قبل إعلان الخارجية الأمريكية عن إغلاق سفارتها في صنعاء أكد عدد من السفراء السابقين عملوا في عواصم عربية على أهمية الإبقاء على السفير الأمريكي في صنعاء وعدم استجابة الإدارة لمطالب نواب في الكونغرس وذلك بعد انهيار الحكومة اليمنية، وبعد إعلان جماعة الحوثي التي تعرف أيضا بجماعة أنصار الله حلها للبرلمان والغاء المؤسسات الدستورية في البلاد. ففي مقال مشترك لكل من رايان كروكر وجيمس جيفري وروبرت فورد ورونالد نيومان الذين خدموا في العراق ولبنان وسوريا والجزائر وتركيا، طالب الأربعة الإبقاء على السفير الأمريكي ماثيو تويللر في صنعاء، لأن وجوده مهم في هذه المرحلة التي يواجه فيها اليمن اضطرابات ومخاطر على عدة جبهات منها الإنقسام من جديد أو الإنزلاق للحرب الأهلية، والأهم من كل هذا مواجهة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الذي يعد من أقوى فروع التنظيم والذي تتهمه الولاياتالمتحدة بشن هجمات ضد مصالحها وحلفائها. وكتب السفراء الاربعة في مجلة الكونغرس «ذا هيل» قائلين إن المخاطر الشخصية على حياة السفير يجب أن لا تكون السبب، فكل واحد منهم عانى وواجه المخاطر أثناء عمله. كما أن «اليمن يقدم مثالا عن السبب الذي يجب على الدبلوماسيين الأمريكيين التعرض لمخاطر شخصية من أجل مصالحنا القومية». ففي الوقت الذي ينزلق فيه اليمن نحو الحرب الأهلية لابد من وجود أمريكي على الأرض وعلى أعلى المستويات- السفير. ويعبر موقف السفراء عن الطريقة التي تعاملت فيها إدارة الرئيس الأمريكي مع مجريات الأمور منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في إيلول/سبتمبر 2014 وإكمالهم المهمة الإنقلابية في 22 كانون الثاني/يناير 2015. إلتباس لم يبرز من الإدارة الأمريكية في البداية موقف واضح، خاصة أن الرئيس باراك أوباما أعلن قبل وصول الحوثيين إلى العاصمة اليمنية، أن اليمن يمثل نموذجا أمريكيا ناجحا في مكافحة الإرهاب. وقال إن «الإستراتيجية لملاحقة الإرهابيين في الوقت الذي نقوم فيه بدعم شركائنا على الخطوط الأمامية، هي التي نتبعها في اليمن ومنذ سنوات» (24 إيلول/سبتمبر 2014). ولهذا فالموقف غير الواضح من الحوثيين ارتبط بطريقة أو بأخرى باستراتيجية واشنطن في الحرب على الإرهاب. ولعل تجاهل الحوثيين في الخطاب الرسمي الأمريكي العام نابع من أن الحرب ضد القاعدة تدار عبر مؤسسات الدولة العميقة في اليمن حتى في حالة غياب المؤسسة السياسية واستقالة الحكومة. وفي هذا السياق قللت الإدارة من أهمية علاقة الحوثيين بإيران، وكما يقول السفراء الأربعة فالحركة الحوثية التي سيطرت على السلطة «لديها أصدقاء إيرانيون ولكن العلاقة غير واضحة وعلينا أن لا نقفز لافتراضات سطحية حول تحالف قوي مع إيران». ولهذا دعا السفراء إلى تفهم ما تريده الحركة والبحث عن أرضية مصالح مشتركة بينها وبين الولاياتالمتحدة وفيما إن كان الدعم العسكري والمالي يسهم في تحقيق الإستقرار والأخير مرهون بتطور الأوضاع على الأرض كما شرحوا. اتصالات وهذا يفسر ما رشح عن اتصالات أمريكية- حوثية، فقد كشف موقع «المونيتور» عن اتصالات أمريكية والجماعة. وكتب الصحافي في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» دويل ماكمانوس مقالا تساءل فيه عن السبب الذي يجعل الولاياتالمتحدة «تسترضي» الحوثيين. فرغم شعارات المتمردين المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل ان إلا المسؤولين الأمريكيين تسابقوا للاتصال بقيادات الحوثيين وتطمينهم أن الولاياتالمتحدة لا تعتبرهم عدوا. وكتب ماكمانوس «أخبرني أحد المسؤولين: «نحن نتحدث مع الجميع.. كل من لديه استعداد للحديث معنا». ويرى ماكمانوس أن الدافع وراء الرسائل التطمينية نابعة من كون الحوثيين وحلفائهم يسيطرون على اليمن و»هو أحد الميادين الرئيسية في حرب الولاياتالمتحدة على القاعدة». وكما هو واضح من خطاب الحوثيين فقد حاولوا تبرير سيطرتهم على صنعاء من أجل منع وصول القاعدة إليها. ويقول ماكمانوس أن أمريكا تنظر إلى الحوثيين بمنظور عدو عدوي هو صديقي، ولكن ماذا عن علاقتهم بإيران؟ رغم تحذير السناتور جون ماكين من خطر الزحف الإيراني ومطالبه بإرسال وحدات عمليات خاصة إلى اليمن؟ على ما يبدو لم تقتنع الإدارة الأمريكية من تأثير إيراني على الحوثيين. فالموقف كما عبر عنه السفراء الأربعة أعلاه هو أن الحوثيين يحصلون على الدعم من إيران ولكنهم ليسوا تحت سيطرتها. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق إن كانت الجماعة الحوثية ستبقى حليفا موثوقا يمكن الإعتماد عليه لمواصلة الحرب على الإرهاب. صحيح أنه تم استئناف هجمات الطائرات بدون طيار بدون اعتراض من «سادة اليمن الجدد» إلا أنه كلما عززت الجماعة الحوثية من سيطرتها على البلاد كلما طالبت بوقف التدخل الأمريكي باعتبار أن الحركة قادرة على مواجهة خطر القاعدة بدون دعم خارجي. وسيجد الحوثيون دعما من اليمنيين الذين يعارضون سياسة الهجمات والتي ربما كانت وراء سقوط عبد ربه منصور هادي. فماذا ستفعل الولاياتالمتحدة عندها؟ إغلاق السفارة وهنا نتساءل إن كانت الإدارة الأمريكية ترى في الجماعة التي تحكم العاصمة اليمنية حليف مصلحة لمحاربة الإرهاب، فلماذا أقدمت على إغلاق السفارة، خاصة أن الظرف الأمني لم يقنع الكثيرين ولم يعجب القيادة الحوثية الذي اعتبرته دعما للقاعدة. تقول صحيفة «نيويورك تايمز» أن الدبلوماسيين الأمريكيين عاشوا فترات أصعب في السابق في إشارة لخطل المبرر الأمني. وتعتقد الصحيفة أن الغرض من إغلاق السفارات هو إحكام العزلة على الحوثيين وزيادة الضغوط عليهم للتراجع عن قراراتهم الأخيرة ولإجبار اللاعبين السياسيين في اليمن التوصل إلى اتفاق. وتنقل الصحيفة عن مسؤول في وزارة الخارجية اليمنية قوله «عندما يفعل الأمريكيون شيئا مثل هذا، تفعل السفارات الغربية الأمر نفسه». وأضاف أن «الإغلاق لا يعني أن الوضع الأمني سيء ولكنه قد يعني محاولة البعثات الدبلوماسية ممارسة ضغوط على الحوثيين». ونقلت عن عضو بالمكتب السياسي للحركة الحوثية قوله «لا نريدهم أن يخرجوا ونحن مستعدون للتعاون مع السفارة الأمريكية في إجراءات توفر حماية مسؤوليها وتسهل عملهم». تحديات وربما كان إغلاق السفارة صورة عن التحدي للإستراتيجية الأمريكية في ظل الوضع الجديد، فإدارة أوباما وإن لم تسحب أيا من العسكريين إلا أنها لن تكون قادرة كما تقول صحيفة «الغارديان» على مراقبة المساعدات العسكرية التي تبلغ قيمتها 400 مليون دولار والتي قدمتها وزارة الدفاع على مدى عقد من الزمان وتشمل دبابات ومروحيات. ففي حالة تعزيز الحركة لسلطتها فسيكون لهذا أثره الواضح على استراتيجية محاربة القاعدة. وخلافا للتحليل الذي يقول إن هناك مصلحة مشتركة بين أمريكا والحوثيين لمكافحة الإرهاب، بل العكس فالنظام الجديد في صنعاء سيدفع لتقوية القاعدة. وكما كتب الخبير في شؤون اليمن غريغوري جونسون في موقع «بازفيد» «سيجذب تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية متطوعين جددا، وهذا هو بالتأكيد السيناريو الذي يقلق الولاياتالمتحدة: يمن ينهار، نمو للقاعدة ولا حلفاء على الأرض». وكما كتب جويل غيلين في مجلة «نيوريباليك» فتجربة اليمن تقدم صورة عن