غضب عارم يجتاح أعضاء الإصلاح من الممارسات التي فاقت حدود المعقول ضد الحزب وقياداته -حسب ما يقوله المعترضين على حكمة القيادات العليا في تجمع الإصلاح- حيث يرى الكثير منهم بأنها حكمة وحلم يقدمان إلى من لا يستحق. الأمر الذي أوجد موجة من الغضب لدى قواعد وشباب الإصلاح، مطالبين السماح لهم بحق الدفاع عن النفس، والتعامل بحزم مع حلفاء الثورة المضادة، الذين انقلبوا على كل توافق وكل عهد بقوة السلاح. يقول الأعضاء: إن مبررات حق الدفاع عن النفس والاعتداء بالمثل، لا تقل أهمية وقوة عن تلك المبررات الداعية إلى السلم، فذلك مبدأ من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، قال تعالى (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ) (البقرة194) وقال تعالى:(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ ) المائدة45 تجيب القيادة: ذلك حقٌ مشروع، لكن الأرقى من ذلك ما فعله الأنبياء والرسل، فلن تكون أرواحنا ودمائنا أغلى من أرواحهم ودمائهم، وأن الآية الأولى التي استشهدتم بها، تقول نهايتها: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (194البقرة) وكذلك الأمر في نهاية الآية الثانية أيضاً (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ۚ ) المائدة45 مؤكدين القول: إننا كدعاة -كونها مهمتنا الأساسية- متمسكين بقوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) [سورة النحل: 125: 128[ يجيب الأعضاء: نحن نعتقد بأن الأحسن في ظل مجريات الأحداث الحالية، وطبيعة الطرف الآخر هي القوة، وهذا أحد وجوه تفاسير هذه الآية، وكونه قد ترك لنا الخيار بين أن نعاقب بمثل ماعوقبنا به، أو نصبر، فحق لنا أن نختار. تقول القيادة: بأن خلافنا مع الآخرين، ليس للمكاسب الشخصية أو انتصاراً للذات، خلافنا معهم يتعلق بقضايا تهم الجميع، بما في ذلك أولائك الذين يناصبوننا العداء، حيث نرى بأن أولائك الآخرين، اقتصرت نظرتهم على مصالحهم الشخصية، أو الحزبية، أو الفئوية، بينما نريد لهم نحن أن تكون نظرتهم أو سع من ذلك، لتشمل كل جغرافيا اليمن، وكل السكان، لذلك فإننا نحرص على حياتهم وسلامتهم، بنفس الدرجة التي نحرص فيها على حياتنا نحن، فذلك السبيل الأمثل لنشر الأمن والسلم، كما يريد الإسلام الحنيف، الذي نحن متقيدون بتعاليمه ونواهيه، لذلك نعاملهم بتلك الطريقة من القيم الأخلاقية الراقية، والحكمة والوطنية، فهي التي دفعتنا إلى تقديم كل تلك التنازلات . يجيب الأعضاء: الذين انقلبوا على كل توافق وكل عهد بقوة السلاح، يفسرون ذلك التعامل الراقي منكم تفسيراً مُغايراً، وأن ذلك النوع من التعامل، لا يعرفوه ولا يفهمونه، وأنهم لا يجيدون سوى فهم لغة واحدة، هي التي يستخدمونها على أرض الواقع ضدنا وضد وكل من يخالفهم. تقول القيادة: إذا كان أولئك لا يفهمون تلك القيم، فنحن نفهمها، نحن أصحابها وأهلها، ولعلها تؤتي ثمارها في يوم ما، وإن لم تفعل فيكفينا أننا نتعامل بقيمنا وأخلاقنا ومبادئنا، التي أمرنا الله تعالى بالتخلق بها بين الناس، فذلك التعامل هو الطريق الأسلم للحفاظ على اليمن واليمنيين، الأرض والإنسان، وأن الأمور إذا خرجت عن السيطرة فإن الجميع سيتأذى ولن يتم استثناء أحد، ومادام هذا الأسلوب سيجنب البلاد والعباد، من الإنزلاق إلى ماهو أكبر، فدعونا نكون فداء لهذا والوطن والشعب، راجين الأجر والمثوبة من الله تعالى وحده. يجيب الأعضاء: من أجل ذلك لم يُعد بمقدورنا أن نتحمل بمفردنا كل ذلك الأذى، لقد تحملنا أكثر مما تحمله الجميع في هذا الوطن، ومادامت تلك الممارسات قائمة ضدنا، فقد حان الوقت أن يتحمل الآخرين، شيء مما نتحمله بمفردنا منذ فترة طويلة، فدعونا إذاً ندافع عن أنفسنا، وعلى الجميع أن يأخذوا دورهم. تقول القيادة: إنه ما بقي مسلك للسلم فسيكون خيارنا الأول، الدعاة الذين ارتضوا أن يفعلوا للناس الخير، ويدفعوا عنهم الأذى، اقتضت السنة الكونية أن يكونوا في مقدمة من