يزدهر برنامج –طائرة بدون طيار- الذي تقوم به الولاياتالمتحدة في اليمن. وخلال هذا الأسبوع شنت المقاتلات الأمريكية عددا من الضربات على مواقع مشتبهة لعناصر من تنظيم القاعدة وقد أسفرت الضربات عن مقتل عدد من العناصر التي تم استهدافها. وفيما تزدهر تلك الضربات التي يتم تنفيذها جنوباليمن -في الغالب- يغيب الموقف الرسمي الأمريكي ويتحاشى المسئولون الأمريكيون في الكونغرس الإجابة على أسئلة الصحفيين بخصوص هذه الضربات. وإذ تتكرر المحاولات في تفهم الموقف الرسمي للقادة الأمريكان, تتكرر الضربات الجوية للطائرات بدون طيار على أهداف إرهابية وتحمل تلك الضربات سقوط عدد من الضحايا سواء كانوا عناصر إرهابية مستهدفة أو مدنيين أبرياء. في يوم الاثنين صرح مسئولون في اليمنوالولاياتالمتحدةالأمريكية بأن طائرات أمريكية بدون طيار والقوات اليمنية لمكافحة الإرهاب قتلت أكثر من 36 مقاتلا ينتمون إلى فرع تنظيم القاعدة في اليمن والجزيرة العربية في أوسع العمليات التي شنت هناك. وقد نفذت على الأقل ثلاث ضربات جوية ضد مقاتلي القاعدة في موكب وفي معسكرات تدريب للقاعدة المنتشرين في جنوباليمن. وقال مسئولون في تصريح لهم بأن أولئك المقاتلين كانوا يخططون لشن هجمات على منشآت مدنية وعسكرية. في يوم الاثنين صرح وزير الداخلية اليمني أن عدد القتلى من مقاتلي القاعدة بلغ خمسة وخمسين قتيلاً إلا أن مسئولاً رفيعاً ذكر بأن عددهم تجاوز الأربعين قتيلاً. كما أقرت الحكومة في بيان لها بمقتل ثلاثة مدنيين وجرح خمسة آخرين في أحد الضربات الجوية التي شنت يوم السبت. يقول مسئولون يمنيون بأنهم يعكفون على معرفة هوية أولئك الذين قتلوا في تلك الغارات. من جانبها فالولاياتالمتحدة في إطار حملتها ضد الإرهاب -مستخدمة طائرات بدون طيار في اليمن- تحاول قتل ناصر الوحيشي زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية المتمركز في اليمن, كما أنها تحاول جاهدة في قتل المدعو إبراهيم العسيري مهندس التفجيرات الرئيسي للجماعة, وهو عنصر هام في التنظيم وله خبرات واسعة في صنع القنابل والمتفجرات بواسطة دوائر كهربائية ذكية قادرة على عمل إنفجارات قوية، إلا أن مسئولين أمريكيين ذكروا في يوم الإثنين بأن هؤلاء ليسوا الهدف المنشود في تلك الضربات. لقد ترنحت الولاياتالمتحدة خلال العامين الماضيين بين الأزمات في الشرق الأوسط ، بما في ذلك الأزمات التي وقعت في جميع دول شمال أفريقيا ومن ذلك انصب التركيز على اليمن. ورغم التعقب الشديد الذي تقوم به طائرات بدون طيار مستهدفة الجماعات الإرهابية خصوصا في المحافظاتالجنوبية ورغم تكرر الضربات وورود أنباء عن مقتل عدد من العناصر إلا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ومنذ المرحلة الأولى من برنامج طائرات بدون طيار تضع الأنظار الدولية والغضب الشعبي في اليمن أمام لجة من الغموض الذي يلف هذه العملية, غموض لم تكشفه أو توضحه أي تفسيرات رسمية من القادة الأمريكان. صحيح أن الاضطرابات التي يشهدها اليمن تعود لمجموعة من الأسباب لعل تنظيم القاعدة واحد من الأسباب الرئيسية, إلا أن الموقف الأمريكي هذا لا يستطيع إقناع عدد كبير من المنظمات الدولية والحقوقية الواقفة ضد البرنامج بمدى التأثيرات السلبية التي تفوق الجانب الايجابي لهذه العملية. إن الدور الدقيق الأمريكي في الضربات الجوية والعمليات البرية لم يكن واضحاً، وصرح مسئولون بأن الضربات الجوية التي يتم تنفيذها باستخدام طائرات بدون طيار تديرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلا أن مسئولين في الوكالة لا يزالون يتمسكون بالصمت ويرفضون التعليق على ذلك. في نفس الوقت يؤكد مسئولون آخرون بأن قوات عسكرية من العمليات الخاصة الأمريكية تدعم العمليات اليمنية على الأرض بمعلومات