المخاطر التي تحيط بتقديم أسلحة إلى أنظمة فاسدة وغير مستقرة. فقد ظلت هذه هي المشكلة التي تلاحق أمريكا طوال فترة «الحرب على الإرهاب»، حيث تسربت أسلحة أمريكية إلى الجماعات الإرهابية مثل طالبان عام 2009 بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» وإلى مالي في عام 2011. فكل هذه المناطق عاشت حروبا أهلية وانتقل فيها السلاح الأمريكي إلى أيدي المتمردين الجهاديين. ومن أهم الأمثلة الصارخة اليوم هو العراق صيف عام 2014 عندما انهار الجيش العراقي وحصل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على أسلحة متقدمة مكنته من مواصلة معركته حتى الآن. حرب أهلية ودولة فاشلة تعرف الولاياتالمتحدة أن الحالة اليمنية تملك كل المكونات التي تجعلها مثالا عن الدولة الفاشلة. وليس من مصلحة واشنطن تحول اليمن إلى صومال جديد. وقد دق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ناقوس الخطر عندما قال أن «اليمن ينهار أمام أعيننا». والمكونات السياسية في هذا البلد تجعل من تفرد الحوثيين بالسلطة ومحاولتهم فرض سيطرتهم مدعاة للقلق. فهناك رفض شعبي للسيطرة الحوثية، سواء من زعماء القبائل والجماعات الجهادية وحركات التغيير الشبابية والحركة الإنفصالية الجنوبية. فكل هذه المكونات المتعددة والمختلفة تشكل خلطة لحرب أهلية تكون حاضنة لتنظيم القاعدة والجماعات المتشددة التي تزدهر في الفوضى وغياب السلطة. ولن تقتصر الفوضى على اليمن وحده بل ستتأثر حركة الملاحة في مضيق باب المندب الذي يعبر منه كل يوم 4 ملايين برميل نفط. وهناك قلق سعودي حيث أوقفت السعودية مساعداتها المالية لليمن. فالسعودية هي الأكثر تأثرا بالأحداث. ومن هنا دعا السفراء في مقالهم لتعاون أمريكي- سعودي مع تأكيدهم أنه لا يمكن الإعتماد في كل شيء على الرياض ولا على تقييمها. تكرار الأخطاء تعيد الولاياتالمتحدة أخطاء الماضي عندما تعاملت مع اليمن عبر منظومة حرب الإرهاب وأدت إلى تفاقم المشاكل. ويبدو أن الحوثيين تعلموا المنطق نفسه، فهم مثل الرئيس السابق علي عبدالله صالح استخدموا شماعة حرب القاعدة للحصول على الدعم الامريكي. ولا بد من الإشارة أن صالح ليس بعيدا عن الأحداث. فكما أشارت صحيفة «واشنطن بوست» فصالح متهم باستخدام ثروته وصلاته وتأثيره في الجيش ومع قادة القبائل لدعم التمرد الحوثي. ونقلت الصحيفة عن باحثة يمنية قولها «سلم صالح الرئاسة لكنه لم يتخل عن السلطة»، وبحسب مسؤول غربي «من الواضح لكل شخص أن لصالح دورا في كل هذه الفوضى» وأضاف «بدون شك أن ما جرى هو عمل مشترك» في إشارة لسيطرة الحوثيين على مدينة صنعاء في إيلول/سبتمبر العام الماضي. ورغم نفي الرئيس السابق أي علاقة بالأحداث واعتباره ما يقال مجرد «دعاية» تقوم بها الأحزاب المنافسة له إلا أنه أعترف بقيامه بنشاط سياسي. فهو يقوم بمشاورات يومية مع القادة السياسيين وزعماء القبائل في بيته المسور والذي تحيط به الحمايات الأمنية. ويرى عبد الغني الأرياني، المحلل اليمني أن مؤيدي صالح بمن فيهم ضباط في الجيش بدأوا بتدريب مقاتلي الحوثي في مناطق سيطرة المتمردين مع تسلم هادي السلطة عام 2012. ويقول الأرياني إن صالح «أرسل ضباطا سابقين للعمل مع الحوثيين ومن ثم قام الضباط العسكريون بالإنضمام للحوثيين والسيطرة على العاصمة». ومن هنا فحل الفوضى التي أحدثها الحوثيون في اليمن مرتبط بالتعامل مع تأثير صالح المستمر على السياسة اليمنية. وفي النهاية لا يمكن للولايات المتحدة مواصلة تعاملها مع اليمن بالطائرات بدون طيار التي تثير السخط وتجند الأتباع للقاعدة أكثر من قتل قادتها.