ازدادت وتيرة الأحداث فى اليمن تسارعا خلال الأيام القليلة الماضية، وما زالت مرشحة للتصعيد، منذرة بانزلاق البلاد لحرب أهلية، فى ظل حالة التوتر والاستنفار الأمنى والشعبى غير المسبوق عقب رفض جماعة الحوثيين المدعومة من إيران المبادرة الأخيرة التى طرحها الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى لنزع فتيل الأزمة المشتعلة. واستمرارهم فى تصعيد احتجاجاتهم المسلحة ومحاصرة العاصمة صنعاء مع بدء المرحلة الثالثة من التصعيد وصولا إلى العصيان المدني، وهو ما ينذر بانهيار آليات الحوار الوطنى وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وكانت مبادرة هادى قد تضمنت تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة وتخفيض أسعار الوقود، على أن يتم تكليف رئيس للحكومة الجديدة فى غضون أسبوع، بالإضافة إلى جملة من الإجراءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أجل حلحلة الأزمة، لكنها قوبلت بالرفض الحوثى الذى وصفها بأنها تسعى لتمييع المطالب الشعبية. وسبق المبادرة الأخيرة الإعلان عن فشل المفاوضات التى أجرتها اللجنة الرئاسية الموفدة من قبل الرئيس اليمنى مع عبد الملك الحوثى زعيم جماعة الحوثيين الشيعية المتمردة، واتهام الحوثى اللجنة بعدم الحيادية. وحملت اللجنة الرئاسية للحوثيين إمكانية تشكيل حكومة وطنية جديدة، يشارك فيها الحوثى فى حال مغادرة مجموعاته المسلحة صنعاء، وتسليم سلاحه للدولة، وعدم استخدام العنف من أجل تحقيق مآرب وأهداف سياسية، لكنها اصطدمت بإصرار الحوثيين على مواصلة احتجاجاتهم، ورفض المشاركة فى حكومة الوفاق الوطني. ويرى سياسيون ومراقبون للشأن اليمنى أن زعيم الحوثيين يريد استكمال الحوار مع الرئيس هادى بشكل منفرد ومباشر، بهدف التوصل إلى اتفاق ثنائي، وهو ما يرفضه هادى بشكل قاطع، واتضح ذلك من خلال الشروط السبعة التى طرحها لتعليق اعتصاماتهم ومحاصرتهم صنعاء بعد الاستجابة لها جميعا فى رسالة بعثها الحوثى للرئيس اليمنى عقب مغادرة اللجنة الرئاسية صعدة، وأهمها إقالة حكومة الوفاق الوطني، وتعيين رئيس حكومة مستقل وتشكيل حكومة كفاءات، وإلغاء الإجراءات الاقتصادية الأخيرة المتعلقة برفع الدعم عن المشتقات البترولية، وتحييد الإعلام، والمطالبة بمشاركة واضحة وكاملة فى الحياة السياسية وصنع القرار السياسي. لكن رد الرئيس اليمنى جاء سريعا وحاسما عبر مطالبته الحوثيين بضرورة توفير مناخ مناسب للحوار والاتفاق، وذلك عبر فك الحصار المضروب حول صنعاء أولا، وإزالة مظاهر التوتر المسلح المتمثلة فى المخيمات والتجمعات على مداخل العاصمة والطرق المؤدية إليها وعلى طريق المطار الدولي، كما دعاهم إلى استكمال تسليم محافظة عمران وخروج المسلحين منها، والتى سيطروا عليها فى يوليو الماضى. ويبدو من خلال المبادرات التى تطرح من جانب الرئيس هادى الذى يلقى دعما كبيرا فى مجلس الأمن الدولي، خاصة الدول الخمس دائمة العضوية ومجلس التعاون الخليجي، أنه يريد أن يستنفد جميع الحلول السلمية مع الحوثيين لسحب البساط من تحت أقدامهم، وليظهر حقيقتهم بأنهم غير راغبين فى حل الأزمة، وإنما هدفهم تنفيذ مخطط