استخباراتية إضافة إلى الدعم اللوجستي إن أمكن. ما يزيد الموقف الامريكي المزيد من الغموض هو رفض البنتاغون مناقشة هذه العمليات. في جانب الموقف اليمني يرى عدد من المراقبين أن إثارة المخاوف من عناصر تنظيم القاعدة التي أتت على خلفية التحذير، ومن احتمال تجدد خطر هذه الجماعة مبالَغ فيه، لاسيما بعد تلقي التنظيم لضربات متتالية موجعة، قضت على أهم قياداته الميدانية ممن سقطوا تباعا على مدار السنوات الأربع الأخيرة، منذ بدء واشنطن في استخدام الطائرات بدون طيار لاستهداف المشتبهين بالانتماء للقاعدة. مصادر أخرى تذهب إلى أن الهدف الحقيقي من التضخيم الجاري لمخاطر القاعدة، يتمثل في البحث عن ذرائع ومبررات للإنتهاكات وعمليات القتل الجارية خارج إطار القانون التي تقوم بها واشنطن في الأراضي اليمنية، بواسطة الطائرات بدون طيار. إلى ذلك وفي الجانب الآخر –حكومة الولاياتالمتحدة- فالواضح أيضا أن واشنطن ترمي من وراء ذلك، إلى استمرار الضربات الجوية التي تواجه بانتقادات دولية، لاسيما من قِبل منظمات حقوقية ومدنية في الولاياتالمتحدة والتي تناهض سياسات واشنطن في محاربة الإرهاب وتعتبرها خطرا على حياة وأمن الشعب الأمريكي، وتحاط بصمت داخلي مريب، من طرف الحكومة والمنظمات الحقوقية والمدنية اليمنية، التي يبدو أنها فتحت المجال واسعا للإستنفار الدائم من استمرار الانتهاكات المتتالية للأراضي اليمنية وتعرض المدنيين للقتل العشوائي الذي يليه صمت داخلي ودولي لا يشجع في تقديم أي مساءلات قانونية على العملية المتكررة. السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جاي كارني أحال جميع الأسئلة المطروحة عن العمليات- التي بدأت يوم السبت واستمرت إلى ما بعد منتصف ليل يوم الأحد- إلى الحكومة اليمنية، وتحدث بشكل عام فقط عن التعاون ضد الإرهاب بين البلدين. وأشار في حديثه عن القاعدة في شبه الجزيرة العربية قائلاً "كما تعرفون لدينا علاقة تعاون مشترك قوية مع اليمن وقد عملنا معا في مبادرات متعددة لمواجهة التهديد المشترك المتمثل في تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب." يسعى مسئولون أمريكيون إلى التقليل من أهمية الدور الأمريكي عن طريق منح الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الفرصة الكبيرة لتعزيز مصداقيته الداخلية محلياً, وأن له الفضل الواسع والجهد المذكور في تلك العمليات. ويفسر هذا التعزيز الملفت للنظر من الجانب الأمريكي نحو الرئيس هادي تلك العلاقة السابقة والقديمة التي أقامها الأمريكان مع الرئيس اليمني السابق صالح والتي خالطها جوانب من عدم المصداقية والتلاعب بإطار وتعاهدات التعاون المشترك بين البلدين في مكافحة الإرهاب. وقد كانت علاقة أولئك المسئولين بالرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي حكم لفترة طويلة علاقة مضطربة إلا أنهم عززوا ثقتهم بالرئيس هادي وازدادت مساعداتهم لليمن. تعتبر الهجمات التي نفذتها طائرات من دون طيار من أوسع الضربات التي نفذت في اليمن في هذا العام – والتي تقدر حتى الآن ب 11 ضربة وفقا لما أوردته مجلة The Long War Journal في موقعها على الشبكة العنكبوتية وهي مجلة تتبع ضربات الطائرات بدون طيار – وهي أيضا من أوسع الضربات التي نفذت منذ أن وضع الرئيس أوباما استراتيجية جديدة في شهر مايو الماضي والتي تستهدف مقاتلي القاعدة في ميادينهم القتالية خارج أفغانستان. وفي حديث ألقاه في وقت سابق, قال الرئيس أوباما إن تلك العمليات – ضربات الطائرات بدون طيار- يتم تنفيذها ضد أولئك المقاتلين الذين يشكلون "تهديداً وشيكاً ومستمراً للشعب الأمريكي" وأن الضربات التي يصدر الأمر بتنفيذها تتم بعد التيقن من أنه لن يتم فيها قتل أو جرح للمدنيين وهي عقبة وصفها ب "أعلى المعايير التي