يتأذى، الم يقل لقمان لولده وهو يعضه (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) لقمان17، فالصبر على أذى من تحاولون دفع الأذى عنهم، من عزائم الأمور، إنها مهمة الأنبياء والرسل. يجيب الأعضاء: لا ننكر هذه القيم التي تربينا عليها، غير أننا كبشر عندما تستمر تلك الممارسات المسيئة ضدنا بتلك الصورة، لا يمكننا أن نكون مثاليين، تلك الممارسات لا مبرر لها، سوى الإمعان في محاولة إخراج أسوأ ما لدينا، وفي لحظة معينة لن يكون بمقدورنا كبح جماح ما لدينا من سوء . مؤكدين القول: في اليوم الذي نأتي فيه لمناقشة مثل هذه الأمور معكم ولا نجدكم، لأنكم في معتقلاتهم، أو مشردين خوفاً من بطشهم، ولا يكون بمقدورنا التواصل معكم، فإننا في ذلك الوقت سنعود إلى نظرياتنا، ونتخذ قراراتنا، التي نؤكد بأنها لن تكون خارجة عن قيم وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، غير أن أساليبنا، ووسائلنا، ستكون مختلفة عن وسائلكم وأساليبكم، قد نكون أكثر زهداً عن الأجر الذي تبحثون عنه، لكننا لن نقترف الإثم الذي تخشونه، وسننطلق من مفهوم الآية الكريمة (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) سورة الحج39. في حقيقة الأمر، لم يكن الخلاف بين القيادة والأعضاء، يتمحور حول الحلال والحرام، فيما يتعلق بحق الدفاع عن النفس، لكنه خلاف يتلمس خير الخيرين، حيث يتمسك الشباب والأعضاء بحقهم الشرعي، في الدفاع عن أنفسهم، وأموالهم، ومنازلهم، بمافي ذلك قياداتهم، بينما ترى القيادة بأن الأمر لن يذهب إلى ذلك الاتجاه، مادامت هي المسؤولة أمام الله عن التنظيم، حباً في ممارسة خير الخيرين، إلا إن صار الأمر إلي الشباب. يرى المتابعون والمهتمون بأنه سيستمر هذا الخلاف وهذا التباين، بين القيادة والقاعدة في تجمع الإصلاح، ما بقي التواصل مُمكناً بينهما، فإذا انقطع ذلك التواصل، فسيكون للجيل الغاضب قراره وخياراته، التي لا خلاف حولها، إلا البحث عن الأفضل. مراقبون يعتقدون أن الذي بمقدوره أن يحسم ذلك الخلاف، هي قوى الثورة المضادة، التي أمعنت في ممارساتها الغير قانونية، إذا كان بمقدورها أن تعيد النظر في تلك الممارسات التي تنتهجها ضد خصومها بشكل عام، والإصلاح وقياداته بشكل خاص، ما يعني بأنه إذا كان حلف الثورة المضادة، سيستمر في تعنته واستفزازاته اللامسؤولة، متعمداً إيصال الأمور إلى ذلك الحد، فإنهم بذلك الصنيع، يلعبون بالنار، بعد أن أراقوا على أجسادهم الكثير من الوقود والمواد المشتعلة، فوق أنهم قد استعدوا الآخرين وهم كثيرٌ جداً، على مستوى الداخل والخارج . الملفت أنه وعلى مدار أكثر من عقدين من الزمن، عملت قيادات الإصلاح الحالية في اليمن، جاهدة على إعادة عملية الترتيب السليم لوسائل العمل الدعوي، فيما كانت قبل ثلاثة عقود المرتبة الأولى في العمل الدعوي في أذهان الكثير من الدعاة هي السيف، حيث تميزت تلك المرحة بمواجهة المد شيوعي في أفغانستان التي دعمها العالم كله في ذلك الوقت، اليمن بشكل خاص لم يكن بعيداً عن ذلك الحدث، إضافة إلى ذهاب مجموعات كبيرة للجهاد في أفغانستان، بدعم دولي وإقليمي، فقد حصلت مواجهات عنيفة ومباشرة، بين المدّين في ذلك الوقت الإسلامي والماركسي، والمتمثل في حروب ما عُرف حينها بالمناطق الوسطى، الأمر الذي عمّق فكرة أن يكون القول الفصل هو للسيف، وإن كانت المهمة دعوية، ناهيك عن الأفكار التي تم الترويج لها بأن الإسلام لم ينتشر إلا بالسيف، حيث برزت أناشيد جهادية من نوع (خندقي قبري وقبري خندقي، و لبيك إسلام البطولة كلنا نفدي الحِمى، وغيرها الكثير من الأناشيد التي تدعوا للمواجهة والعنف). طوال تلك الفترة، عملت قيادات الإصلاح في اليمن، على إعادة ترتيب وسائل العمل الدعوي، حيث وضع السيف –حسب المفكرين الإسلاميين- في مكانه الصحيح ضمن قائمة الوسائل الدعوية ليحتل المكانة الأخيرة من الوسائل الدعوية المختلفة، حيث يمكن اللجوء إليه فقط عند الحاجة الماسة، والضرورة