لإرباك الدولة وإضعافها، وإدخالها فى أتون حرب طائفية. واتهم الرئيس اليمنىإيران صراحة بالتدخل فى الشأن اليمنى بشكل كبير بدعم الحوثيين ومحاولة مقايضة صنعاء بدمشق، كاشفا عن وجود مستشارين للحوثى من إيران، وأن هناك ضباطا من الحرس الثورى الإيرانى كانوا يريدون بناء مصنع للصواريخ وألقى القبض عليهم، كما أن نحو 1600 طالب يمنى حوثى يدرسون فى إيران. وبالتوازى مع الخط السياسى الذى ينتهجه هادي، فإنه لوح باستخدام القوة لوقف التمدد الحوثى بعد استنفاد كل الوسائل والطرق السلمية من أجل إيجاد تسوية سياسية، حيث ترأس اجتماعا استثنائيا وطارئا للجنة الأمنية العليا ومجلس الدفاع الوطنى لمواجهة محاولات إجهاض العملية السياسية، ووجه بإجراء استعدادات عسكرية لمجابهة الحوثيين فى حال قرروا استخدام القوة، مستندا للدعم القوى الذى يلقاه من الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية. وكان عبد الملك الحوثى زعيم جماعة «أنصار الله» قد أطلق فى 17 أغسطس حركة احتجاج لأنصاره فى صنعاء لإسقاط الحكومة وإلغاء قرار رفع أسعار الوقود، وتشكيل حكومة كفاءات، وهدد بخيارات مفتوحة إذا لم تلب مطالبه. وفى اليوم التالى أقام أنصاره مخيمات اعتصام بمحيط العاصمة، بمشاركة عشرات المسلحين الذين توافدوا من صعدة وعمران والمناطق القبلية المؤيدة للحوثيين، ثم صعدوا احتجاجاتهم بالمرحلة الثانية بنصب مخيمات اعتصام جديدة مدججين بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، بالقرب من وزارات حكومية خاصة الداخلية ومطار صنعاء الدولي، وأخيرا دعا الحوثى أنصاره للتصعيد ضمن المرحلة الثالثة وصولا للعصيان المدنى حتى إسقاط الحكومة، وفى المقابل عززت السلطات من إجراءاتها الأمنية، وخرجت المظاهرات المنددة بأفعال الحوثيين وخروجهم عن الإجماع الوطنى تنفيذا لأجندات خارجية. ودخل حزب المؤتمر الشعبى العام الذى يتزعمه الرئيس السابق على عبد الله صالح إلى ساحة الأحداث عبر انضمام قبائل موالية له للمعتصمين المسلحين، مستغلا حالة السيولة التى يشهدها اليمن كى يطالب بمنحه رئاسة الحكومة و11 حقيبة للقبول بمقترحات التسوية التى أعلنها الرئيس هادي. ويتهم الحوثيون خصومهم السياسيين -وهم التجمع اليمنى للإصلاح القريب من الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى القبائل السنية أو المتحالفة مع السنة، الذين يشكلون غالبية السكان- باستغلال مطالب اقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية، وتصعيد التوتر الطائفى كونهم ينتمون إلى الطائفة الزيدية الشيعية، وبأنهم يسعون إلى السيطرة على أكبر قدر من الأراضى فى شمال اليمن المتاخمة للحدود السعودية، استباقا لتنفيذ إعلان اليمن دولة اتحادية من ستة أقاليم بموجب نتائج الحوار الوطني، إلا أنهم ينفون هذه الاتهامات ويؤكدون أنهم ليسوا فى مواجهة مع الدولة. ويرى الخبراء السياسيون أن تصعيد جماعة الحوثى يأتى فى سياق توجهاتها لإسقاط النظام والسيطرة على الحكم، سواء عبر ابتلاع الدولة بالشراكة فى الحكومة دون ترك السلاح وتسليمه للدولة وتفكيك الميليشيات، أو عبر إسقاط صنعاء عسكريا. *الأهرام المصرية