لم يعد الحديث في ظل العدوان الإسرائيلي البغيض على قطاع غزة عن المتخاذلين العرب، ولا عن المقصرين عن نصرة الفلسطينيين والوقوف معهم، ولا عن المتأخرين عن النجدة والمساعدة، ولا عن الممتنعين عن التحرك والمشاركة، إذ قد نجد لبعضهم عذراً، وقد نقبل منهم تبريراً لعجزهم، وتفسيراً لتأخيرهم، وقد نصدق حجتهم، ونبرئ ذمتهم، ونعفيهم مما يحرجهم. ولكننا قد لا نقبل عذر آخرين، ولا نسلم بحجتهم، وقد نشك في تفسيرهم، ونرفض القبول بتبريرهم، إذ أن حجتهم ضعيفة، وبيانهم غير مقنع، وصمتهم غير مبرر، وحيادهم غير مفهوم، ودعوى انشغالهم وهم، ودفاعهم عن أنفسهم بالضعف وعدم القدرة والخوف من الانزلاق في حربٍ غير متكافئة، كذبٌ وغير صحيح، وهو ليس إلا محاولة للفرار، وحجة للتخلي، وإعفاء النفس من الواجب والمسؤولية. بعضهم الأول قد لا يملك القوة فعلاً، وقد لا يوجد عنده القدرة على نصرة غزة بالسلاح أو بالمال، ولا يجد ما يحمل عليه نفسه والمتطوعين، وعنده من المشاكل والهموم، والاضطرابات والقلاقل، والنزاعات والحروب، والفقر والفاقة والحاجة، ما يمنعه عن المشاركة والمساهمة، والمساعدة والنصرة، وفي هذا يتساوى القريب والبعيد، والجار الجنب والقاصي البعيد. ولكن قلوب الكثير منهم تكاد تتفطر على غزة وأهلها، حزناً وألماً ألا يجدوا ما ينفقون في سبيلها، ويتمنون لو أنهم يستطيعون نصرتها بالسلاح، والوقوف معها بالرجال، ومساعدتها ومناصرتها في وجه العدوان، ولكن ضيق ذات اليد، وقلة الحيلة، وعدم القدرة المالية، والبعد والحواجز والحدود، يحول دون قيامهم بالواجب، وأدائهم لما ينبغي عليهم فعله في ظل هذه الظروف، إلا أن مواقفهم السياسية مشرفة، وإعلامهم الرسمي والشعبي نصيرٌ وصادق، يساند المقاومة، ويناصر الفلسطينيين، ويحرض على العدو، ويعرض به، ويدعو إلى مساءلته ومحاكمته، ومحاسبته ومعاقبته، وتكاد شوارعه لا تخلو من المسيرات التضامنية، والمظاهرات الاحتجاجية. وبعضهم الآخر قادر لكنه خائف، ويملك القوة إلا أنه لا يستطيع، وعنده نفوذ لكنه لا يريد استخدامه، وعنده أموال لكنه لا يريد بذلها، ولديه علاقات، لكنه لا يرغب في استغلالها، ولديه مؤسسات إعلامية كبيرة واسعة الانتشار، ولها جمهور كبير من المتابعين والمحبين، لكنه لا يستغلها لنصرة المقاومة، ولا لمساندة الشعب الفلسطيني، ولا يسخر أيٍ منها للمساهمة في المعركة، بل يشغل متابعيه بما يلهيهم وينسيهم، ويسلط عليهم الفنون الهابطة، والمسلسلات الكثيرة، التي تستغرق الوقت، وتحرف الجهد، وتشغل المواطنين عن الأهم، وتبعدهم عن القضية الأساس، وهؤلاء مغلوبٌ على أمرهم، نسكت عنهم، وإن كنا نعيب عليهم خوفهم. إلا أن هناك فريقاً آخر من الأنظمة العربية، ليس مقصراً ولا متأخراً، ولا هو بالخائف أو الوجل، ولا بالضعيف أو العاجز قليل الحيلة، ولا بالهامشي المهمل، بل إنها أنظمةٌ قوية عسكرياً، ومتماسكة سياسياً، ولديها جيوش قادرة، وعندها