يبدو ان اليمن يمر بفترة عصيبة تعصف بمستقبله السياسي اكثر من اي وقت مضى. ملامح التطورات الجديدة تحمل في طياتها نذر المخاوف من انزلاق البلد نحو الانفلات والفوضى اذا لم يتم رسم خطوط النهاية بدقة وحكمة لهذا البلد المضطرب مثلما تم رسم خطوط البداية. هذه المرة يتخذ الصراع المقلق طابعا دوليا اكثر حدة وصرامة تجاه حالة الاضطراب التي تعصف بالوضع الداخلي منذ انتهاء فعاليات مؤتمر الحوار العبثية. فوضع البلاد الذي يمضي منذ 2011م وفق ارادة الخارج، وتحت رعايته يبدو انه على موعد جاد لانهاء لعبة التحالفات الشيطانية داخل اليمن، ووضع حدا فاصلا لاطول ربيع عربي بالمنطقة، لم يتمخض عنه سوا الدمار والفوضى والطائفية والمذهبية. مؤشرات الدور الخارجي القادم اتضح بحالة الاستنفار التي بدات تتعاضد ضد الرئيس السابق صالح، خاصة بعد سقوط صنعاء في ال21 من سبتمبر الماضي، واجتياح جماعة الحوثي للمحافظات واغتصابها للدولة ونهبها لكافة مؤسساتها بما فيها الجيش والامن. وسواء صدقت او كذبت الرواية التي تتحدث عن توجيه امريكا لصالح رسالة تطالبه بمغادرة اليمن، فإنها لا تعدو عن اعتبارها حالة طافحة تعبر عن ذلك الإستياء الذي بداء يتلملم بإتجاه صالح. بالنسبة لصالح فلم يدع الفرصة لاحد للوقوف معه ومساندته وكان له الدور الاكبر والابرز في وصول البلاد لهذا الحد من التمزق والفوضى. اما هادي فهو كسلفه من حبث اللعب بالبلاد وسيادة الدولة لغرض البقاء بالحكم ولو على حساب الشعب ومصالح ابنائه. لكن هناك فروق في نقاط القوة لدى كلا منهما، فلدى صالح قاعدة جماهيرية وحزب سياسي يستطيع ان يستند اليها في مواجهة الخارج، ولديه القدرة على المرواغة وخلط الاوراق متى ما اضطر لاستخدامها. اما هادي فليس لديه سوا الخارج ليستند إليه وبعض قوى الداخل التي لازالت تتوجس من علاقتها بهادي الذي فرط بها ولم يحتفظ لها بجميل لتبقى الى جواره. فالقبيلة والجنرال الاحمر والاصلاح كانت ادوات يمكنها ان ترجح الكفة لصالح هادي او صالح في مواجهة مؤامرة الخارج او قوة الحوثي، لكن فرط بها هادي وباعها بثمن بخس، وتآمر ضدها صالح في سبيل الانتقام والثأر لذاته. هذة الازمة الناشبة بين صالح وهادي وحده الحوثي هو المستفيد منها، وسيكون الهدف الذي يخطب وده الطرفان، سواء من خلال تشكيل تحالفات بين صالح و اطراف اخرى ضد الحوثي وضد هادي بحيث ينجو صالح، او تحالف بين صالح والحوثي ضد هادي، وهذا سيكون له تبعاته المستقبلية لكل واحد منهما، ولذلك الحوثي في مكان الاستهداف وفي طرف الميزان، ويدرك صالح وهادي ان التحالف مع الحوثي لايا منهما فيه مخاطر على مستقبلهما، لان الحوثي لن يقدم خدماته مجانا ولن يرضى بالقليل والدليل ما نلمسه الان بعد 21 سبتمبر، ظل الوضع تحت سيطرته، وخرج عن نطاق هادي وصالح اللذان كانا يدعمان صالح او يتواطئان معه. ومن جانب آخر لدى صالح وهادي تجارب مؤلمة في التحالف معهما، فالاول تنكر للاصلاح بعد علاقة التحالف التي جمعتهما سابقا، وهادي كرر نفس الغلط وان كان اكثر