكن سوى عمل استخباراتي او تمكين استخباراتي لتصفية عفاش وتحميل الثورة وزر ذلك وتنصيب خليفة لعفاش بانقلاب عسكري موالي له وتصفية الثورة ومن يقف وراءها. كانت المملكة تخشى ان يتمكن عفاش من وأد الثورة وبالتالي مضيه في حكم اليمن خشية ان ينقلب عليها خاصة وأنه بات سياسيا مخضرما يمتلك خبرة اكثر من ثلاثة عقود في ادارة الصراعات الداخلية والخارجية، وهو ما يعني أن وصول دماء شابة للسلطة في الخليج عموما والسعودية خصوصا سيجعل من صالح السياسي الأكثر خبرة وحنكة وربما انقلب السحر على الساحر. تصفية عفاش سياسيا كانت ضرورة بنظر صانع القرار السعودي. الحوثي كان الترياق للهاجس السعودي إزاء اليمن. │المصدر - الخبر