امكانياتٌ كبيرة، واتفاقياتٌ كثيرة، وتستطيع التدخل والتأثير، وممارسة الضغط ومنع الاعتداء، ويتمتع بعضها بقدراتٍ ماليةٍ ضخمة، وعلاقاتٍ دولية كبيرة وواسعة. هذه الأنظمة لا تكتفي بالصمت، ولا تقدم العجز، ولا ترضى بالمشاهدة والمتابعة، بل هي شريكةٌ في العدوان، وطرفٌ في الحرب، تتعاون مع العدو وتنسق معه، تسمع إليه وتصغي لنصحه، وتوجهه وتطلب منه، وتعلمه وتخبره، وتزوده بالمعلومات وتقدم له المعونات، وتشجعه وتؤيده، وتناصره وتسانده، وتواسيه وتصبره، وتكفف دمعه وتخفف ألمه، وتدواي جرحاه، وتعزي ثكلاه، وتتصل بمسؤوليه للاطمئنان، هذا الفريق يقوي العدو على الشعب، ويمول عدوانه، ويمده بما يحتاجه، ويعطيه ما يريد، ويصمت على جرائمه، ويؤيده في حججه، ويرى عدالة معركته مع المقاومة، فهي بالنسبة له دفاعٌ مشروعٌ عن النفس، وصدٌ طبيعي لعدوان المقاومة، ومحاربةٌ لإرهابها، فهو بهذا يشارك العدو في سفك الدم، وإزهاق الأرواح، ويتحمل معه المسؤولية الأخلاقية والسياسية، عن كل ما يصيب الشعب الفلسطيني من قتلٍ وتخريبٍ ودمار. يستغل هذا الفريق كل امكانياته المادية والإعلامية، والسياسية والعسكرية، لتكون جميعها في خدمة العدو، الذي رأى منهم غاية ما يتمنى، وأقصى ما كان يحلم به، وهو ما جعله يعتز بأن أفضل ما في هذه الحرب، رغم خسارته لبعض جنوده وضباطه، الحلف المقدس الذي نشأ بين الدولة العبرية وبعض هذه الأنظمة، إذ لو أنفق العدو ما في الأرض جميعاً ليصنع هذا التحالف المتين، فما كان لينسجه لولا الدم الفلسطيني المهراق. هذا الفريق يرى الفلسطينيين يُقتلون ويسكت، ويراهم يُذبحون ويصمت، ويشعر بحاجتهم ويتأخر، ويعرف معاناتهم ويقصر، ويضيق عليهم ما هم فيه من ضيق، ويحرمهم رغم الحرمان، ويسجنهم رغم السجن والقيد والاحتلال، ويمنع المناصرين لهم، ويعاقب المتضامنين معهم، ويقطع الطريق عليهم. ألا ترون أن هناك فرقٌ كبير بين التقصير والخيانة، وبين التفريط والمؤامرة، وبين الصمت والمشاركة، وبين العجز والتأييد والمباركة، إلا أن المقاومة في فلسطين ستتجاوز عجز المقصرين، وخيانة المتآمرين، وستصنع للفلسطينيين وللأمة العربية، نصراً عزيزاً يتغنى به المحبون، ويبكي حلاوته مرارةً المتآمرون والمتخاذلون. يبدو أن العدو الصهيوني مصرٌ على إتمام خارطة الألم التي أعلن عنها، وكأنه يريد توزيع عدوانه بالتساوي على كل أرجاء قطاع غزة، فلا يستثني منه بقعة دون قصف، ولا حياً دون تدمير، ولا مخيماً دون تخريب، فقد طالت قذائف دباباته، وصواريخ طائراته كل مكانٍ في قطاع غزة، واستهدف المناطق من البر والبحر والجو، بينما كانت دباباته وجنوده على طول حدود القطاع الشرقية والشمالية، وبوارجه وزوارقه الحربية لا تغيب عن حدوده الغربية على ساحل المتوسط، في الوقت الذي لا تغيب طائراته الحربية، وطائرات المراقبة بلا طيار "الزنانة" عن سماء القطاع، تصور وتراقب، وتنتقي الأهداف، وتحدد