الاختطاف والتهجير.. الحرب الحوثية الخفية ضد اليمنيين    الإخوان.. خمسون عامًا من الخراب    توتر في منتخب إسبانيا.. ثنائي برشلونة يلغي متابعة كارفاخال بعد أحداث الكلاسيكو    المنحة السعودية في طريقها لسداد حساب مكشوف للشرعية في جدة    تنفيذية انتقالي خنفر تناقش الوضع الأمني والخدمي بالمديرية    المملكة المغربية تقاضي حمالة الحطب اليمنية توكل كرمان في تركيا    تقرير خاص : تأمين منفذ الوديعة.. مطلب حضرمي من أجل الكرامة والسيادة    رئيس انتقالي لحج وضاح الحالمي يعزي بوفاة الأستاذ والتربوي فضل عوض باعوين    انطلاق ملتقى "RT Doc" للأفلام الوثائقية بالقاهرة    صنعاء.. إيقاف التعامل مع منشأة صرافة    واشنطن ستسلم طوكيو أول دفعة من صواريخ مقاتلات «أف-35»    "القسام": تأجيل تسليم جثة أسير صهيوني بسبب "خروقات" العدو    رئيس هيئة الاستثمار يطلع على سير عمل مصنع شفاكو للصناعات الدوائية    استعدادا لمواجهة النهضة العماني.. تضامن حضرموت يتغلب على "مشيرب القطري" بثلاثية نظيفة    صحيفة دولية: الدين الخارجي لحكومة المرتزقة يبلغ نحو 7 مليارات دولار    مكتب الصحة في البيضاء يتسلم 4 سيارات إسعاف    مدرسة 22 مايو بسيئون تحيي فعالية توعوية بمناسبة الشهر الوردي للتوعية بسرطان الثدي ..    مسيرات في مديريات حجة وفاءًا لدماء الشهداء وتأكيداً على الجهوزية    الاتحاد الدولي للصحفيين يدعو إلى إطلاق سراح زايد والارياني    اتحاد حضرموت يفتتح مشواره بالستة على مدودة في كاس حضرموت للناشئين    النفط يتراجع مع ترقب زيادة إنتاج (أوبك)    غزة.. استخراج رفات 42 فلسطينيا مجهولي الهوية من مقبرة عشوائية    إجراء قرعة بطولة التنشيطية الثانية لكرة الطائرة لأندية حضرموت الوادي والصحراء ( بطولة البرنامج السعودي )    عقب اشتباكات مسلحة.. قائد محور الغيضة يؤكد ضبط جميع أفراد عصابة تتاجر بالمخدرات    هيئة المرأة والطفل بالانتقالي تشدد على ضرورة تعزيز خطط العمل المستقبلية    ميسي يحسم موقفه من مونديال 2026    البيضاء .. تدشين المخيم الطبي المجاني الشامل للأطفال بمدينة رداع    بإيرادات قياسية... باريس سان جيرمان يصعد إلى المركز السابع بين أغلى فرق العالم    نائب وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين والقطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    الأرصاد: درجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى ما دون 5 درجات في المرتفعات    مجلس القيادة يجدد دعمه الكامل للحكومة والبنك المركزي في مواصلة تنفيذ الإصلاحات    الأسعار بين غياب الرقابة وطمع التجار    فلسفة السؤال    أعرافنا القبلية في خطر: إختطاف القبيلة!    