رغم المحاولات الجادة التي تبذلها دول العالم ودول الاعتدال العربية لتهدئة الأوضاع في المنطقة، حتى لا تنفجر الأمور وتحترق المنطقة ككل، فإن ما يشهده الوطن العربي من أحداث إرهابية دموية بشعة وهمجية تفرض على أهله التفكير بمستقبل منطقتهم ومراجعة الأوضاع المتردية فيها بشكل علمي وعقلاني ومنطقي بعيداً عن الشعارات والدعوات الإنشائية للتهدئة. ومن بوادر احتراق المنطقة ما يلي: - إقدام تنظيم «داعش» على ذبح الصحفيين الأميركيين وتهديده بذبح صحفي بريطاني لديه. ماذا ستكون ردود الفعل الغربية تجاه هذه الجريمة البشعة؟ الرئيس الأميركي باراك أوباما علّق على مقتل الصحفي الأميركي بالقول إنه سيواصل قيادة جهد إقليمي ودولي لمواجهة بربرية «داعش».. فالتصدي لهذا التنظيم سيستغرق وقتاً. - رفض الحوثيون في اليمن مبادرة الرئيس هادي بتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة وتخفيض أسعار الوقود على أمل أن يسهم ذلك في إبعاد اليمن عن الحرب الأهلية، إلا أن الحوثيون ممثلين ب«أنصار الله» لم يوافقوا على هذه المبادرة، ما يعني أن العودة للحرب الأهلية أصبحت أمراً حتمياً إذا لم يتدخل العقلاء لإنهاء الأزمة. - القبض على 88 شخصاً في السعودية يعدون لهجمات إرهابية في مناطق عدة من المملكة، ما يؤكد أن الخلايا الإرهابية التي يديرها الفكر الجهادي المتطرف لن تتوقف رغم الجهود الجبارة التي تبذلها الأجهزة الأمنية لملاحقتهم. - احتلال مسلحين تابعين لمليشيات «فجر ليبيا» مقر شركة البريد والاتصالات الرئيسة في العاصمة طرابلس، في سلسلة اقتحامات واحتلال مقار حكومية، منها وزارات الداخلية والخارجية والصحة والاتصالات. وقد حدثت أعمال نهب طالت العديد من مخازن السلع التجارية، منها مخازن تمويل وثلاجات بمنطقة صلاح الدين ومحال تجارية في منطقة السراج. - في مصر استشهد ضابط وعشرة جنود في كمين إرهابي في سيناء، نصبه إرهابيون لثلاث مدرعات من الشرطة. ويأتي هذا الحادث في المنطقة نفسها التي استشهد فيها 25 جندياً في أغسطس من العام الماضي. - في لبنان هدد تنظيم «داعش» بذبح جندي شيعي بعد أن أقدم التنظيم على ذبح جندي سني هو علي السيد. مجلس الوزراء اللبناني اختلف أعضاؤه حول كيفية التعامل مع تهديدات «داعش» بقتل كل الجنود إذا لم يتم إطلاق سراح بعض الإرهابيين في لبنان. فكرة المقابضة خلقت انشقاقاً داخل الحكومة والبرلمان والشعب اللبناني. تلك الأحداث الدموية في الوطن العربي ما هي إلا حصيلة آخر ثلاثة أيام من الأسبوع الماضي، وثمة أحداث وتطورات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها هنا.. والسؤال هو: هل تملك دول الخليج رؤية استراتيجية موحدة للتصدي لظاهرة الإرهاب بعيداً عن المنظور الأمني؟ الجواب مع الأسف أنه لا توجد حتى الآن سياسة موحدة، بل إن الأحداث الدموية المحيطة بنا عززت وزادت الخلافات الخليجية الخليجية. الرئيس الأميركي كان محقاً عندما ذكر أن محاربة الإرهاب ستأخذ وقتاً طويلاً.. رغم نجاح الولاياتالمتحدة في إضعاف «داعش» في العراق من خلال الضربات الجوية الفعالة. ما نحتاج إليه اليوم هو رؤية عربية خليجية تتعامل مع ظاهرة التطرف والإرهاب الديني من منظور مختلف وليس أمني فقط، فالمشكلة عميقة ومعقدة وتتطلب مجهوداً فكرياً وثقافياً وتغيرات في الثقافة المجتمعية بحيث تتقبل مجتمعاتنا ودولنا مفهوم التعددية الفكرية والدينية والثقافية التي تفرز مفهوم احترام حقوق الإنسان وآدميته التي شوهتها الجماعات الإرهابية.