تنكرا واحراقا لحلفائه. بالنسبة للاصلاح فسيكون الكفة التي سترجح الميزان لاي طرف سيتحالف معه صالح او هادي، وهذا الامر سيتطلب من الاصلاح دراسة الوضع جيدا، لان اي خطوة غير مدروسة ستجعله عرضه للانتقام من الطرف الاخر. اعتقد ان الحوثي هو الطرف الذي يستحق التضحية، واذا تحالف ضده صالح او هادي فسيحظى بفرص نجاح اكبر، بسبب اتساع رقعة الخصوم والضحايا الذين سقطوا وتأثروا بسبب حروب واجراءات الحوثي العبثية، وهو ما سيوفر لهم فرصة كبيرة للانتقام منه، حتى ولو قاتلوه تحت راية الشيطان. كل هذه التطورات لا يمكن فصلها عن التأثير الخارجي خاصة من المملكة العربية السعودية التي بدت مؤخرا في حالة غضب على صالح بعد سقوط صنعاء وثبوت تورطه في دعم الحوثيين، و هذا التدخل السعودي هو ما منح هادي القوة لابلاغ صالح بالمغادرة، وهو ذاته من حرك المجتمع الدولي للتضييق على صالح وتهديده بالعقوبات. والتساؤل هنا هل تشعر السعودية باالاطمئنان لهادي وتثق بقدرته على ملء فراغ صالح واستعادة الدولة المغتصبة بيد الحوثي المساند من ايران لقطع الطريق على طهران من ضم اليمن للعراق ولبنان وسوريا، خاصة وان هادي كان له دور اساسي في تقديم الدولة ومؤسساتها كقربان للحوثي ولم يحرك هادي ساكنا تجاه الاجتياح الحوثي للعاصمة والمحافظات الاخرى. غاية الرياض هي إلجام المارد الحوثي الصاعد الموالي لطهران وايقاف هذا التهديد الجاد لسيادتها بالمنطقة لكن نخشى تكرر الرياض خطأ استراتيجي جديد بحق اليمن مرة اخرى، حينما تسعى لاضعاف صالح وتعول على هادي، الذي لم يثبت حتئ اللحظة اي مظاهر من مظاهر القوة من موقعه كرئيس دولة، ونخشى ان تدعم الرياض هادي بينما يظل كعادته في خانة الضعف و تتقوى شوكة الحوثي وبالتالي تسقط البلاد كليا ويصبح الحوثي وحده الطرف الاقوى، وتلحق صنعاء ببغداد ودمشق وبيروت. بإختصار يمكن القول ان كل هذه التحركات ضد صالح مؤخرا تبدو كتكفير من الذنب وتأنيب الضمير الذي شعرت به السعودية والدول الراعية للمبادرة الخليجية تجاه حلفائها السابقين الذين اسقطهم تحالف الحوثي مع صالح وكانوا الجدار المتين امام تمدد الحوثيين وتهديدهم للمملكة، وهو ما دفعها لاتخاذ خطوات جديدة تكبح هذا الصعود وبدئت بصالح كحليف بارز للحوثي. بموازاة هذا الضغط الاممي والاقليمي لصالح من قبل السعودية وامريكا سيكون على صالح التعلق بالحوثي ومن خلفه طهران وروسيا لتخفيف الضغط عليه، وهو مبدا واضحا في الموقف الروسي المعارض لاي قرار في مجلس الامن ضد صالح، وهذا الرفض الروسي يذكرنا بموقف موسكو الذي رفض اكثر من مرة اتخاذ قرار دولي ضد الاسد في سوريا حفاظا على تحالفه مع ايران التي ترى بالاسد حليفا استراتيجيا وامتدادا مذهبيا وسياسيا لها بالشرق الاوسط، واستطاعت بفضل ذلك التحالف المحافظة على النظام السوري من السقوط ومنعه من الاندثار رغم اندلاع الثورة الشعبية ضده منذ العام 2011م. وفي كل الخيارات سيدفع هذا التأزيم البلد نحو مزيد من الانسداد السياسي، ان لم يكن الاحتراب الشامل.