نشر موقع «saudichildrenleftbehind» قصصا لأطفال جاءوا إلى الحياة نتيجة علاقة خاطفة أو زواج مؤقت بين رجل سعودي وامرأة غير سعودية في الخارج، ومن ثم عاد الوالد إلى السعودية وتركهم وراءه كاليتامى أو أشد بؤسًا. ومن هؤلاء الأطفال أو أمهاتهم من نشر رسائلًا لعل الوالد يقرأها، ومنهم من كتب قصائد لعل الشعر يطفئ نار القلب، ومنهم من روى قصصًا لعلها تكون العبرة والدرس. وعن سبب إنشاء هذا الموقع، تدعو الفتاة التي أنشأته وتديره اليوم قراءها إلى التعرف إلى والدها المدعو، ستيفن جيمس فونتين، والذي تصفه بأنه "كذاب محترف، لص، وأحد الفارين من العدالة". وتقول الفتاة: «الحقيقة المؤلمة هي أن هذا الشخص هو والدي البيولوجي. ولكي تعرفون لماذا أقود هذه الجهود لملاحقة الأباء الذين يتنصلون من أبنائهم، يجب أن أبدأ بشرح قصتي من البداية». وتضيف الفتاة: «في أواخر السبعينيات، كانت أمي (21 سنة) في الجيش، وكانت حاملًا، ومتزوجة من والدي ستيفن، والذي كان في الجيش أيضًا. وفي أحد الأيام، قرر والدي العزيز أنه لم يحب مذاق حساء الفاصوليا الذي طهته أمي الحامل بي في شهرها السادس، ولذلك قرر أن يظهر غضبه من خلال ركلها في بطنها، وهو ما تسبب بولادتها لي في وقت مبكر جدًا». وبعد 4 سنوات، تقول الفتاة، «طلق والدي أمي، وتركها مع ديون ضخمة لم تتسبب هي بها، ومع طفلة هي أنا. لقد احتال والدي على الناس، مدعيًا وفاة ابنته الحلوة وأنه ليس قادرًا على دفع تكاليف الدفن. ومن ثم اختفى لسنوات، قبل أن يظهر مرة أخرى وهو يقاد إلى السجن بسبب عدد من القضايا العالقة». ولم تبدأ المصاعب بالنسبة للأم وطفلتها بالظهور بعد ترك الوالد لهما، بل وخلال وجوده معهما أيضًا. نجت الوالدة من التعرض للاغتصاب بينما كانت الطفلة نائمة في الغرفة المجاورة. كما نجت من تسلل رجل عار وملثم إلى المنزل، وتهديده لها بقتل طفلتها البالغة من العمر 3 سنوات. وهنا تتساءل مؤسسة الموقع: «أين كان الرجل الذي يسمي نفسه والدي حينها؟ لماذا لم يكن هناك ليحميني ويحمي أمي؟»، وتضيف: «على الرغم من كل هذا، لا تزال أمي قوية ورائعة ولا تستسلم أبدًا. أريد أن أشكرها، فمن دونها لما امتلكت الشجاعة لإنشاء هذا الموقع». في تاريخ 21 أكتوبر 2013، كتب أحد زوار الموقع تحت عنوان «ماذا يحدث عندما.. »، ما يلي: «كان هذا الموضوع في ذهني في الآونة الأخيرة، ليس فقط بسبب وضعي الشخصي، ولكن أيضًا بسبب كل هؤلاء الأطفال السعوديين (ومنهم غير السعوديين على حد سواء) الذين تركوا مهجورين. تركوا ليكبروا وهم غير مرغوب بهم، حزينين، وغاضبين. تركوا وحدهم لإعالة أنفسهم في عالم لا يرحم. بعض هؤلاء الأطفال عاشوا في وقت لاحق مع معركة من إدمان المخدرات والكحول ونوبات الاكتئاب الشديد والتشرد والظروف القاسية الأخرى». وعن تجربته الشخصية، يقول الكاتب: «في حالتي كانت أمي صغيرة جدًا عندما ولدتني، والحمد لله، حكمت بإرادة من حديد. أعطتني الايمان بالله في وقت مبكر، ولكن هذا لا يعني أن وضعنا كان سهلًا». ويضيف: «الضرر كان قد تحقق بالفعل بالنسبة لها ومن ثم لي. لأن أمي كانت مجرد مراهقة عندما ولدتني، ولأنها جاءت من خلفية ثقافية محافظة، كانت على صراع دائم مع نفسها بسببي وتحاول إيجاد طريقها الخاص، وخلال تلك السنوات الأولى الحاسمة من تكويني كنت خائفًا ومتوترًا، لأنها كانت دائمًا خائفة ومتوترة كأم عزباء، تركت وحدي مع الخوف حتى من ظلي، وعشت يومًا بيوم في حالة دائمة من الهلع». ويردف الكاتب: «التوتر بهذا الشكل الكبير في سن 4 أعوام هو شيء مدقع. القلق حول من أين سنعيش في سن 4 سنوات هو شيء غير طبيعي. التساؤل عن أن كيف سندفع ثمن الإيجار أو حتى الوجبة التالية في سن 4 أعوام! هل يجب على أي طفل أن يفكر في هذه المسائل في هذه السن؟ هذه التناقضات غالبًا ما تؤدي إلى السلوك المتطرف. ولإخفاء الألم والغضب، يبدأ الشخص بتجريب أشكال مختلفة من المسكرات لمداواة الذات، وهذا هو المكان الذي تبدأ الأشياء تصبح خطرة حقًا انطلاقًا منه». ومن خلال الموقع، تحاول بعض النسوة أو أبنائهن الوصول إلى أي معلومات تدلهم على مكان أو طريقة الاتصال بالوالد الهارب. ومنهن من وضعن أرقامًا هاتفية أو عناوين بريد إلكتروني، طالبين ممن يعرف شيئًا عن الوالد التواصل معهن. جينيفر، على سبيل المثال، تبحث عن المدعو سلطان عبد الله العسيري، وتقول بأنه يعيش في العاصمة الرياض، وإن تاريخ ولادته هو 24 مايو 1983، وإنه درس في جامعة فندلي، في ولاية أوهايو الأمريكية. وتضيف جينيفر: «أنا وسلطان لدينا ابن ولد في 15 مايو 2009، ويدعى جوزيف مارتن. أنا وسلطان كنا في علاقة لمدة 6 سنوات، وقد وعدني بالزواج قبل أن يأتي طفلنا». بدورها، تقول امرأة أخرى بأنّ لديها طفلًا يدعى سامي، وتزعم بأنه ابن سليمان بن عبد العزيز بن صالح بن عبد الله الراجحي. وتضيف إن «سليمان وقع على أوراق قانونية يؤكد فيها أبوته لسامي، ولكنه الآن ينفي أي علاقة مع الوالدة، وهو ما تسبب لولدها بمشاكل قانونية متعلقة بوجوده بشكل رسميّ مع والدته في الولاياتالمتحدة». وإلى عائلة باهي نبيل قطب التي تعيش في مدينة مكةالمكرمة، تكتب إحدى المتضررات بأن ريان باهي قطب، والذي ولد في مارس من عام 2012، هو ابن باهي نبيل قطب. وتضيف الأم كريستينا إن «لديها بعض الاتصال مع عائلة باهي، ولكنه لا زال يرفض ابنه». وأما بريك بن عائض بن حنش القرني، فقد درس في جامعة تمبل في فيلادلفيا، بنسلفانيا، من عام 1981 وإلى عام 1986، وتخرج في مايو عام 1986 مع درجة البكالوريوس في دراسات العدالة الجنائية القانونية. وتقول ليزي إنها التقت بريك عندما كان عمرها 16 عامًا فقط ، وبأنها عندما ولدت ابنهما، تركها الوالد لإعالة نفسها. وأضافت: «بريك يحتل الآن مكانة رفيعة في الحكومة السعودية، وكثيرًا ما أتساءل كم من الناس نفذ فيهم حكم الإعدام لقيامهم بنفس الأفعال التي ارتكبها أثناء وجوده في الولاياتالمتحدةالأمريكية؟». وتداولت وسائل إعلامية بتاريخ 25/11/2012، خبرًا مفاده أن السفارة السعودية في الولاياتالمتحدة أصدرت قرارًا تخير فيه المبتعثين السعوديين في أمريكا بين الخضوع للفحوصات الطبية اللازمة للكشف عن أبوتهم لأطفال من نساء أمريكيات أو إنهاء بعثتهم. وقالت هذه الأخبار في حينها إن القرار جاء بعد أن تقدمت أكثر من 10 أمريكيات بشكاوى إلى الملحقية الثقافية والسفارة السعودية في واشنطن، ضدّ طلاب مبتعثين تزوّجوهن، وأنجبوا منهن، ومن ثمّ تخلوا عنهن. وأكد الملحق الثقافي السعودي لدى واشنطن في حينها، وهو الدكتور محمد العيسى، لصحيفة "الحياة"، أن عدد هذه الحالات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وأوضح أن الشكوى تقبل من الأمريكية إذا كانت هناك أدلة، حيث إنّ زواج المبتعث بامرأة أجنبية دون حصوله على تصريح زواج يعتبر مخالفًا للوائح وأنظمة الابتعاث. لكن، وبعد أقل من أسبوعين من نشر هذا الخبر، شككت القائمة على الموقع الإلكتروني بمصداقية السفارة السعودية. وقالت في إحدى منشوراتها: «لقد نشر مؤخرًا أن السفارة السعودية سوف تجبر مبتعثيها على الخضوع لاختبار الحمض النووي لإثبات أبوة الرجال لأطفال أثناء الدراسة في الخارج، وعندما سئلت السفارة عن عدد الحالات، كان جوابها أنها حوالي عشر حالات». وأضافت القائمة على الموقع: «أولًا، أعداد هذه الحالات أكثر بكثير، لأنني شخصيًّا قد اتصلت بالكثير من النساء اللواتي لديهن نفس المشكلة مع السفارة. هذه المشكلة مستمرة منذ أكثر من 30 عامًا دون رادع، إذًا كيف يمكن أن تدعي السفارة أن العدد صغير إلى هذا الحدّ؟ لا أحد على هذا الموقع قد حصل على رد من السفارة السعودية. إنّها لا تزال ترفض الرد على المكالمات الهاتفية أو رسائل البريد الإلكتروني للمتضررات. كيف إذًا سيقومون بإجبار مبتعثيهم على الخضوع لاختبار الحمض النووي، إذا كانوا يرفضون حتى الاعتراف بنا؟». وأما بعد ستة أشهر من نشر الخبر، فقد اتهمت إحدى المتضررات علنًا على صفحات الموقع السفارة السعودية بالكذب. وقالت: «حتى الآن لم يتم اختبار أي من هؤلاء الرجال. وفي حالتي، فإن لدي دليلًا الآن على أن السفارة لم تكن فقط على علم بالوالد منذ عامين، بل على إنها ساعدت في إخفائه أيضًا لكي لا أتمكن من أخذه إلى المحكمة». وأضافت: «كانت السفارة قد كذبت مرارًا وتكرارًا عليّ، قائلةً إن الوالد عاد إلى الوطن، وإن فحص الحمض النووي لن يكون ممكنًا. وتصوروا كم كنت مندهشة عندما ظهر الوالد، وهو سلطان عبد الله عسيري، في حفل التخرج الجامعي يوم 4 مايو 2013». عندما يتحول الأب من عامل استقرار ودعم في وجه مصاعب الحياة، إلى عامل إرهاق يزيد التأقلم مع الحياة صعوبةً، يصبح للشعر معنىً وجدانيًّا عميقًا، وقوةً في التعبير لا تظاهيها قوة. إحدى زائرات الموقع، وتحت عنوان «الأب المُرهِق»، كتبت القصيدة التالية: أنت لست رجلًا أنت ما نسميه "والدًا مُرهِقًا" أنت لا تقوم برعاية أطفالك، أنت تتصرف وكأن لا ماضي لك، وهذا حقًّا أمرٌ محزنٌ للغاية. تقوم بالتنقل من دولة إلى أخرى، ومن امرأة إلى أخرى، معتقدًا بأنك شيء عظيم. يومًا ما سوف تدرك، أنه لا يمكنك ترك ماضيك وراءك. الرضع الذين تركتني لأهتمّ بهم وحدي، يعرفون الآن بأنك رحلت لقد ضيعت على نفسك كل المتعة، لأنك كنت دائمًا راغبًا فقط بالهرب. لقد ضيعت عليك رؤية ابتساماتهم والطريقة التي يتحدثون بها، لقد فاتتك حتى رؤيتهم عندما بدؤوا بالمشي. إذًا، وعندما تستيقظ يومًا ما شاعرًا بالأسف، من فضلك لا تنسَ، أنك السبب في كل مشاكلك، لأنك نسيت الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يجعلك الأفضل، وهو أطفالك! وللتعامل مع الرجال من قطر والكويت الذين تركوا أبناءً لهم وراءهم في بلاد الغرب، أنشأت سيدة أخرى من المتضررات موقعين مشابهين للموقع السابق. وقالت مؤسسة الموقعين: «هذان الموقعان هما في مرحلة الرضاعة، وسيتم إجراء تغييرات كبيرة لتطويرهما لاحقًا». وأضافت: «أتمنى أن تنشر السيدات المتضررات قصصهن هنا. أنا أعرف أن قطر هي دولة خليجية صغيرة، ولكنني متأكدة من أنني لست المرأة الوحيدة التي تعرّضت لهذا». وعن تعامل السلطات القطرية مع المتضررات، قالت مؤسسة الموقع: «لقد قرأت بالفعل قصة سيدة اضطر زوجها إلى الزواج من ابنة عمه عندما ذهب إلى قطر ليعلن عن زوجته وأطفاله لأسرته. ولحسن الحظ سمع الشيخ حمد بقصتها، وساعدها في الحصول على وثائق أطفالها». وأضافت: «أنا شخصيًّا ليس لديّ أي شيء غير جيد لأقوله عن حاكم قطر وزوجته الشيخة موزة». هذا، ولا يكتفي الموقع بنشر القصص والقصائد والرسائل، إنه يوفر أيضًا لزواره، وهم في الأغلب من المتضررين من أطفال وزوجات، وسيلةً أكبر لنقل معاناتهم من خلال توفير صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر، وفيسبوك. وفي أحدث الفيديوهات المنشورة على صفحة الموقع على الفيس بوك، تقول إحدى النساء: «يوسف (وتدعوه جوزيف) يحاول أن يقرأ ويتناول الطعام في نفس الوقت. سلطان عبد الله العسيري لقد ضيعت الفرصة لتعرف من هو ابنك». *محمد سعدون – التقرير