الدور البريطاني والأمريكي في اغتيال الزعيم الشهيد إبراهيم الحمدي عبدالله بن عامر لم يكن انقلاب 11اكتوبر 1977م الدموي مجرد حدث عابر في تاريخ اليمن المعاصر بقدر ما كان انتكاسة حقيقية لا زلنا نعيش آثارها وتداعياتها حتى اللحظة كون المستهدف من ذلك الانقلاب لم يكن شخص الرئيس الزعيم الحمدي بقدر ما كان استهدافاً لمشروعه الوطني الذي كان على مشارف الوصول الى مرحلة يستعيد بها اليمن مكانته التاريخية على الصعيدين الإقليمي والدولي مستفيداً من موقعه الجيوستراتيجي وثرواته المتنوعة التي على رأسها ثروة الانسان وهو ما عزز من أواصر التلاقي بين الحمدي وسالمين رحمهما الله حيث مضى الزعيمان بخطى واثقة نحو تحقيق الحلم اليمني الذي كان يتطلب التحرر من الوصاية والهيمنة الخارجية كمصلحة وضرورة جمعت الشطرين ووحدت الشعب المتطلع ليمن واحد بعيداً عن هيمنة وتسلط النظام السعودي الذي كان يمارس هذه الهيمنة باسم المعسكر الغربي وتحديداً الولاياتالمتحدةالأمريكية على الشطر الشمالي فيما المعسكر الشرقي له نفوذه على الشطر الجنوبي. وليس من السهولة على الشطرين في تلك الفترة الخروج عن مسار الصراعات الدولية والتجاذبات الإقليمية غير ان الحمدي وسالمين قررا وفي لحظة تاريخية مهمة اتخاذ خطوات جادة في سبيل تحقيق مشروع اليمنيين المتمثل في الوحدة وبناء القوة والاعتماد على الذات وحماية السيادة الوطنية على الأرض والجو والبحر وكل ذلك اثار انزعاج القوى الكبرى ناهيك عن فزع النظام السعودي الذي يرى الى اليمن خطراً داهماً يتهدد كيانه اذا ما تمكن من النهوض على قدميه وتوفرت الفرصة لأبنائه من أجل المساهمة في عملية البناء والتغيير. اليوم تكشف الصحيفة عن معلومات حصلت عليها بشأن الدورين البريطاني والامريكي في التخطيط لعملية اغتيال الزعيم إبراهيم الحمدي منها معلومات سبق وان كشفت عنها وسائل إعلامية غربية بشكل متفرق خلال العقود الماضية على رأسها علم لندن بمشروع التخلص من الزعيم الحمدي وكذلك النوايا الامريكية لمنع الحمدي من تنفيذ مشروعه والحيلولة دون زيارته الى عدن التي كانت مقررة في12اكتوبر 1977م. وقتها كانت توجهات الزعيم الحمدي ومواقفه إضافة الى تحركاته العربية والدولية تثير الجانب الأمريكي الذي اعتمد على مصادره في الداخل للحصول على معلومات مفصلة بشأن نوايا الزعيم الحمدي وتوجهاته خلال تلك الفترة سيما ما له علاقة بتنفيذ التفاهمات السرية مع الشطر الجنوبي الامر الذي كانت ترى فيه واشنطن بأنه سيمثل تهديداً للمصالح الامريكية في المنطقة وسيخل بالتوازنات الدولية ولهذا نجد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر يطمئن الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي قام بزيارة واشنطن من أجل اطلاع الإدارة الامريكية على تحركات الزعيم الحمدي وعلى ما يبدو ان تلك الزيارة كان الهدف منها ليس وضع الرئيس الأمريكي امام تطورات الوضع في المنطقة على ضوء التقارب بين الشطرين بقدر ما كان هدفها الحصول على ضوء اخضر امريكي للتخلص من الزعيم الحمدي الذي رأى فيه النظام السعودي خطراً يجب القضاء عليه حتى لا يصبح هناك عبدالناصر آخر في المنطقة. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل تحدث كارتر عن وجود تنسيق مع الاتحاد السوفياتي بشأن الزعيم الحمدي وهو ما يشير الى اتفاق بين موسكووواشنطن على افشال مشروع الحمدي وسالمين حتى لا تفقد القوتان مصالحهما في المنطقة فروسيا او ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي لا يريد التخلي عن همينته على الشطر الجنوبي فيما الجانب الأمريكي لن يقبل بإنهاء نفوذه على الشطر الشمالي عن طريق النظام السعودي إضافة الى مخاوفه على هذا النظام الذي كان يرى ضرورة إبقاء اليمن تحت الوصاية. على ذات الصعيد كانت المخابرات البريطانية قد تمكنت من رصد تحركات المعارضين للزعيم الحمدي الذي كلما تم استهدافه اعلامياً وكذلك من خلال الشائعات تضاعفت شعبيته ليس في الشمال فقط بل والشطر الجنوبي كذلك .. هذا ما حذرت منه السفارة حين اشارت الى قوة الزعيم الحمدي والتفاف الشعب حوله لدرجة عدم الانجرار وراء ما يقال وهو ما يعني فشل مخططات استهدافه من خلال تلك الأساليب ليصبح امر التخلص منه خيارا وحيداً للقضاء على مشروعه. ما نشرته صحيفة الصن البريطانية 2001م يشير الى ان حملات تشويه الزعيم الحمدي لم تكن مجرد اجتهادات أطراف محلية لها خصومة مع الرجل بقدر ما كانت نتاج مطابخ استخباراتية دولية عملت على دراسة نقاط الضعف والقوة لدى الحمدي فحاولت استهدافه من خلال عدة نقاط ابرزها الدق على وتر الجانب الديني في محاولة لكسب تعاطف أبناء الشعب اليمني المحافظ والملتزم حيث وجهت اتهامات للحمدي بتبني الشيوعية وانه سيعمل على نشر الفساد الأخلاقي في المجتمع الامر الذي يشكل خطراً كبيراً على عادات وتقاليد الشعب اليمني. مثل هذه الشائعات وجدت طريقها الى الشارع لكنها لم تحدث أي اثر يذكر رغم ان اطرافاً محلية اجتهدت في اعدادها واخراجها بالشكل الذي يثير مشاعر اليمنيين ناهيك عن تبنيها من قبل قيادات النظام السعودي الذي حاول قبل اشهر من اغتيال الزعيم الحمدي دفع القبائل الى التمرد المسلح ودخول العاصمة لإسقاط السلطة إلا ان هذه الرغبة لم تنفذ بسبب رفض عدد من المشايخ الفكرة ومعرفتهم بحقيقة النوايا السعودية الهادفة الى دفع اليمنيين الى الاقتتال. واذا ما اسقطنا ما حدث في تلك الفترة سيما ما له علاقة بالدور الخارجي على ما يحدث الآن لوجدنا الكثير من التشابه فكل طرف يحمل مشروعاً من خلاله يستعيد اليمن دوره ويقف على قدميه سرعان ما يتم استهداف هذا المشروع بحملات تشويه تطال رموزه وافكاره حتى يصبح اليمنيون في موضع الشك والريبة من هذه المشاريع التي تهدف الى تحريرهم من النفوذ الخارجي والوصاية الأجنبية ووضعهم في المكان الصحيح للانطلاق الحقيقي نحو المستقبل وإذا ما فشلت هذه المشاريع يتم تدعيمها بمشاريع ومخططات أخرى قبل ان يتم الانتقال الى وسائل أخرى شهدناها جميعاً من خلال زعزعة الامن والاستقرار وبث الفوضى في المجتمع إضافة الى العدوان الشامل الذي استهدف كل شيء من ارض وبشر ولا يزال. ايضاً وقوف الأمريكي والى جانبه البريطاني خلف ما يحدث لليمن واليمنيين فالنظام السعودي قبل ان يقدم على تمويل ومتابعة ومن ثم الاشراف على تنفيذ مخطط اغتيال الزعيم الحمدي كان لا بد له من الحصول على ترخيص مسبق من البيت الأبيض وهو ما استدعى زيارة الأمير سلطان بن عبدالعزيز- مسؤول الملف اليمني واللجنة الخاصة- الى واشنطن التي بدورها كان لها اتصالات مع الروس فيما يتعلق بمشروع سالمين والحمدي, ولعل من المفارقات في تاريخ الحرب الباردة اتفاق الروسي والامريكي على ملف من الملفات في فترة شهدت خلافات حادة في معظم نقاط وبؤر التوتر على مستوى العالم بين البلدين اللذين اتفقا على افشال المشروع اليمني تاركين أمر التنفيذ للنظام السعودي. وليست المرة الأولى التي تتفق فيها القوى العالمية على احباط تطلعات اليمنيين وافشال مخططات قادتهم للتحرر من الهيمنة الخارجية وبناء دولة تستند الى حقائق التاريخ والجغرافيا مستفيدةً مما وهبها الله من ميزات وخيرات الى