الإطاحة بعصابة استغلت العمل الخيري للاحتيال على المواطنين في عدن    مدينة عتق.. عطش يطارد الأهالي ومؤسسة المياه في صمت مريب    اتحاد كرة القدم يعيد تشكيل الجهاز الفني والإداري للمنتخب الأولمبي    المساوي:استخبارات أجنبية تسعى لزعزعة استقرار تعز والسيطرة على ساحلها    عبدالرحمن شيخ: الانتقالي مشروع وطني والشراكة ضمانة ضد التفرد والفساد    سفارات لخدمة العمل اللادبلوماسي    ضبط 369 كجم حشيش في صعدة    الدكتور الترب ل"سبوتنيك": حالة اللاحرب واللاسلم في اليمن "مقصودة" ولن تستمر طويلا    وزير الشباب والرياضة يناقش برامج تأهيل وتدريب شباب الضالع واوضاع نادي عرفان ابين    قراءة تحليلية لنص "ولادة مترعة بالخيبة" ل"احمد سيف حاشد"    صنعاء.. مناقشة دراسة أولية لإنشاء سكة حديد في الحديدة    مزاد "بلاكاس" الفرنسي يعرض تمثال لرجل من آثار اليمن    ثاني حادثة خلال أقل من شهر.. وفاة امرأة نتيجة خطأ طبي في محافظة إب    دراسة حديثة تكشف فظائع للسجائر الإلكترونية بالرئتين    لصوص يسرقون ألفي قطعة نقدية من متحف فرنسي    وداعا أبا اهشم    مرض الفشل الكلوي (25)    عن ظاهرة الكذب الجماعي في وسائل التواصل الاجتماعي    عندما تتحول الأغنية جريمة.. كيف قضى روفلات القومية على أحلام عدن؟    قراءة تحليلية لنص "أنتم العظماء لا هم" ل"أحمد سيف حاشد"    الأوقاف تحدد 30 رجب أخر موعد للتسجيل في موسم الحج للعام 1447ه    عدن: بين سل الفساد ومناطقية الجرب    فلاحين بسطاء في سجون الحقد الأعمى    الآن حصحص الحق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحالفات اميركا في الشرق الأوسط لن تكون أقل كلفة في ظل انهيار أسعار النفط
نشر في الخبر يوم 26 - 12 - 2014

تهدف إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة الى تخفيف عجز ميزانية الدولة من خلال تقليص بند الدفاع، الأمر الذي يتطلب الانسحاب من العراق وخفض الاعتماد على نفط الشرق الأوسط (انظر الدفاع، الدين العام والغاز). وهذا ما توصلت إليه تلك الإستراتيجية في السنين الأخيرة إذ استطاعت أن تخفض استيرادها للطاقة من منطقة الخليج وأن تقلص ميزانية الدفاع إلى حوالي 3 في المئة من الدخل القومي لسنة 2015، أي تقريباً الى المستوى نفسه الذي كانت عليه في فترة كلينتون، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بينما كانت قد وصلت الى حوالي 8 في المئة في فترة جورج بوش الابن.
وما كان ذلك ليتم من دون "إعادة تموضع الجيش"، أي الانسحاب من العراق، ثم وفي السنة المقبلة من أفغانستان، لمصلحة تعزيز الوجود في منطقة المحيط الهادئ، وتبني إستراتيجية عسكرية جديدة قوامها التطويق والعقوبات (التجويع)، واستعمال الطائرات (من دون طيار)، والتجسس (NSA). فلماذا إذاً اكتشفت فجأة داعش وأعادت بعض جنودها إلى الميدان؟ هل غيرت إستراتيجيتها وتحالفاتها؟ وما علاقة النفط بذلك؟
تأثير المتغيرات النفطية
ضاعفت الولايات المتحدة إنتاجها النفطي خلال السنوات الخمس الأخيرة، إذ أصبح حوالي 9 ملايين برميل في اليوم بينما كان 4.5 ملايين برميل في اليوم عند مجيء أوباما الى البيت الأبيض. وقد انخفض بالتالي استيرادها، وبخاصة من منطقة الخليج فلم يتعد مؤخراً 13 في المئة من احتياجاتها، منها 8 في المئة من السعودية، وهذا على الرغم من ارتفاع استهلاكها إلى 15 مليون برميل يومياً تقريباً.
