يقول أحد الملاحظين، ممن تابعوا ولمدة طويلة بناء الإتحاد الأوروبي الذي يمر حاليًا بأزمة وجودية، وبكل مرارة: "الاتحاد الأوروبي غارق في سيل من الشكوك والسخط، لدى مواطنيه في الداخل وأيضًا في الخارج: الجميع أصيب بخيبة أمل والجميع ينتقد، بما فيهم البابا!". كان البابا فرنسيس واضحًا في خطابه الذي وجهه للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، منذ أكثر من شهر (25 نوفمبر). وقد ندد البابا بموقف الاتحاد الأوروبي من "السماح بأن يصبح البحر الأبيض المتوسط مقبرة كبيرة". وسبق وأن عبّر البابا عن غضبه إبان الغرق الرهيب لقارب للمهاجرين، حيث قال: "كلمة واحدة تتبادر إلى ذهني: العار!". ولكن هذه المرة، وخلال مقابلته للمسؤولين الأوروبيين، أراد أن يلفت الانتباه إلى قيمة أخلاقية جاءت في ميثاق الحقوق الأساسية (المدرج في معاهدة لشبونة منذ عام 2007 والذي يعتبر من حيث المبدأ ملزمًا قانونيًا) وهي الكرامة، حيث بيّن البابا فرانسيس أهميتها، مبينًا أنها تعني "الاعتراف بأن الشخص يمتلك حقوقًا غير قابلة للمصادرة ولا يمكن إنكارها وفقًا لتقدير البعض، كما لا يمكن إنكارها بالخصوص وفقًا للمصالح الاقتصادية". ومع ذلك، وفي هذا الصدد، فلا يجب الحديث في أوروبا اليوم عن عار واحد، ولكن عن سلسلة من الأعيار. ولنقتصر على ثلاثة أمثلة توضيحية لتبيان ما وصلت إليه أوروبا بشكل خاص من الانحراف الذي ميزها خلال سنة 2014، والذي من المهم جدًا مواجهته خلال سنة 2015 انطلاقًا من مبدأ الأخلاق الإنسانية. إذلال الشعب اليوناني الذي وضع تحت وصاية الترويكا (المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) هذا الإذلال للشعب اليوناني هو عار على أوروبا، هذا الشعب الذي يعيش حاليًا مرحلة جديدة. فقد أصيبت بروكسيل بالذعر من احتمال انتصار الحزب اليساري الراديكالي "سيريزا" وزعيمه أليكسيس تسيبراس في الانتخابات التشريعية المبكرة. هذا الذعر أصاب أيضًا شريكها رئيس الوزراء اليوناني اليميني، المنصاع لتطبيق عمليات تطهير جذرية والتي ستقود بلاده إلى الجحيم. وقال جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية الحالي: "أعتقد أن اليونانيين (...) يعرفون بالضبط ما تعنيه نتائج انتخابات سيئة بالنسبة لليونان ومنطقة اليورو". كما تم ترشيح، لمنصب الرئاسة في اليونان، المفوض السابق الأوروبي، الذي تم اختياره ليكون "الأوروبي المناسب"، وقالت بروكسل "سيكون انتخابه إشارة قوية لأوروبا"! وهذا الابتزاز الجديد لا يليق، وهو حقًا عار! التعامل مع المهاجرين نفس الشيء بالنسبة للتعامل مع المهاجرين، فبعد تكرر غرق المراكب في البحر الأبيض المتوسط، هذه المراكب التي تقل المهاجرين غير الشرعيين في اتجاه أوروبا، تم إطلاق عملية لمدة سنة واحدة، والتي مكنت من إنقاذ 150.000 شخص هم في محنة، ليتم استبدال هذه العملية بنظام أوروبي جديد "أكثر اهتمامًا بحماية الحدود من حماية البشر" (بحسب منظمة العفو الدولية). وهذا عار آخر! استضافت مراكز التعذيب وأخيرًا، كيف لا يمكن أن نسخط حين نعلم، من خلال تقرير لمجلس الشيوخ الأمريكي، أن 17 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد استضافت مراكز للتعذيب تحت سيطرة الولاياتالمتحدة بين سنة 2001 وسنة 2008، أليس هذا أيضًا عارًا آخر! كل هذا، ونحن نعلم أن القادة الأوروبيين اعتمدوا، سنة 2003، جنبًا إلى جنب، "استراتيجية الأمن الأوروبي"، والتي لا تزال سارية المفعول، والتي يمكن للمرء أن يقرأ فيها: "موحدون، الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة يمثلون قوة هامة في خدمة الخير في العالم"!