كانت مفارقة كبيرة أن يعلن تقرير للقناة الإسرائيلية العاشرة عن إحباط جيش الاحتلال أكثر من ثلاث محاولات خطف جنود داخل قطاع غزة أثناء المعركة البرية، ويقول إنّ عملية الإحباط لم تكن بإنقاذ أولئك الجنود، بل بقتلهم، وهو ما يدعو للاستغراب من وصف الجيش لقتل جنوده بالنجاح. مراسل القناة العبرية للشؤون العسكرية "أور هلر" تحدث عن عمليات عديدة وقعت في قطاع غزة لخطف جنود، منها عمليتان في منطقة خان يونس وعملية في بيت حانون، وانتهت بقصف الطائرات الإسرائيلية بكثافة للجنود المخطوفين مع خاطفيهم وقتلهم كي لا يقعوا في الأسر ويضطر الاحتلال للدخول في مفاوضات قاسية لإنقاذهم مقابل ألاف الأسري وتلبية شروط للمقاومة. بل إن قائد الكتيبة "101′′ في لواء المظليين "ابنوعم امونة" تحدث بفخر لموقع "واللا" الإسرائيلي، عن نجاحه في إحباط محاولة خطف لأحد الجنود الجرحى داخل نفق في بلدة خزاعة شرقي خان يونس يوم الخميس وقبل يوم واحد من عملية خطف الضابط هدار جولدن شرقي رفح، وكيف أنه قتل هو ودبابات الاحتلال زميله. "أمونة" تحدث عن أن حماس "كانت تعمل بتكتيك عسكري خلال الخطف ويتمثل في وجود خليتين في أماكن الاشتباك القريب مع الجنود خلية تهاجم وخلية تخطف، حيث دخلت قوة من سلاح الهندسة لفحص أحد البيوت بينما تمت مهاجمة قوة أخرى خارج المبنى عبر ثلاثة مسلحين خرجوا من نفق". وقال إنه خلال الاشتباك، تم إبلاغ الضابط عبر قائد إحدى الدبابات بقيام مسلح من حماس بجر أحد الجنود الجرحى إلى داخل احد الأنفاق وعندها طلب منه الضابط معرفة المكان بدقة وذهبت القوة للمكان، ثم قامت الدبابة بإطلاق قذيفة صوب المبنى وقتلت الجندي وأحد مسلحي حماس وكانت نتائج تلك العملية مقتل جنديين وإصابة عدد آخر بجراح بعضهم في حال الخطر مقابل عدم خطف جندي واحد. وقال "أمونة" إنه عثر على الجندي المخطوف مقتولًا دون سلاحه وإلى جانبه سلاح "كلاشنكوف" للمسلح الذي كان يقوم بسحبه، بعدما تدخلت الدبابة لإحباط عمليات الخطف وقتلت المخطوف الإسرائيلي وخاطفه الفلسطيني. كما تحدث القائد الإسرائيلي عن محاولة خطف أخرى في منطقة (خزاعة) في بداية احتلال البلدة، حيث خرج مسلح من حماس من أحد الأنفاق وبدأ بسحب أحد الجنود قبل أن يتدخل جندي ويطلق النار على المسلح من رشاش "نيغيف" ويلقي عليه قنبلة يدوية ويقتل زميله الجندي والمقاومة الفلسطيني. الخطة "هنيبعل" ويسمي الاحتلال خطته الجديدة لمنع أسر جنوده من قبل المقاومة ب "بروتوكول هنيبعل" أو "نظام هنيبعل" أو الخطة "هنيبعل"، التي تنصّ على ضرورة منع عمليات الخطف حتى لو أدى ذلك لقتل المخطوف، فجندي قتيل أفضل من جندي مخطوف في عرف العسكرية الإسرائيلية الحالية. ولذلك يتفاخر الجيش الإسرائيلي في نهاية المعركة البرية بأن لدى حماس "جثتين لجندي وضابط قتلا خلال الاشتباكات وتمكن مسلحو حماس من اختطافهما، وينفون اختطاف حماس أيّ جنود أحياء بينما تقول حماس إنّ لديها أسري وترفض الحديث عنهم". وبدأ استخدام هذا التكتيك العسكري بعد عام 1986، وذلك في أعقاب أسر جنديين إسرائيليين من قبل حزب الله في لبنان، حيث أكد ثلاثة من كبار قادة قوات الدفاع الإسرائيلية في حينها على أنه يجب وضع بروتوكول يحدد الخطوات التي يتبعها الجيش في حال اختطاف أحد جنوده. وجري تفعيل هذا البروتوكول أو النظام الجديد بصورة أكبر بعد عام 2003، ويتضمن الهجوم العسكري الشرس من قبل الطائرات والدبابات والمدفعية على المناطق التي يختفي أو يقتل أو يخطف فيها أحد جنودها، وهذا ما فعلته القوات الإسرائيلية وبسببه ارتكبت جرائم حرب فظيعة عندما قصف أحياء بأكملها ومسحتها من الخريطة لمنع أسر الضابط هدار والجندي أرون مثل مجاز الشجاعية التي قتل فيها 70 فلسطينيًّا، وخزاعة ورفح وخان يونس. ومع أن الجيش الإسرائيلي يوصي جنوده بالامتناع عن إطلاق النار اتجاه زملائهم، بما في ذلك مهاجمة سيارة المختطف؛ فلا تزال توجيهات "هانيبعل" أو "هانيبال" تقول لهؤلاء الجنود إنّه "يجب القيام بكل شيء ممكن لوقف خطف زملائهم". وجاء استخدام اسم الخطة "هانبيال" أو "هنيبعل"؛ لأن (حنبعل بن أميلكار برقا) الشهير ب "هانيبال" أو "حنبعل" (247 ق.