يُصرّ المندوب الأممي إلى اليمن جمال بن عمر على عدم قطع «الخيط الرفيع» الذي ما زال يربط دوره بالمشهد اليمني، ويؤخذ على بن عمر انه ساير كثيراً حركة الحوثيين، وانه لم يتخذ موقفاً من كل الإجراءات التي اتخذها عبد الملك الحوثي منذ أيلول الماضي عندما اقتحم صنعاء، ومعسكرات الجيش، وحاصر رئيس الجمهورية، وشل الحكومة (قبل استقالتها)، ومع كل ذلك أشرف بن عمر على هندسة «اتفاق السلم والشراكة» الذي وقعته الأحزاب اليمنية بحضور رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، وقد وصل الأمر لإتهامه (بن عمر) بالتآمر مع الحوثي من قبل العديد من الشخصيات السياسية اليمنية، فوجود بن عمر يعني المساعدة على «شرعنة» انقلاب الحوثي على السلطة الشرعية. يرى مصدر يمني انه رغم انقلاب الحوثي على جميع المؤسسات الشرعية ما زال يُصرّ بن عمر على تأمين «الغطاء الدولي» لجميع إجراءات الإنقلاب غير الشرعية، ويضيف المصدر ان الحوثي في مأزق وهو بحاجة لهذا الغطاء الدولي. صحيح أن الحوثيين استولوا على غالبية معسكرات الجيش في مناطق الشمال، وباتوا القوة العسكرية الرئيسية، واستطاعوا أن «يجبروا» رئيسي الجمهورية والحكومة على تقديم استقالتيهما، إلا أن عبد الملك الحوثي بانقلابه هذا وضع اليمن على حافة الهاوية، وهو اليوم يعيش المأزق الذي صنعه. فهو يعيش مأزق اعتراف الآخرين بإنقلابه، داخلياً، وعربياً، ودولياً. فعلى الصعيد الداخلي هو بأمس الحاجة لإعتراف الأحزاب اليمنية، والقبائل، والحراك السياسي في الجنوب به. ففي الجلس الحوارية أول أمس التي رعاها بن عمر وشاركت فيها أحزاب «اللقاء المشترك» الستة، اضافة إلى جماعة الحوثي أصر الحوثي على التمسك ب«الاعلان الدستوري» الذي به رسم سلطة جديدة بقيادته ورئاسته، ومن ثم طلب من الأحزاب المشاركة فيها. وعندما رفض التخلي عن الإعلان الدستوري، غادر رئيس التنظيم الوحدوي الناصري الاجتماع معلناً «أن الحوثي يريد منا الاعتراف بشرعية انقلابه، ويرفض تقديم أي تنازلات وفي مقدمها إلغاء الإعلان الدستوري»، وكذلك فعل «التجمع اليمني للإصلاح» رافضاً الاستمرار بالحوار مع الحوثي. وعلى الصعيد العربي هناك رفض شامل لإنقلاب الحوثي، وموقف المملكة العربية السعودية واضح حيث اعتبرت «أن ما يحدث في اليمن يُهدّد أمن اليمن والمنطقة واستقرارها ومصالح شعوبها» وأن «ما حصل انقلاب على الشرعية لتعارضه مع القرارات الدولية، وينافي المبادرة الخليجية التي تبنّاها المجتمع الدولي، وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني». وعلى الصعيد الدولي كان موقف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأسبوع الماضي من الرياض واضحاً «لا بدّ من عودة رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي للسلطة، وتمكينه ليمارس سلطته، وحكومته»، وكذلك كان موقف الاتحاد الأوروبي. صحيح ان جمال بن عمر يحرص على نجاح مهمته، فهو يرى أن البديل عنها وعن الحوار الذي يريده يعني دفع اليمن كلّه من حافة الهاوية إلى قعرها، وهو لا يستطيع أن يتخلى عن مهمته بسهولة، مهما تكن الصعاب والعقبات، ولكن استمرار إشرافه على الحوار وفقاً للقواعد التي رسمها انقلاب الحوثي يعني مساعدة الانقلابيين للحصول على اعتراف دولي، خاصة أن الانقلاب لا يتمتع بغطاء شعبي كبير من مكونات الشعب اليمني. وعليه، فإن الحوار مع الحوثيين الذين أطاحوا بجميع مؤسسات الدولة الشرعية عبر السلاح، من الصعب أن يحقق أية نتائج إيجابية، لأن من يملك السلاح لن يقدم تنازلات لمن لا يملكه، ولذلك المتشائمون يرون أن الحوار لن يحقق الاستقرار لليمن، وما هو سوى «طبخة بحص». وما زال هناك ما يقال في المشهد اليمني التحرّك.