الاحداثيات، لتقوم غيرها بالقصف، أو تتولاها بنفسها انطلاقاً من قواعد التحكم الأرضية. شمالاً نالت بلدتا بيت حانون وبيت لاهيا النصيب الأكبر من القصف والدمار، بينما أصاب مخيم وبلدة جباليا نصيباً وافراً من الصواريخ المدمرة، وبينهما أمطرت طائرات العدو أحياء العطاطرة والتوام والسيفا، وشرق مخيم جباليا بوابلٍ من قذائف المدفعية والصواريخ، علماً أن عدد سكان منطقة الشمال يزيد عن مائتين وخمسين ألف فلسطيني، يعيشون في أحياء متلاصقة ومتجاورة، مكتظة ومزدحمة، الأمر الذي يزيد في حجم الإصابات والأضرار عند أي قصف تتعرض له أحياؤه. أما مدينة غزة، قلب القطاع النابض، وروحه الحية، فقد مزق العدو قلبها، وبعثر أحشاءها، فقصف شاطئها والمخيم، والسودانية وتل الهوى، وقلب المدينة وأحياء الصبرة والدرج والزيتون والتفاح، والنصر والشيخ رضوان، ونالت الشجاعية القسط الأوفر من القصف الهمجي الأعمى الغادر، الذي أودى بحياة أكثر من سبعين فلسطينياً، جلهم من الأطفال والنساء، وغالبيتهم أبناء عائلاتٍ وأسرٍ واحدة. ونالت الطائرات الحربية الإسرائيلية، والبوارج والزوارق التي تقف قبالة شواطئ القطاع، من المخيمات الوسطى، فأغارت على مخيم النصيرات بحراً وجواً، ودمرت العديد من بيوته، وتابعت قصفها لمخيمات البريج والمغازي ودير البلح، فقتلت فيها العشرات من الفلسطينيين، ودمرت الكثير من البيوت على رؤوس ساكنيها، وإن كان أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ولكن القصف الإسرائيلي الأعمى لا يميز ولا يفرق، وكل ما يهمه هو الانتقام من المدنيين، وإلحاق الأذى بالفلسطينيين. أما محافظة خانيونس، المدينة والمخيم، وبلداتها عبسان الكبيرة والصغيرة والقرارة فقد أوجعها العدو الصهيوني قصفاً، وأثقل عليها بصواريخه المدمرة، وحمم قذائفه اللاهبة، وكذا محاولات إنزاله البري في بعض مناطقها، واشتباكه مع رجال المقاومة فيها، الأمر الذي جعل من خانيونس وبلداتها كرة لهبٍ تتدحرج، تأذى منها أهلها، وتوجع سكانها، وفقدوا من أبنائهم الكثير، شهداء وجرحى، ولكنهم صمدوا في وجه كل المحاولات العسكرية الإسرائيلية، وثبتوا أمامهم، وصدوا هجومهم، ونالوا في كثيرٍ من المواجهات منهم، رغم فارق التسليح والقدرات، إلا أن إرادة المقاومة كانت أقوى منهم وأشد. كأن بين العدو الإسرائيلي ومحافظة رفح ثأرٌ قديم، وعداوةٌ مستحكمة، وحقدٌ متراكم، فقد صب عليها جام غضبه، فقصف قلب المدينة ومخيماتها، ونال جحر الديك والمناطق الحدودية من قصفه نصيباً كبيراً، وأغار بكثافةٍ على حدود رفح مع مصر، فحرث بغاراته مناطق الأنفاق، والسياج الحدودي الفاصل، وكأنه يدك الأرض بحقدٍ وكره لتنهار على ما فيها من أنفاق، فهي التي مكنت المقاومة من امتلاك كل هذه الأسلحة، وزودته بالصواريخ والقذائف والذخائر، فكأنه عندما كان يقصفها، كان يحاول الانتقام منها، إذ لولاها لما تسلحت المقاومة، ولما اشتد عودها، وقوي