الحكومة تشيد بيقظة الأجهزة الأمنية في مأرب وتؤكد أنها خط الدفاع الوطني الأول    المنتخب الأولمبي يتوجه للقاهرة لإقامة معسكر خارجي استعدادا لبطولة كأس الخليج    اليمن ينهي تحضيرات مواجهة بوتان الحاسمة    نقابة الصرافين الجنوبيين تطالب البنك الدولي بالتدخل لإصلاح البنك المركزي بعدن    منتخب مصر الثاني يتعادل ودياً مع الجزائر    وقفة ومعرض في مديرية الثورة وفاء للشهداء وتأكيدا للجهوزية    الأحزاب المناهضة للعدوان تُدين قرار مجلس الأمن بتمديد العقوبات على اليمن    دفعتان من الدعم السعودي تدخلان حسابات المركزي بعدن    مقتل حارس ملعب الكبسي في إب    ضبط قارب تهريب محمّل بكميات كبيرة من المخدرات قبالة سواحل لحج    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تدين وتستنكر التهديدات التي يتعرض لها الزميل خالد الكثيري"بيان"    الكثيري يطّلع على أوضاع جامعة الأحقاف وتخصصاتها الأكاديمية    إحصائية: الدفتيريا تنتشر في اليمن والوفيات تصل إلى 30 حالة    محور تعز يتمرد على الدستور ورئيس الوزراء يصدر اوامره بالتحقيق؟!    الجزائية تستكمل محاكمة شبكة التجسس وتعلن موعد النطق بالحكم    انخفاض نسبة الدين الخارجي لروسيا إلى مستوى قياسي    تدهور صحة رئيس جمعية الأقصى في سجون المليشيا ومطالبات بسرعة إنقاذه    القائم بأعمال رئيس الوزراء يتفقد عدداً من المشاريع في أمانة العاصمة    المنتخبات المتأهلة إلى الملحق العالمي المؤهل لمونديال 2026    تكريم الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب في دورتها ال14 بلندن    الأرصاد: صقيع متوقع على أجزاء محدودة من 7 محافظات وأمطار خفيفة على أجزاء من وسط وغرب البلاد    صحيفة "تيتان سبورتس بلس" الصينية: اكتشاف جديد في تاريخ كرة القدم العربية يعود إلى عدن    تغريد الطيور يخفف الاكتئاب ويعزز التوازن النفسي    الداخلية تعرض جزءاً من اعترافات جاسوسين في الرابعة عصراً    ماذا بعد بيان اللواء فرج البحسني؟    لجان المقاومة الفلسطينية : نرفض نشر أي قوات أجنبية في غزة    المرشحين لجائزة أفضل لاعب إفريقي لعام 2025    اتفاق المريخ هو الحل    وادي زبيد: الشريان الحيوي ومنارة الأوقاف (4)    مجلس الأمن وخفايا المرجعيات الثلاث: كيف يبقى الجنوب تحت الهيمنة    اعتماد البطائق الشخصية المنتهية حتى 14 ديسمبر    رئيس النمسا يفضح أكاذيب حكومة اليمن حول تكاليف قمة المناخ    صنعت الإمارات من عدن 2015 والمكلا 2016 سردية للتاريخ    نوهت بالإنجازات النوعية للأجهزة الأمنية... رئاسة مجلس الشورى تناقش المواضيع ذات الصلة بنشاط اللجان الدائمة    دائرة التوجيه المعنوي تكرم أسر شهدائها وتنظم زيارات لأضرحة الشهداء    الرئيس المشاط يُعزي الرئيس العراقي في وفاة شقيقه    الماجستير للباحث النعماني من كلية التجارة بجامعة المستقبل    مدير المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه ل " 26 سبتمبر " : التداعيات التي فرضها العدوان أثرت بشكل مباشر على خدمات المركز    الدكتور بشير بادة ل " 26 سبتمبر ": الاستخدام الخاطئ للمضاد الحيوي يُضعف المناعة ويسبب مقاومة بكتيرية    الكاتب والباحث والصحفي