أكثر من ستة أشهر مرت على آخر لقاء جمعني به، زارني مؤخراً، دخل بابتسامته العريضة المشرقة، وقبل أن أسأله عن سرها، بادرني بالقول: إلى ماقبل21سبتمبر2014م كنت أجادلك فيما ليس لي به علم، ثم أردف بالقول: أدري بأنك ستقيم علي الحجة، لذلك دعني أنا أقيمها على نفسي، لم أكن متأكداً من الموضوع الذي يتحدث عنه، وبعد أن أخذ مجلسه ليكون في المكان المقابل تماماً، وبعد أن انتهت مرحلة الاستقبال والحديث الروتيني المتبادل في مثل هذه الظروف. قال: أريد اليوم أن أقدم اعترافاتي، سأدلي بتصريحاتي دون أن يكون أحداً بحاجه إلى استجوابي. قلت أريد عنواناً، منذ أن وصلت وأنت تتحدث دون أن يكون لي علم بما تريد أن تقوله وما لديك من موضوع. قال: الآن حصحص الحق، لذلك سأقول لك إن الحوار الذي كنت أديره معك في الفترة الماضية، عن قيادات الإصلاح، بأني كنت أكابر في بعض المواضيع، وكنت في بعض الأحيان أدير نقاشاً معك وأنا لا أريد الوصول إلى معرفة الحقيقة، بقدر ما أهدف إلى المكابرة والعناد، لا أنكر بأني في بعض الأحيان، أكون متأثراً بالحملة الإعلامية ضد الإصلاح وقياداته، ثم استثنى، مع العلم بأن بعض الأمور كنت أنا على حق فيها ولدي مبرراتي. قلت: وأنا كنت أعترف بما اعتقد أنك محق بشأنه، مهما كان سلبياً. قال: لكنك لم تكن مُقنعاً، إلى ذلك الحد الذي، كان عليه تاريخ21سبتمبر2014م قلت: ذلك التاريخ علمني أنا كثيراً مما كنت أجهله. قال: برغم أني لم أكن في ذلك التاريخ متواجداً في اليمن، لكني كنت متابع الأحداث بجدية، ثم استطرد: لعل متابعتي وأنا خارج اليمن، أبعدني نوعاً ما عن الروتين الذي كنت قد عودت نفسي عليه في اليمن، حيث حصرت نفسي مع فئة محددة ذات توجه واحد، بما في ذلك تلك القائمة من القنوات التي جعلتها هي فقط مصدر معلوماتي، مراقبتي للأحداث وأنا خارج اليمن، ساعدني على ترتيب أموري بطريقة أخرى. استمر: لن أسرد الكثير سأقول لك مقارنة واحدة، هي التي أوضحت لي بجلاء حقيقة الأمور، وأيقنت الفارق بين قيادات الإصلاح، والقيادات الأخرى، هذا الأمر لست أنا الوحيد الذي أدركته، الكثير غيري عرف كيف كان يراد للسيناريو أن يبدو، لأن الأحداث كانت أكثر وضوحاً، امتناع الإصلاح عن مواجهة الحوثي يوم دخول صنعاء، كان موقفاً بليغاً، برغم أنه يبدو موقفاً انهزامياً، قد يشعر معه صاحب القرار، بنوع من التراجع أو الانهزام، لكن قيادات الإصلاح أثبتت للجميع بأنها قيادة مستعدة أن تبدو منهزمة، وضعيفة، وجبانة، وخائفة، مادام أن المنتصر من كل ذلك سيكون هو الوطن، ومادام به سيحفظ دماء اليمنيين، تلك المواجهة كانت ستقود البلاد إلى حرب أهلية طاحنة لا تبقى ولا تذر، وهو هدف سعى إليه الكثير في الداخل والخارج، الذي أدرك تلك الأمور بمسؤولية كان هو تجمع الإصلاح، حين امتنع عن المواجهة، ثم استمر بالقول: أعتقد بأنه قرار يتلخص في أنه يمكن التضحية بقيادات الإصلاح، ومقراته ومؤسساته، ليس دفاعاً عن قواعده فقط، لكنه دفاعاً عن اليمنيين جميعاً. صمت قليلاً، ارتشف خلال صمته الماء، ثم تبسم وقال: حين سمعت رئيس الإصلاح يقول: (لن يكون