ساعدها، وأصابت رميتها. خارطة الألم الإسرائيلية لا تقتصر على الجغرافيا، إذ لم يكتف العدو بتوزيع غاراته على المناطق، ليعمم الألم على السكان كلهم، بل وزع الألم على الأهداف أيضاً، فقصف المساجد والمستشفيات ومراكز العلاج والأسواق والمباني والمحلات التجارية، ومقرات الأونروا ومستودعات الطعام والمؤن والدواء، والمزارع والمعامل والأراضي الخالية، كما قصف الشوارع والطرقات وأعمدة الكهرباء، واستهدف السيارات والعربات والدراجات النارية، كما قصف الحمير والبهائم والدواب. ولا تكتمل خارطة الألم الإسرائيلية إلا إذا وزع الألم والوجع على الأسر والعائلات، وعلى المناطق والأحياء، فقتل من كل العائلات، واستهدف أغلب البيوت، وتكاد لم تنج من نيرانه عائلة أو أسرة، ومنها من فقدت الكثير من أفرادها، صغاراً وكباراً، ونساءً ورجالاً، ليتعمق الألم ويزداد الوجع. أراد العدو الصهيوني أن يرسم لقطاع غزة الصغير المساحة، والكثيف السكان، خارطة ألم تشمل كل مكان، وتصيب كل شخصٍ وعائلة، وتصل إلى كل هيئةٍ ومؤسسة، ليصاب بالرعب والخوف، وتسكنه الرهبة والصدمة، إلا أن المقاومة أرادت شيئاً آخر، فقررت أن تذيقه الألم من كل مكان، وأن تجرعه المر بأيدي أبناء كل العائلات، ليذوق وبال أمره، ويندم على فعله، ويتراجع عن جريمته، وقد أحس يقيناً بأن الخارطة التي رسمها للفلسطينيين ألماً، قد انقلبت عليه دماً وألماً، وحسرةً وندامة. هل يظن العدو الصهيوني أنه يستطيع بما يقوم به اليوم من اعتداءٍ غاشم على قطاع غزة، يقتل خلاله المواطنين، ويدمر بيوتهم، ويفسد حياتهم، ويمزق شملهم، ويشتت أهلهم، أنه سيكون قادراً على جلب السلام لكيانه، وتحقيق الأمن لمواطنيه، والاستقرار طويلاً هادئاً مستقراً فوق الأرض الفلسطينية، محتلاً لها، وغاصباً لحقوق أهلها، ومحاصراً لهم، ومضيقاً عليهم. هل يظن العدو أن هذه الحرب ستكون الأخيرة، وأن هذه المعركة ستكون الخاتم، وأنه لن يكون مضطراً بعدها لتجريد حملاتٍ عسكرية جديدة ضد قطاع غزة، لتأديب أهلها، ونزع سلاح مقاومتها، وضرب مستودعاتها ومخازنها، وإجهاض مخططاتها، وتخريب مؤسساتها، وأنه بعدها سيهنأ عيشه، وسيطيب مقامه، وستستقر أوضاعه، وسيحيا مواطنوه بأمنٍ وسلامٍ، فلا يوجد من يهدد حياتهم، أو يقلقهم في منامهم، أو يباغتهم كوابيس في أحلامهم، ولا يوجد من يقوى على مطالبتهم باستعادة حقوقهم في أرضهم ووطنهم. هل يظن العدو أن الفلسطينيين يخافونه، وأنهم يحسبون حساباً لحروبه، وأنهم يخشون غضبته، ويحاولون تجنب سطوته، وأنهم مرعوبون من جيشه، وخائفون من قوته، وأنهم يخشون على أنفسهم الموت والهلاك إن هم اعترضوا على سياسته، أو خالفوا إرادته، أو امتنعوا عن تنفيذ تعاليمه وأوامره. أم يظن أنهم تعلموا الدرس هذه المرة، وفهموا المراد، واستوعبوا القصد، وعرفوا يقيناً أنهم أضعف من دولة الكيان، وأنهم لا يستطيعون الوقوف في وجهه، وصد عدوانه، ورد