القدير الأستاذ علي سالم اليزيدي    ايران: لا يوجد تخصيب لليورانيوم في الوقت الحالي    قراءة تحليلية لنص "محاولة انتحار" ل"أحمد سيف حاشد"    التأمل.. قراءة اللامرئي واقتراب من المعنى    النرويج تتأهل إلى المونديال    مدير فرع هيئة المواصفات وضبط الجودة في محافظة ذمار ل 26 سبتمبر : نخوض معركة حقيقية ضد السلع المهربة والبضائع المقلدة والمغشوشة    قطرات ندية في جوهرية مدارس الكوثر القرآنية    رئيس تنفيذية انتقالي لحج يطلع على جهود مكتب الزراعة والري بالمحافظة    حضرموت.. حكم قضائي يمنح المعلمين زيادة في الحوافز ويحميهم من الفصل التعسفي    نجوم الإرهاب في زمن الإعلام الرمادي    "العسل المجنون" في تركيا..هل لديه القدرة فعلًا على إسقاط جيش كامل؟    الأمير الذي يقود بصمت... ويقاتل بعظمة    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    قراءة تحليلية لنص "في المرقص" ل"أحمد سيف حاشد"    في رحلة البحث عن المياه.. وفاة طفل غرقا في إب    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى يناير: الفرق بين الثورة والانقلاب في القاهرة وصنعاء
نشر في الخبر يوم 20 - 01 - 2015

بين يدي الذكرى الرابعة لثورة يناير/كانون الثاني المصرية التي تطل علينا هذا الأسبوع، أعلنت السلطات الأمنية والعسكرية المصرية الاستنفار الشامل، وخططت لإغلاق ميدان التحرير.
كل هذا الرعب من ذكرى أعظم ثورة في تاريخ الحداثة العربية، بل العالمية، يؤكد لكل متشكك أين يقف نظام مصر اليوم وأنصاره من تلك الثورة التي غيرت وجه العالم العربي وصورة العرب في العالم. أما ما يسمى بحركة «تمرد» التي زعمت أنها قادت ما سمته ب«ثورة 30 يونيو» المضادة، فقد أعلنت أنها ستخصص الخامس والعشرين من يناير لتكريم «شهداء» الشرطة والجيش، في كشف آخر للأقنعة.
في نفس الأسبوع، شهد اليمن إحدى حلقات انقلاب سبتمبر/أيلول الماضي لميليشيا الحوثيين، حيث جرى اختطاف مدير مكتب الرئيس اليمني في عملية إرهابية لابتزاز اليمنيين حتى يخضعوا لسلطة الأمر الواقع الانقلابية.
ما يحدث في مصر واليمن يجيب ببساطة على السؤال السجالي حول الفرق بين ثورتي يناير في مصر و11 فبراير في اليمن في 2011، وبين انقلابي يونيو يوليو 2013 في مصر وسبتمبر 2014 في اليمن. فهذه المشاهد تذكر كل غافل ومكابر بعظم الفرق وأنه أوضح من الشمس في رابعة النهار.
فكما قال المسيح عليه السلام عن الأنبياء الكذبة: بثمارهم تعرفونهم. وقد كان من ثمار ثورات 25 يناير و11 فبراير/شباط أنها حررت الشعوب، ورفعت رأس كل مصري ويمني وعربي، وفتحت السجون لإخراج الأبرياء وإدخال المجرمين والمستبدين مكانهم. هذه الثورات منحت الشعوب الكرامة والعزة والشرف، وفتحت الحريات بلا حدود: في تشكيل الأحزاب، وفي الإعلام، وفي الجامعات.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن كل شعوب العالم وقفت إجلالاً لشعوب تونس ومصر واليمن وسوريا، ولم يعد العرب هم مادة السخرية والشفقة في العالم. بل إن حركات غربية (مثل حركة «احتلوا وول ستريت») استلهمت الثورات العربية. ولأول مرة في تاريخنا منذ أن قدمنا للعالم نعمة الإسلام ورسالته السماوية، أصبحنا قدوة للعالم لا تبعاً.