م – 182 ق.م، هو قائد عسكري قرطاجي (من تونس) من عائلة بونيقية عريقة يُنسب إليه اختراع العديد من التكتيكات الحربية الدموية في المعارك والتي مازالت تعتمد حتى اليوم". ويقول الجنرال الأمريكي نورمان شوارزكوف: "تعلمت الكثير من حنبعل، حيث طبقت تكتيكاته في التخطيط لحملتي في عاصفة الصحراء"، وهي تقوم على الإبادة أو مسح الأرض وعد بقاء حجرة فوق آخر، ولذلك صوّره الرومان على أنه وحش يهوى القتل وسفك الدماء، حتى إنّهم عندما يخشون وقوع كارثة في جميع المجالات، كانوا يقولون : Hannibal ad portas، أي "حنبعل على أبوابنا". جريمة أخلاقية وأثارت هذه الخطة الإسرائيلي بقتل الجنود والضباط الذين يكونوا معرضين للوقوع في الأسر غضب عسكريين إسرائيليين، مثل (أوري عيراد)، وهو عقيد في الاحتياط، قائد طائرة فانتوم أسقطت خلال حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 ووقع حينها في الأسر. حيث كتب يقول في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، 12 أغسطس/ آب الجاري يصف استخدام قيادة الجيش الإسرائيلي ما يسمي تدبير "هنيبعل" لمنع وقوع جندي في الأسر بأنه "جريمة أخلاقية لا تحترم حياة الفرد". (أوري عيراد) قال إن الملازم سيغن إيتان الذي دخل نفق "حماس" محاولًا إنقاذ هدار غولدِن، يستحق الثناء على الرغم من عصيانه الأوامر، فمن خلال عمله الشجاع طبق القاعدة الأخلاقية التي تربت عليها أجيال عديدة من المقاتلين والتي تقضي بعدم التخلي عن جنودنا، وفعل عكس "بروتوكول هنيبعل" لمنع وقوع الضابط المختطف في الأسر حتى لو كان الثمن تعريض حياته إلى خطر حقيقي. أيضًا قال البروفسور (أسا كاشر)، الذي أجري مقابلات عديدة في وسائل إعلام عبّر فيها عن احتجاجه الحادّ على تطبيق بروتوكول هنيبعل لمنع الخطف بأيّ ثمن، أنّه "يجب ألا يكون الثمن تعريض حياة المختطف لخطر حقيقي، وأن العكس يجب أن يكون صحيحًا، فجندي مختطف أفضل من جندي ميت" . وقال إن: "السماح من خلال استخدام هذا البروتوكول باحتمال قتل الجندي المختطف، معناه أن الهدف هو تسهيل المفاوضات بالنسبة إلى الطاقم السياسي في المستقبل. وهذا أمر مغلوط مغلوط وغير أخلاقي". وقال: "إنّ المغزى الفعلي لهذا البروتوكول الذي يرى أنه يجب استخدام جميع الوسائل لإحباط الخطف حتى لو تطلب الأمر تعريض حياة جندي للخطر، يشكل خرقًا للثقة حيال الجندي وعائلته، وتنكّرًا من جانب الدولة لواجبها ببذل كل شيء من أجل إعادة المقاتلين إلى وطنهم". وقال الجندي الأسير السابق (أوري عيراد): "ليس هناك أهل يفضلون موت ولدهم على وقوعه في الأسر، ومن هنا، فإن محاولة منع الأسر بثمن تعريض حياة المقاتلين للخطر جريمة أخلاقية تنبع من وجهة نظر فاشية تعطي الأولوية للدولة الإسرائيلية على الفرد، وهذا الفرد المستعد لأن يعرض حياته للخطر دفاعًا عن الدولة، يفعل ذلك وهو يعلم أن الدولة ستفعل كل ما في وسعها لإعادته حيًّا، وأنها لن توجه سلاحها نحوه". وتقول صحيفة التايمز البريطانية في تقرير حول هذا البروتوكول الإسرائيلي لقتل أسرهم مقابل عدم وقوعهم في الأسر إن: "من الجندي المختطف الواحد مرتفع جدًّا في سوق عمليات تبادل الأسرى بين الحركات المقاومة في غزة وإسرائيل، وهو ما تثبته الكثير من عمليات التبادل التي جرت في الماضي".