حينما اجتاحت موجة الغضب العربي عام 2011م وثارت على الحكام العرب الجاثمين على صدور الأمة منذ عشرات السنين رفع المتظاهرون والمحتجون والغاضبون شعارات شتى ورددوها في الشوارع والميادين العامة ونقلتها كل وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية , ومنها ارحل , ارحل , ولكن شعار (الشعب يريد إسقاط النظام) كان شعاراً غير منطقي وغير موفق وقد ترك آثاراً سلبية سيئة ومحزنة ومؤلمة في معظم الشعوب العربية التي قامت فيها الانتفاضات, فشعار إسقاط النظام كان شعاراً متطرفاً وخاطئاً , لأن إسقاط النظام هو سقوط للدولة بكامل نظامها السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني والدستوري والمؤسسي والاجتماعي والثقافي , وهذا يعني أن البديل لهذا السقوط الكلي المريع هو الفوضى الكاملة وانهيار كامل لكل أركان الدولة , ففي ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي كان المصريون يخرجون إلى الشوارع والميادين العامة في مظاهرات صاخبة يرددون فيها شعارات بسيطة وهي إسقاط الملك ورحيل الاستعمار وليس إسقاط النظام لأن الدولة والنظام ركنان أساسيان لوجود الدولة بصرف النظر عن غياب الملك أو الرئيس . فحينما تم إسقاط النظام في العراق جيشاً وأمناً ونظاماً وقانوناً ودستوراً من خلال التدخل والاعتداء الآثم والغزو الغاشم من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها الاستعماريين أسقطوا النظام العراقي بالقوة المسلحة وأسقطوا معه الدولة وهيبتها وأركانها وكيانها وأصبحت العراق منذ عام 2003م تعيش حالة اللادولة بصرف النظر عن التمثيليات السياسية في الانتخابات الطائفية والعرقية والمذهبية فهي لا زالت تعيش في حالة احتلال أجنبي ونهب لثرواتها الطبيعية . وفي كل من اليمن وليبيا ومصر ردد المتظاهرون نفس الشعار وهو المطالبة بإسقاط النظام وطالبوا بإسقاط الدولة فسقطت الدولة وسقط معها النظام الأمني والعسكري والدستوري وسقط معها القانون والنظام وسقطت كل المؤسسات وكل من هذه الدول ومنذ ثلاثة أعوام تعيش حالة اللادولة , وكانت الفوضى الخلاقة وظهور العصابات المسلحة وانتشارها داخل الدولة بالإضافة إلى التقطعات في الطرق العامة وممارسة النهب والسرقة بالإكراه وظهور الميليشيات المسلحة والاغتيالات والعنف وكل مظاهر الانفلات الأمني والعسكري وانهيار الخدمات الأساسية وانعدام المشتقات النفطية والغاز, كان هو البديل المباشر لشعار إسقاط النظام , ولا تزال تلك الفوضى قائمة وتمارس منذ ثلاثة أعوام حتى يومنا هذا , فهذه الفوضى التي خلفتها الهبّة الشعبية قد أوصلت الشعوب المستهدفة إلى حافة الهاوية والانهيار الكامل لكل شيء اقتصادياً ومعيشياً وتنموياً واجتماعياً وتعليمياً وتربوياً وسياسياً وأمنياً وثقافياً وأخلاقياً , وبات من المستحيل إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه . وهناك الكثير من النافذين والعصابات المسلحة لا يريدون إلا أن يعيشوا في مجتمع الفوضى ومجتمع اللادولة فهذه هي بيئتهم التي يتمنون بقاءها . إن الأنظمة التي قامت فيها الانتفاضات الشعبية عام 2011م كانت أنظمة ديكتاتورية وتسلطية واستبدادية وفاسدة وجاهلة , وكان من الضروري استئصال شأفتها ومن ثم خلعها من كراسيها كما يخلع الضرس من الحنك . وفي المقابل كان من المفترض أن يطالب المحتجون والغاضبون وبإصرار بالتغيير الجذري داخل نظام الدولة والقضاء على الفساد والفاسدين والعابثين بمقدرات الشعوب ونهب ثرواتها وتهريبها إلى الخارج والمتاجرة بحقوق الشعوب والقضاء على التوريث. أي أن الشعوب كانت تريد تحقيق ثلاثة مطالب أساسية وهي: التغيير الجذري ابتداء من قمة الهرم للنظام السياسي القائم , والقضاء على الفساد والفاسدين , وبناء دولة حديثة يسودها النظام والقانون وتطبيق ذلك على كل صغير وكبير يعيش على أرض الوطن مهما كانت صفته أو وجاهته أو نفوذه وعدم احتكار السلطة وتركزها في أيدي أسرة أو قبيلة أو حزب معين وهذا ما كانت تريده الشعوب العربية التي اجتاحتها موجات الغضب في الربيع العربي لا أن تحل الفوضى والانهيار محل سقوط النظام .