هجومه، ومنعه من تنفيذ مخططاته، بحجة أن كيانهم قوي، وأن جيشهم متفوق لا يقهر، وأن جنديهم شجاعٌ لا يخاف، وثابتٌ لا يتزعزع، ومطمئنٌ لا يضطرب، وواثق لا يشك، وضامنٌ أنه كاسبٌ دوماً لا يخسر، وفائزٌ لا يخيب ولا يفشل. هل رأى العدو من الفلسطينيين استسلاماً وخنوعاً، وعلم فيهم ضعفاً وخوراً، ولمس منهم عجزاً وقلة حيلة، وهل سمع صوت صراخهم، ونداءات استغاثتهم، وصيحات ألمهم، فعلم أنهم قد تابوا وندموا، وأنهم سيلقون أسلحتهم، وسيتخلون عن مقاومتهم، وسينقلبون على مقاوميهم، وسيتوقفون عن التعرض لجنود العدو ودورياته، وأنهم سيفككون صواريخهم، وسيسلمون ترسانة أسلحتهم، وسيتعهدون أمام العرب والمجتمع الدولي أنهم لن يعودوا للتفكير في المقاومة، وأنهم سيشطبون مفرداتها من قاموسهم، وأنهم لن يعودوا إلى التدريب والتجهيز والتأهيل والإعداد، ولن يكونوا بعد اليوم جزءاً من محور المقاومة، ولا طرفاً في معسكر الممانعة. أم أنه رأى أن الأم الفلسطينية قد نسيت دم ابنها، وتخلت عن بقية أولادها، ورضيت بما أصابها وبيتها، وجلست على الأطلال عند ركام منزلها المدمر، وأمام بعض أواني مطبخها، وبين يديها ألعاب أطفالها، ودمى بناتها، لكنها اليوم لم تعد تبكي ولدها، ولم تطلب من شقيقه الانتقام له، والثأر ممن قتله، وظن أن الفلسطيني الذي دمر بيته، وقصف محيطه، ولم يعد عنده مستقبل يأمل فيه، ويعتمد عليه، أنه سيضع كفه على وجهه عاجزاً، وأنه سيندب حظه، وسيلعن نفسه، وسيأكل أصابعه ندماً على ما قدم وأعطى، وعلى ما خسر وأفنى. أم أن العدو قد خُدع بمن أيدوه من الأنظمة العربية، ووقفوا معه مساندين مناصرين، وبرروا عدوانه، ودافعوا عن حقه في ضرب المقاومة، لإبعاد الخطر عن كيانهم ومستوطنيهم، بعد أن اتفقت أهدافهم، وتوحدت مشاريعهم، وأصبحوا في سلةٍ واحدةٍ، يربحون معاً أو يخسرون معاً، فاعتقد أن الفلسطينيين أصبحوا بعد الحلف الجديد مكشوفين فلا ظهر لهم، ولا سند عندهم، ولا ناصر لهم يحميهم ويدافع عنهم، وأنهم قد أصبحوا كالأيتام، لا أب لهم، ولا راعي عندهم، ولا من يحنو عليهم، أو يرأف بهم، ويأخذ بأيديهم. لكن العدو نسي غافلاً، أو أن الله قد طمس على قلبه، وأعمى عيونه، وقفل على عقله، أن هذا الشعب الذي انطلقت منه مقاومة عملاقة، قوية جبارة، تقتل وتأسر، وتقصف وتضرب، وتهاجم وتتسلل، لن ينسى أبداً حقه، ولن يتخلى عن أرضه، ولن يغفر لعدوه ومن حالفه، وأن ما ارتكبه العدو في حقه من مجازر وجرائم، لن تزيد الفلسطينيين إلا صدقاً وإصراراً، وعزماً ومضاءً، فجرائم العدو في أرضنا وقودٌ للحقد، وحطبٌ لنارٍ تضطرم، وسكينٌ لجرحٍ ينعب، تعمقه وتجرحه من جديد، فلا الجرح يبرأ، ولا الفلسطيني ينسى ويخضع، ولا الحلم يتبدد، ولا الأمل يزول، وستبين الأيام للعدو أنه أخطأ وأجرم، وأنه قد دخل برجيله أرضاً سبخة، ورمالاً رخوة، وطيناً وحلة، لا خروج منها إلا في توابيت، أو استسلاماً لأصحاب الحق وتسليماً لهم.