للمصالحة المفاجئة بين السعودية وقطر تأثيراتٌ هائلة على الحرب في سوريا وما وراءها، في ظل احتمالية تقسيم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين حكام الرياضوالدوحة على نحوٍ أوسع مما فعلت سايكس-بيكو قبل قرابة مائة عام. * «سايكس_بيكو» سعودي-قطري أنهت السعودية والبحرين والإمارات حروبها الباردة مع قطر، وأعادت سفراءها إلى الدوحة، بعد سحبهم في مارس قبل ثمانية أشهر، في خطوةٍ غير مسبوقة اعتراضًا على دعم قطر للإخوان المسلمين، التي تعتبرها الممالك تهديدًا لحكمها. قبل أيامٍ قلائل من هذا الإعلان المهم، التأم صدعٌ آخر في الشرق الأوسط بين جبهة النصرة (التي يشاع تبعيتها ل قطر) و"داعش" (التي يُزعَم ارتباطها بأثرياء السعودية)؛ بالعمل سويا على الإطاحة بالحكومة السورية، وهو ما بَشَّر ربما بقرب المصالحة بين قطر والسعودية. الآن وبعد أن توصلت الرياضوالدوحة إلى اتفاق لتسوية خلافاتهما، من المرجح أن يقوما بتقسيم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بينهما؛ لتجنُّب نشوب أي صراع مستقبليّ على المصالح. وبموجب هذا التقسيم، تبسط قطر نفوذها على المنطقة الواقعة غرب مصر، فيما تكون المنطقة الواقعة في الشرق من نصيب السعودية. * القاهرة.. بيت القصيد! من المرجح أن تكون مصر هي الخط الفاصل بين نفوذ الرياضوالدوحة. فخلال فترة رئاسة محمد مرسي، كانت جماعة الإخوان المسلمين الموالية لقطر هي التي تدير البلاد، لكن الرئيس السابق متهم الآن بالخيانة العظمى بزعم تمرير أسرار الدولة إلى قطر. وقبل شهر واحد من الإطاحة به في يوليو 2013، أدخل "مرسي" تغييرات جذرية على سياسة بلاده حيال سوريا؛ بقطع العلاقات مع الحكومة والتعهد بالدعم المالي للمتمردين. وبالنظر إلى انتمائه للإخوان المسلمين، يحتمل أنه كان يتوخى دعم القوة ذاتها التي تساندها قطر في الحرب، وهو ما اعتبرته السعودية تهديدًا توسعيًا. لكن هذه السياسات تغيرت فجأة عندما أطاح السيسي ب مرسي، وسجنه. منذ ذلك الحين، تقاربت مصر أكثر مع السعودية وحلفائها، الذين منحوها 20 مليار دولار في ثوب مساعدات واستثمارات. ولم يتطرق النقاش فقط إلى عمل مصر مع السعودية، التي تقود مجلس التعاون الخليجي (الذي تحظى قطر بعضويته، لكنها تنأى بنفسها عنه لمسافةٍ)، بل ناقش أيضًًا مشاركتها في "تحالف لمكافحة المتشددين" مع السعودية والكويت والإمارات. ومن الجدير في هذا السياق الإشارة إلى التقارير التي تفيد بشن مصر والإمارات غارات جوية على مواقع للمتشددين في ليبيا قبل أسابيع، ما يظهر الجدية لديهما في محاربة الإسلاميين هناك. وبكل بساطة يمكن تفسير الدعم السعودي والخليجي لمصر العلمانية- رغم أنه يبدوا للوهلة الأولى محيرًا- بقلقهم المتزايد حيال حكومة الإخوان المسلمين التوسعية هناك، أكثر من تعلقه بحكومةٍ علمانيةٍ تعارض النفوذ القطريّ. * مناطق النفوذ القطرية والسعودية قطر: بموجب هذا الترتيب، تتقاسم قطر والسعودية النفوذ غرب مصر وشرقها، على الترتيب: وبالنظر إلى منطقة نفوذ قطر، قد يبدو للوهلة الأولى أنها قليلة القيمة، على اعتبار أن ليبيا دولة منهارة في الوقت الراهن. لكن الدوحة تحظى بنفوذ قوي بين المليشيات هناك، والبلد لا تزال تمتلك أكبر احتياطي للنفط في إفريقيا (لا يزال يتدفق). وبغض النظر عن كيفية تسوية الصراع، فمن المحتمل جدًا أن الإسلاميين السياسيين المرتبطين بقطر سيكون لهم دور ما في الحكومة، ما يؤدي إلى تعزيز نفوذ الدوحة إقليميًا. وفي تونس المجاورة، رغم أن حركة النهضة المرتبطة بالإخوان المسلمين خسرت انتخابات أكتوبر البرلمانية لصالح العلمانيين، لا يزال الإسلاميون يمثلون هناك قوة سياسية شرعية ومؤسسية، ما يعني أن الموجة التالية قد تأتي لصالحهم، ويفوزون في