أما ما حدث بعد «ثورة 30 يونيو» و«ثورة 21 سبتمبر» فحدث ولا حرج. في الحالين، هيمن البلطجية، وكممت الأفواه وأهين الشرفاء وأعز المجرمون. في مصر أصبح ثوار 25 يناير (من بقي منهم حياً) في السجون أو المنافي، أو ممنوعون من السفر، وأصبح من عذب وقتل عزيزاً مكرماً، وكل مصري شريف يواجه الإذلال والمهانة.
اسم مصر مرغ في الوحل، وأصبح يضرب بها المثل في القمع. وقد أسرف القضاء المصري في إهانة واحتقار نفسه، حيث أصبحت محاكماته أشبه بالمهازل والكوميديا السوداء. أما الإعلام المصري، فحدث ولا حرج، لأنه تحول إلى خليط بين السيرك ومزرعة الحيوانات. وفي اليمن كذلك، هوجمت ونسفت بيوت قادة ثورة يناير، وانتهكت الحرمات وأذل الشرفاء، وحوصرت أو أغلقت وسائل الإعلام، وأصبح رموز الدكتاتورية الفاسدة هم من يتصدر المشهد.
في البلدين، كان المجرمون الذين أذلوا الشعوب، وأدمنوا التعذيب، ونهبوا الأموال، قد أصبحوا بعد الثورات العظيمة خائفين يترقبون، يحفهم العار ولا يجدون أرضاً تقلهم أو سماءً تذلهم. ولكنهم بعد «ثورات» يونيو وسبتمبر، خرجوا من جحورهم يتبخترون، وتصدروا المجالس، وأصبحوا يفتون في الوطنية، ويوزعون صكوك البراءة. في عهد الثورات الحقيقية، لم يكن هناك سجناء سياسيون ولا مختطفون، ولم يكن هناك حجر على رأي. ولكن بعد «الثورات» إياها، امتلأت السجون، وساد الخوف وانعدم الأمن.
نعم، لا يهم ان تسمى تلك النكسات «ثورات»، فليست كل «ثورة» وانتفاضة من عمل الخير. فقد ثار بعضهم بالفعل في يونيو وسبتمبر في مصر واليمن، كما كانت هناك «ثورة» القرامطة، و«ثورة» ملاك العبيد في الجنوب الأمريكي، و«ثورات» العنصريين اليوم في أوروبا، وأسلافهم الفاشيين بالأمس، و«ثورة» مسيلمة وأتباعه ضد نبي الإسلام وخليفته، و«ثورات» المستوطنين والمتطرفين اليهود ضد الفلسطينيين.
ففي كل تلك الحالات، شارك عدد كبير من البشر بدوافع مختلفة في انتفاضات شعبية ضد العدل والكرامة والحق والإنسانية، ولم يقل حماس هؤلاء لقضيتهم عن إيمان وحماس المخلصين والصادقين في الدفاع عن الحق.
لكن الثابت كذلك أن «ثوار» هذه الحركات المعادية هم أول من يشهد على نفسه بأنهم أقلية مرفوضة، تخشى أن يكشف أقل ضوء زيف أمرها وسوء طويتها. فقد كان أول ما فعله «ثوار» يونيو في مصر هو إغلاق كل أجهزة الإعلام الشريفة التي تقول بعض الحق، ولم يبقوا إلا على أبواق الزيف والكذب. وحتى هذه طاردوها وطالبوها بمزيد من الخضوع والاستسلام.
يكفي مصير الكوميدي باسم يوسف، الذي كان من «ثوار» يونيو ولكنه يواجه اليوم مع كثيرين ممن ساندوا مسيلمات مصر الجدد غضب من أعانهم على باطلهم، ومثله في ذلك مثل كثيرين، بداية بالبرادعي الذي كان عراب الانقلاب، وأصبح اليوم فاراً من بطش نظام كان نائب رئيسه!