تمكنت إدارة اوباما من ذلك بفضل وضع إطار قانوني (نظام ضريبي مساعد) شجع إنتاج النفط الصخري. وعلى الرغم من أن إقراض هذا القطاع (الحفر والتنقيب) يعد عملية خطرة مالياً، فقد تدفقت الأموال الخاصة عليه حيث وصلت إلى ربع إجمالي القروض المعطاة بفائدة عالية (High Yield). وهكذا فالولايات المتحدة (مع كندا) هي البلد الوحيد في العالم الذي استطاع أن يرفع إنتاجه بشكل ملموس، بينما انخفض الإنتاج في أكثر الدول (إيران، فنزويلا، روسيا..) أو بقي على حاله (السعودية).
بالإضافة إلى ذلك، تمت زيادة استيراد النفط من بلد واحد فقط هو كندا. أدى هذا التحول الكبير في مصادر الطاقة الأميركية إلى إضعاف منظمة أوبك وانهيار أسعار النفط بشكل كبير مؤخراً، بالإضافة لمشاكل في العديد من البلدان المصدرة للنفط: ليبيا، العراق، إيران، فنزويلا، نيجيريا وروسيا.. ولا يبدو ان هذا الوضع سيتحسن كثيراً عما قريب لجهة الطلب، إذ أن النمو الاقتصادي، سواء أكان في الصين أو في اليابان، ينخفض، أما في أوروبا فلا يوجد أي تحسن فعلي على المدى المنظور خاصة مع ارتفاع الديون العامة وانخفاض التضخم.
هكذا أصبحت الولايات المتحدة ولفترة من الزمن الحكَم في سوق النفط، فإذا ارتفع سعره تزيد الإنتاج النفطي الصخري فيها منعاً لارتفاع كبير في الأسعار، أما إذا تراجع كثيراً فستغلق العديد من الآبار النفطية، وستعتمد الولايات المتحدة على استيراد النفط الخليجي بأسعار متهاودة، مانعة الانهيار الكلي للأسعار الذي لا يناسبها أيضاً. فانخفاض كبير للأسعار يخفف من الموقع التنافسي لها لمصلحة أوروبا والصين واليابان، ويؤدي إلى إفلاس قطاعات واسعة من الطاقة فيها وفي كندا، وخاصة في قطاعات الطاقة البديلة. لكل ذلك، ستكون الولايات المتحدة ولفترة من الزمن لاعباً مؤثراً في سوق النفط، سالبة دور اوبك كموازن لأسعار السوق.
المتغيرات الجيوسياسية
وكما الولايات المتحدة حكَماً في سوق النفط من دون أي تدخل مباشر، فهي تطمح أيضاً ان تكون حكماً بين الدول الشرق أوسطية من دون اللجوء المفرط إلى القوة العسكرية كما حدث في السابق. فالدول الفاعلة في الشرق الأوسط ضعفت كلها اقتصادياً وسياسياً، سواءً أكانت دول خارج المنطقة كروسيا وأوروبا، أو داخل المنطقة كإيران وتركيا ومصر والسعودية وحتى إسرائيل.
وأوروبا مرهونة كلياً في سياستها الخارجية للولايات المتحدة، وأكبر دليل على ذلك كيفية تعاملها مع الملف الأوكراني، وألمانيا التي صعدت في هذا الملف بعد فضيحة تنصت الNSA لم تواجه بالمقابل إدارة أوباما، فبدت كمن يطلق رصاصة على قدمه.
أما السعودية فستخسر حوالي 100 مليار دولار سنوياً إذا ما بقيت الأمور على حالها. مما سيؤدي إلى انخفاض نفوذها في العديد من الملفات (من مصر إلى لبنان مروراً باليمن والمعارضة السورية..) وهذا على الرغم من امتلاكها لاحتياطي كبير من الدولارات (700 مليار). وبالتأكيد أيضاً، سيصعب الموقف من وضع إيران التفاوضي في الملف النووي. وحتى روسيا التي تستورد كل المواد الاستهلاكية ستكون في وضع حرج للفترة المقبلة، وهي على الأرجح ستدخل في مرحلة انحسار اقتصادي قد يضعف من فاعليتها في منطقة الشرق الأوسط.