الانتخابات المقبلة. وفي الجزائر، ثاني أكبر مورد للغاز لأوروبا وأحد أكبر منتجي النفط في إفريقيا، يثير دخول الرئيس المسنّ، الذي يحكم البلاد منذ فترة طويلة، عبد العزيز بوتفليقة، مرة أخرى إلى المستشفى، تساؤلات حول ما سيحدث بعد وفاته. وهو الرئيس الوحيد الذي عرفته الجزائر منذ نهاية حربها الأهلية التي دامت عقدًا من الزمن، وكان أحد أطرافها جبهة الإنقاذ الإسلامية، التي أشعل فوزها في انتخابات عام 1991 فتيل الصراع. ومع وضع تاريخ الجزائر في الاعتبار، ربما تحاول قطر دعم الإسلام السياسي وإعادة تفعيله في بيئة ما بعد بوتفليقه؛ لكسب سيطرة على هذا البلد الذي يحظى بأهمية جيوستراتيجية، تمامًا كما حاولت أن تفعل في مصر بعد مبارك. السعودية: على الجانب الشرقي من الخط الفاصل، ستصبح الأمور أكثر "محافظة" حرفيًا: فالمملكة وحلفاؤها يريدون حماية الأنظمة الملكية في مواجهة الإسلام السياسي، لذلك فطالما أبقت قطر شركاءها من الإخوان المسلمين بعيدًا عن دول الخليج، فلن تكون هناك أدنى مشكلة. وقد يعترف مجلس التعاون رسميًا بانضمام الأردن إلى النادي الخليجي، ما يعزز الهوية الملكية للمجموعة. وفي سوريا، من المحتمل أن ينضم وكلاء قطر والسعودية إلى القوات لتعزيز الحركة المناهضة للحكومة، والقضاء على الاقتتال الداخلي العبثيّ. صحيحٌ أن صورة البلاد تبقى ضبابية بعد الإطاحة بالحكومة، لكن أحد السيناريوهات المحتملة هو تفتيت البلاد إلى إمارات، تخضع لسيطرة أمراء الحرب، وفي هذه الحالة ستوزع الغنائم بين قطر والسعودية. أما العراق فيتفكك سريعًا إلى ثلاثة كيانات مستقلة بحكم الأمر الواقع، تضم: الأكراد، والسنة، والشيعة، وتمارس فيها أمريكا والسعودية وإيران نفوذها على التوالي. * السلطان قابوس ورغم مظاهر الانفراجة بين قطر والسعودية، قد يكون من السابق لأوانه القول بأن جميع المشاكل تم حلها. فمستقبل عمان، العضو في مجلس التعاون الخليجي، بعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد قد يفتح باب قطيعة جديدة بين البلدين، بالنظر إلى أن السلطان يحكم عمان منذ عام 1970، ولم يعلن عن تعيين خليفة له. * الورقة الرابحة تَكهَّن بذلك عدد من وسائل الإعلام الأسبوع الماضي؛ ليس فقط لأن السلطان المسنَّ كان في ألمانيا منذ يوليو لتلقي العلاج، ولكن أيضًا لأن عمان كانت تستضيف محادثات غير رسمية تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وإذا كان ثمة انتقال سلس للسلطة، وسلطان آخر يتبوأ العرش، فلن تكون هناك مشكلة بالنسبة للسعودية، لكن إذا تعقدت الأمور أكثر، واهتاجت القوى الإسلامية ليكون لها صوت (مدعوم من قطر)، فإن المصالحة بأكملها بين الدوحةوالرياض ستنهار. وأي نوع من زعزعة الاستقرار هناك، يمكن أن يؤدي إلى تدخل عسكري سعودي، سواء على النسق البحريني، حيث ساعدت الرياض نظامًا ملكيًا شقيقًا، أو على عكس النسق البحريني، حيث يمكن أن تتدخل المملكة ضد أي حكومة إسلامية لاستعادة السلطة إلى الملكية. وبعيدًا عن التطورات غير المتوقعة في عمان، يبدو أن قطر والسعودية قسَّمتا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بينهما بعناية، وقد يكون العالم الإسلامي يشهد الآن نموذجًا مكررًا من سايكس-بيكو، يشبهه في عدم ديمقراطيته، لكنه أكثر اتساعًا. * تحليل حصريّ ل "أورينتال ريفيو"، بقلم أندرو كوريبكو، وهو محلل سياسي وصحفي، يعيش ويدرس حاليًا في موسكو، نشر للمرة الأولى بتاريخ 22 نوفمبر 2014، تحت عنوان "عبد الله-آل ثاني.. سايكس_بيكو جديد"، وأعاد موقع "جلوبال ريسيرش" نشره بتاريخ 26 نوفمبر 2014، تحت عنوان "تأثيرات المصالحة بين السعودية وقطر على الثورة السورية". أندرو كوريبكو- أورينتال ريفيو ترجمة: علاء البشبيشي – شؤون خليجية