القصوى. وطوال الفترة الماضية إلى وقت قريب، كانت الأمور تسير في طريق النضال السلمي في مختلف الجوانب، فظهرت أناشيد من نوع آخر على غرار ( إلّي يقول انتم، ولّي يقول إحنا، الدم نفس الدم، حتى ملامحنا، وصفحة جديدة لليمن، وغيرها من الأناشيد التي تدعوا إلى التعايش السلمي والقبول برأي الآخر ). لاشك بأن التحول في النظام العالمي بعد انتهاء الحرب الباردة، واستفراد الولاياتالمتحدة بنظام حكم القطب الواحد، وظهور ما عرف بالنظام العالمي الجديد، قد ساهم هو الآخر بخلق واقع سياسي آخر، وهو ماعرف بالنظام الديمقراطي الرأسمالي، الذي تبنته الولايات لمتحدة، الأمر الذي فرض على دول العالم الثالث الإنصياع لذلك التحول، على المستوى السياسي والتنظيمي، بمافي ذلك العمل الدعوي، الذي وجد في هذا النموذج الطريق الأسلم للعمل الدعوي، الذي ينسجم إلى حدٍ ما، مع تعالم الدين الإسلامي الحنيف سِلماً وخلقاً ودعوة. لذلك تعد الحركة الإسلامية في اليمن، هي الحركة الوحيدة في المنطقة العربية التي تمكنت من التفريق بين العمل الدعوي، والسعي إلى الإصلاح، بطرقه ووسائله المشروعة، بما في ذلك محاولة الوصول إلى الحكم، بالوسائل السلمية، وعدم الإندفاع إلى محاولة السيطرة على الحكم، أو القيام بمهام وواجبات الدولة، لذلك لم تتسبب في يوم ما بسفك الدماء من خلال الدخول مع النظم الحاكمة في صراعات مسلحة من أجل الحكم، برغم توفر السلاح بكميات هائلة في اليمن. إلا أن النظام السابق، الذي رفض القيام بواجباته وتحمل مسؤولياته، ليستمر وقوف الحركة الإسلامية إلى جواره، أغرته قوته وحاشيته التي بدأ يُعدها لتكوين مملكته الخاصة، الأمر الذي دفعه إلى أن ينفذ ماكان يتوعد ويهدد به بشكل دائم (هدم المعبد، الصوملة، العرقنة، الأفغنة، وغيره) من يعود إلى خطاب صالح الذي ألقاه بتاريخ 17فبراير2011م سيجد بأن ما يجري اليوم على الساحة اليمنية، لا يخرج عما قاله وتوعد به وهدد به في ذلك الخطاب حصرياً، ناهيك عن بقية خطاباته في الكثير من المناسبات. هذه الأحداث هي التي جعلت أعضاء الإصلاح اليوم يلتفتون إلى الوسائل القديمة، تلك الوسائل التي لم يكن بمقدور أي جماعة إسلامية في أي بلد كان -ناهيك عن اليمن على وجه الخصوص- أن تلغها أو تسقطها من وسائلها وحساباتها، كونها الأخرى هي وسائل دينية مشروعة، أقرها الدين و الشرع، والقيم الإنسانية والعرف والقانون، هذه الوسائل هي التي يريد الكثير من أعضاء الإصلاح اليوم أن يعيدوها إلى واجهة الأحداث، بعد أن كانوا قد وصلوا إلى قناعة بأنها وسائل لا تكون إلا للحاجة الماسة والضرورة القصوى، لذلك فهم اليوم بعد كل تلك الممارسات يتساءلون عن الضرورة القصوى التي يمكن فيها اللجوء إلى السلاح، استجابة لتنفيذ ماجاء في آيات السيف، التي تدعوا إلى حماية الحق وأهله من بطش المُعتدين، وإيقافهم عند حدودهم ؟! قائلين إن اقتحام مقرات والمؤسسات الحركة، الخيرية والتعليمية والدعوية، ونهب كل ممتلكاتها، وهدم مساجدها، وتشريد قياداتها في كل دولة، ومطاردتهم داخل وطنهم، ونهب أموال من ينتمون إليها، وقتل قياداتها العسكرية بصورة وحشية وغير مسبوقة، وتعذيب أفرادها حتى الموت، وانتهاك حرمة منازل الأعضاء والقيادات على حد سواء، وبصورة غير أخلاقية لم يمارسها كفار قريش في زمن جاهليتهم، وإغلاق الوسائل الإعلامية للحركة ومواقعها الالكترونية، حتى غدى كل ماينتمي للإصلاح تحت التهديد أو يترقب الخطر في كل لحظة. فإذا لم يكن كل ذلك يعني الضرورة القصوى، والأوقات الحرجة، والشدائد، التي يجب فيها على الحركة أن تنتفض للدفاع عن نفسها ومكاسبها ومقدراتها، فمالذي يُمكن أن تعنيه الضرورة القصوى؟! الأمر الذي يعكس بحق خطورة الوضع في البلد، الذي جره إليه حلفاء الثورة المضادة، حيث لم يقتصر الأمر على صراع الداخل، بل جروه إلى صراع الخارج على الأرض اليمنية، ليكون المواطن اليمني في نهاية المطاف هو المستهدف من قبل الداخل والخارج. [email protected]