ومن غير المعلوم ما ستكون عليه نهاية الباقين، ولكن المؤشرات ليست مطمئنة لكثير منهم. فهذه ثورات الخوف والتخويف، وثورات ضد القيم، بما فيها قيم الوفاء والعدل. فعند هؤلاء، كل شيء جائز من أجل تحقيق المطلوب، وهو مطلوب غامض لا يعرفه إلا ذو حظ عظيم، وليس هناك من محظور أو حرمات تحول بينهم وبين تلك الغايات.
لقد «ثار» هؤلاء على مرسي ولم يكن لديه سجين سياسي واحد، ولم تغلق في عهده صحيفة. ولم يكن هناك حزب محظور، حتى لو كان حزب ابن أبي سلول. وها هي خارطة طريقهم تبدأ وتنتهي بالحظر. لقد زعموا أن ثلاثين مليون مصري خرجوا «يفوضون» السيسي (على طريقة باسم يوسف)، ولو كانوا صادقين، لم الاختباء في الظلام مثل الخفافيش، والخوف من الرأي الحر والانتخابات الحرة؟ ألم يكن يسعهم أن يعقدوا انتخابات عاجلة يصوت فيها هؤلاء الملايين أو نصفهم حتى، لمرشحهم المحترم المحبوب مثل كيم إيل سونغ، ويغشي العار والذل مرسي وأنصاره حين يرفضهم الشعب كما يزعمون؟ أم أنهم يعلمون ما نعلم من أنهم هم المرفوضون من الشعب؟
الأمر غاية في البساطة: القوم يهيمنون اليوم على كل وسائل الإعلام، وعلى الشرطة والقضاء والأمن والاقتصاد وكل مفاصل الدولة (تماماً كما كان الحال أيام مرسي الذي انقلبوا عليه، وإنما على أنفسهم انقلبوا وعلى الشعب) والشعب كله معهم لو صدقناهم. فليتحدوا كل معارض، إخواني أو برادعي، إلى منازلة ميدانية شعبية، وانتخابات غير عادلة ولا نزيهة.
فإذا فازوا، سلمنا لهم والجميع بذلك، وانتهت المسألة، ولم يعد يحق لإخواني أو غيره أن يتظاهر مطالباً بإسقاط السيسي. فلماذا ياترى لم يفعلوا ولن يفعلوا؟ نترك لهم الإجابة ولفطنة القارىء الكريم.
إن ثورة يناير وبقية الثورات العربية استمدت عظمتها ليس فقط من أنها أسمعت صوت الشعوب، بل لأنها كذلك وحدت ولم تفرق، حررت ولم تستعبد، كرمت ولم تذل. في تلك الثورات، وقفت الشعوب شامخة عزيزة، بعد أن أصبح العرب مصدر إعجاب العالم وحسده. شمخ في مصر هرم رابع، هو هرم الشعب العزيز المتحضر.
حتى قبل أن تنجح الثورة، أصبح ميدان التحرير كعبة كل إعلامي بارز، وكل مفكر عالمي يحترم نفسه، وكل محب لكرامة الإنسان وحريته. لم يأت هؤلاء لإملاء شيء كما زعم المبطلون، وإنما ليتعلموا من ثوار مصر الشرفاء، ولينالوا البركة من أخذ صورتهم في ميدان التحرير.
أما نظام «ثورة» يونيو الذي يخشى ميدان التحرير خشية ماري انطوانيت ميدان الباستيل فقد جعل، بالمقابل، عرس مصر مأتماً، وضياءها ظلاماً. ولم يعد أحد يحترم مصر بعد أن تحولت إلى بلد يتحاشاه السياح ويتحاماه المستثمرون، إلا تلك الفئة من أعضاء نادي الاستبداد الدائم ممن نخشى أن تجرهم مصر السيسي معها إلى هاوية ما لها من قرار، فتنجح فيما عجزت عنه إيران الخميني وعراق صدام من قبل.
٭ د. عبد الوهاب الأفندي كاتب وأكاديمي سوداني مقيم بلندن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.