جانب ميزة الانسان الذي يقف اليوم أمام تحالف يضم ذات القوى العالمية التي سبق وان اتفقت على إجهاض إرادة النهضة وعزيمة التغيير. وحتى نقف على أسباب ذلك او بعض تلك الأسباب لابد من الإشارة الى ما يمثله اليمن من أهمية في العقلية الغربية الصهيونية ثم في عقلية النظام السعودي الذي دعا مؤخراً الى انشاء تحالف يضم البلدان المطلة على البحر الأحمر مضافاً اليها الدول المطلة على خليج عدن لتصبح التسمية تحالف دول البحر الأحمر وخليج عدن. هذه الدعوة المشبوهة تحمل لنا مؤشرات عدة ابرزها ما يعيشه النظام السعودي من ازمة ناتجة عن الفشل في اليمن وعن جريمة خاشقجي ولا ننسى هنا ما تركته الازمة الخليجية من آثار وتداعيات على الموقف السعودي الذي كان يرسم بعيون صهيونية مستقبل المنطقة ضمن صفقة القرن لينتقل من التحالف العربي الى التحالف الإسلامي الى تحالف البحر الأحمر وخليج عدن وكلها تحالفات أمريكية الهدف صهيونية الغاية عربية الأدوات والوسائل تدور حول فكرة التطبيع وتمارس دوراً أمريكياً واضحاً ضمن الاستراتيجية التي سبق وان اعلنها الرئيس السابق باراك أوباما والتي تقوم على ايكال مهمة التدخل العسكري وتنفيذ السياسات الامريكية للأدوات في المنطقة تماماً كما أوكلت ذات المهام لنفس الأدوات في محاربة ما كان يعرف بالمد الشيوعي فقبل حرب أفغانستان كان هناك محاولات سعودية لجمع الدول المطلة على البحر الأحمر تحت مظلة تحالف استجابت له معظم الدول العربية المطلة بما فيها الشطر الشمالي من الوطن إلا ان انكشاف حقيقة الفكرة وأهدافها المتمثلة في محاربة النفوذ السوفيتي الذي كان له تواجد في الشطر الجنوبي وكذلك في الصومال ومن ثم في اثيوبيا دفع اليمن ودول أخرى الى عدم تشجيع الفكرة لتفرض فيما بعد المستجدات على الزعيم الحمدي تبني مبادرة لجمع الدول المطلة على البحر الأحمر بعيداً عن النفوذ الشرقي او الغربي فكان مؤتمر تعز الرباعي ومقرراته ناقوس خطر بالنسبة للأمريكيين والبريطانيين إضافة الى العدو الصهيوني الذي وسع من نشاطه الاستخباري وتواجده العسكري جنوبالبحر الأحمر ليبدأ في استفزاز اليمن من خلال الطلعات الجوية فوق المياه الإقليمية اليمنية ومحاولة احتلال بعض الجزر. لقد واجه الزعيمان الحمدي وسالمين ليس النظام السعودي ولا المعسكر الغربي فحسب بل والشرقي ايضاً حين اتخذوا مسار الانحياز لتطلعات الشعب اليمني والاستجابة لتحديات تلك المرحلة التي كانت تستدعي توحيد الجهود لحماية الجزر والساحل الغربي وباب المندب بعد ان تخاذلت الدول العربية وتقاعست عن الاستجابة للمطالب اليمنية التي كانت تسعى لإنشاء قاعدة عربية التمويل يمنية التنفيذ والادارة في باب المندب وهو التقاعس الذي شجع الكيان الصهيوني على المزيد من الانتهاكات للسيادة اليمنية والاستفزازات المستمرة طوال تلك الفترة الموثقة في تقارير استختباراتية وكذلك في وسائل الاعلام. من خلال الاطلاع على حقائق تلك الفترة نجد ان النظام السعودي يمارس ادواراً مشبوهة تخدم المصالح الامريكية والإسرائيلية في المنطقة ويكفي هنا ان نربط بين تحركات الحمدي وسالمين فيما يتعلق بباب المندب والبحر الأحمر وبين اغتيال الحمدي تحديداً بعد ذلك بأشهر حيث ان ضلوع النظام السعودي في العملية لم يعد امراً محل جدل او تشكيك بقدر ما اصبح حقيقة دامغة تجعلنا نؤكد أن اغتيال الحمدي بقدر ما كان إرادة سعودية لأسباب مختلفة لا مجال لشرحها هنا كان رغبة أمريكية كذلك او بالأصح ان المصلحة في التخلص من الحمدي جمعت الرياضوواشنطن ومعهما تل ابيب ولندن بل ولا نبالغ عندما نقول موسكو.