نتخذها". وبما أن الإدارة الأمريكية لم تؤكد بأن الولاياتالمتحدة هي من نفذت الضربات الجوية في عطلة نهاية الأسبوع فمن غير الواضح ما إذا كان أولئك الأشخاص الذين استهدفتهم تلك الضربات يشكلون تهديدا للأمريكيين. ففي الماضي استهدف جناح القاعدة سفارة الولاياتالمتحدة في العاصمة اليمنيةصنعاء. في وقت سابق وفي إطار تبرير الموقف الأمريكي غير المعلن من ضربات الطائرة بدون طيار, حدد الرئيس أوباما شخصيا الظروف التي يسمح فيها بقتل مشتبه فيهم، واشترط أن يكون "هدفا" يسمح به القانون الأمريكي، وأن يشكل خطرا حقيقيا بشكل مباشر على الولاياتالمتحدةالأمريكية وعلى مصالحها، ويتعذر القبض عليه وأن تتجنب العملية المدنيين. وتؤكد الإدارة الأمريكية أنها لا تستهدف إلا قيادات القاعدة و"القوات المرتبطة" بها دون تحديد المعايير التي تتخذها في وضعها "لقوائم القتل"، لكن الأكيد أن عدد هذه القيادات ضئيل مقارنة مع مئات القتلى ضحايا الهجمات. والواقع أن المصالح المعنية تستهدف أيضا مقاتلين بسطاء مجهولي الهوية دون أن توجه لهم اتهامات، بينما يدفع المدنيون ثمنا فادحا للأخطاء البشرية والتقنية التي يتجاهلها المسئولون السياسيون والعسكريون للاستمرار في إتباع برنامج القتل المستهدف، ليصبح اليمن بعد باكستان في عملية تطهير الأرض من العناصر التي تهدد الاستقرار المحلي والإقليمي والدولي ويجب أن يخضع لمثل هذه البرامج الذكية قبل أن تصل الكارثة إلى الداخل وتهدد الأمن القومي الأمريكي. إن الغارة التي شنتها قوات مكافحة الإرهاب اليمنية في يوم الأحد الماضي والتي وقعت في الشارع الرئيسي الذي يربط محافظة شبوةالجنوبية بمحافظة مأرب المجاورة لها بلغت ذروتها في حوالي 48 ساعة من الغارات الجوية المكثفة ضد التنظيم. وقال الرئيس اليمني هادي في بيان للحكومة بأن "العملية رسالة قوية لعناصر الإجرام والإرهاب وبأن القوات المسلحة وقوات الأمن مستعدة لإحباط وإفشال أي أعمال إرهابية في أي وقت وأي مكان". وذكر البيان أن الضربات الجوية دمرت معسكرا للقاعدة في منطقة نائية وجبلية في محافظة أبينالجنوبية وأدت إلى مقتل 24 مقاتلا بمن فيهم مقاتلون أجانب. وأضافت الحكومة بأن العديد من الضربات الجوية استهدفت عربات ومقاتلين للقاعدة في كل من أبين وشبوه والبيضاء. وقال محسن لبحس، مواطن من مواطني اللحب وهي قرية واقعة على الطريق السريع الذي يربط مدينتي عتق و بيحان في محافظة شبوة قال بأنه فور سماعهم لأصوات إطلاق النار في ليلة الأحد أسرع هو ومواطنون آخرون في سياراتهم تسابقوا للوصول إلى موقع إطلاق النيران، إلا أن طائرات بدون طيار وطائرات هليكوبتر أمريكية قابلتهم. وقال: "تركنا سياراتنا لأننا خفنا أن تضربنا تلك الطائرة ولكن اتضح لنا بأنها تحذرنا من الاقتراب من المنطقة. وبعد حوالي نصف ساعة ألقت الطائرة بصاروخ على أرض مستهدفة". ففي صباح يوم السبت استهدفت ضربة عربة في محافظة البيضاء أدت إلى مقتل عشرة مقاتلين وجرح واحد وفقاً لما ذكرته الحكومة. وذكرت أيضاً بأن الاستخبارات أشارت إلى أن المقاتلين كانوا يخططون لشن هجمات على مؤسسات مهمة. وقال البيان: "من المحزن جداً أن ثلاثة مدنيين قتلوا وجرح خمسة آخرون في هذا الهجوم عندما ظهرت فجأة الناقلة التي تقلهم وبشكل غير متوقع بالقرب من العربة المستهدفة". هامش: اريك شميث كاتب بارز متخصص في تغطية قضايا الإرهاب والأمن القومي لصحيفة نيويورك تايمز. ومنذ العام 2007 قدم شميث عددا كبيرا من التقارير عن قضايا الإرهاب، في باكستانوأفغانستان وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا. كما أنه مؤلف مشارك، مع وثوم شانكر في التايمز لواحد من أهم الكتب: "الضد: القصة غير المروية من الحملة الأمريكية ضد تنظيم القاعدة"، المنشور في العام 2011م. نقلا عن صحيفة الناس