يبقى ان هناك بلداً واحداً مستفيد من المعطيات الجديدة، وهو تركيا، التي ستنخفض فاتورة استيرادها من الطاقة وسيتحسن موقعها الجيوستراتيجي كصلة وصل بين الشرق والغرب بعد الاتفاق الأخير مع الرئيس الروسي بوتين.
هنا، يصطدم طموح تركيا بمواقف أميركا من داعش والأكراد والسلطة العراقية. لقاء بايدن العاصف الأخير مع أردوغان، بالإضافة إلى الموقف المتناقض من مدينة كوباني الكردية، كلها تؤكد أن ليس لتركيا يد طليقة في الملف العراقي أو السوري، وأن وضعها الاقتصادي لا يسمح لها "بتعدي الحدود" على المدى المنظور.
وأما تدخل أميركا ضد داعش فلم يخرج عن إستراتيجيتها المستخدمة في باكستان واليمن والصومال.. المعتمدة على تدخل الطيران وعمليات عسكرية آنية من وقت لآخر. وهو أتى بعد تصريحات نائب الرئيس الأميركي بايدن في جامعة هارفرد الشهيرة الذي اتهم فيها أصدقاء أميركا في الشرق الأوسط، ومنها تركيا التي سماها بالتحديد، بمساعدة داعش "عن غير قصد" وبطريقة "غير مباشرة"، وذلك بعد ان صرح أوباما ان معلومات وكالة الاستخبارات الاميركية حول داعش كانت مغلوطة. فتدخّل أميركا بالشكل والمضمون هو لمنع أي تعديل كبير لميزان القوى في المنطقة، وهي تضعف القوي وتدعم الضعيف، بشكل تبقى دائماً الحكم.
خلاصة
كما في سوق النفط كذلك في سياستها الشرق أوسطية تحاول الولايات المتحدة ان تكون فاعلة بأقل كلفة ممكنة ولكنها لن تتمكن من لعب هذا الدور لفترة طويلة من الزمن، لعدة أسباب موضوعية متعلقة بالنفط، وبالدين العام، وبالتحالفات السياسية.
تؤكد دراسات حديثة أن احتياطيات النفط الصخري مبالغ فيها كثيراً لأن المخزون من الآبار ينضب بسرعة كبيرة (حوالي 50 في المئة خلال 3 سنوات)، وبالتالي فإن كلفة استخراجه المرتفعة حالياً (60/70 دولاراً للبرميل على الأقل في كندا والولايات المتحدة) سترتفع أكثر خلال السنين القليلة المقبلة، بالإضافة الى أن إنتاج هذا النوع من النفط ملوِّث كبير للمياه وكلفته البيئية أكبر بكثير من النفط العادي.
أما على الصعيد الاقتصادي، فديون القطاع العام الأميركي تتعدى 17 تريليون دولار، وهي تجبر الدولة على خفض ميزانية الدفاع، وهذا ما يمنعها من تحويل أي تهديد الى فعل كبير "على الأرض"، وهو أيضاً حال أوروبا إذ إن أكبر ميزانية دفاع أوروبية لا تتعدى 2 في المئة من الدخل القومي في انكلترا، تتبعها فرنسا ب 1.5%، وهذا يعني ان هناك فقط دولتين لديهما قوة عسكرية على الأرض تستطيعان ان تعدلا من موازين القوى، وهي إيران وتركيا.. بانتظار إعادة تسليح مصر. يبقى انه، على الصعيد السياسي، لا يوجد حالياً للإدارة الأميركية أي حلفاء في الشرق الأوسط: فهي على تناقض مع أكثر حلفائها التقليديين ومنسجمة مع بعض أعدائها التاريخيين!
دخلت المنطقة مرحلة "عض الأصابع" وستكون كلفتها عالية على كل الدول، وأي رهان على دور جديد للولايات المتحدة من قبل أصدقائها (السابقين أو اللاحقين) نتيجة الانتخابات الفرعية مستبعد.. حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
*أستاذ الاقتصاد بجامعة السوربون – باريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.