الإصلاح أبو فاس) لم يعجبني ذلك التصريح، وفسرت الأمر على أنه تهرّب من القيام بواجباته ومسؤولياته، ثم واصل، لم أكن أدرك حينها المخطط المرسوم، ولماذا قال تلك العبارة، كان تصوري يتمحور بأنه مادام الإصلاح لديه القوة البشرية، ويمثل الحركة الإسلامية، فإن واجبه يحتم عليه أن يقوم بواجبات الدولة، دون أن أدرك بأنه ليس سوى حزب، وأن الأحزاب، لا يمكنها القيام بذلك، أياً كانت توجهاتها وحجمها، مالم تكن قد استلمت الحكم بشكل كامل. ثم استطرد: الحقيقة أننا في اليمن لا نزال غير قادرين على أن نفهم الحزبية وأهدافها، لا نزال نريد من الأحزاب أن تقوم بكل مالم تتمكن الدولة من القيام به، بكل إمكانياتها وصلاحياتها. قلت: حتى ولو كانت خارج الحكم، قال: نعم حتى ولو كانت خارج الحكم. قال: لذلك فإن حقيقة ما يجري في اليمن، أن الحكومة تخرب البلد، والشعب يصُب جام غضبه على أحزاب المعارضة، من أجل ذلك أعتقد بأن الفساد والفوضى ستستمر حتى يصل الشعب إلى قناعة، بأن الحزب الذي يستلم الحكم بشكل كامل، لفترة انتخابية كاملة، ولم يحقق أبرز ما وعد به الناخبين، لم يحسن أوضاع الشعب، لم يوقف التدهور الحاصل في كل المستويات، فإنه يجب أن لا يعود إلى الحكم مرة أخرى، ومن المفترض أن يحصل سوى على أصوات قياداته فقط، حتى أعضاءه يجب أن لا يمنحوه أصواتهم، لكي يكون بمقدور الشعب أن يمنح الفرصة حزب آخر، وهكذا. كان يتكلم منفرداً، وكأنه اكتشف معادلة جديدة، كان متحمساً، وكنت في غاية الإصغاء إليه، متعجباً لسعادته بتلك المعادلة، التي تعد في النظم ذات التعدد الحزبي أمر بديهي، لكني كنت سعيداً بذلك التطور، متمنياً أن يعم ذلك الاكتشاف الكثير من اليمنيين. ثم قال: نعود لموضوعنا، أسبوع واحد بعد دخول الحوثي صنعاء، وكان المحللين السياسيين على كل القنوات والمواقع الإخبارية بما فيهم الخصوم، يتحدثون عن الخطة المرسومة، التي تهدف إلى ضرب الإصلاح بالحوثي للتخلص من الجميع، وإشعال حرب قد لا تنطفي، لكن قيادات الإصلاح وأعضاءه، وحدهم أخمدوها قبل أن تشتعل. ثم قال: هنا فكرت في الفارق بين قيادات الإصلاح وقيادات الأحزاب الأخرى، فأدركت بما لا يدع مجالاً للشك، بأن لسان حال قيادات الإصلاح، يقول بكل وضوح، إذا كانت حياة قياداتنا، ومقراتنا، ومؤسساتنا، ستدفع الدمار عن أعضائنا وأبناء شعبنا، وتخمد نار الفتنة، فلن نتوانا لحظة عن تقديمها في سبيل ذلك، وهذا ما حصل بالفعل في21سبتمبر2014م حيث كان هذا الأمر ممارسة ولم يكن قولاً. قال: حين أقارن بين هذا الموقف، وموقف الخبرة اليوم (الحوثي وصالح) أجد لسان حالهم يقول، سنحارب المعتدي الخارجي-حسب قولهم- ونقاتل أمريكا وإسرائيل -حسب زعمهم- بقتل اليمنيين على أيادي أنصارنا من اليمنيين، حتى آخر قطرة من أعضائنا، والمؤيدين لنا، وحتى آخر فرد من المؤيدين لنا، وحتى آخر فرد من الذين يقاتلون معنا، إما خوفاً على الراتب، أو مقابل ما نعطيهم من الأموال، أو الباحثين عن الفيد والغنائم، وإذا حمي الوطيس، واشتد بنا الخناق، سنبحث عن مخرج، لكنه سيكون مخرجاً لا يتسع للكثير، فقط سيكون لأنفسنا فقط، مخرجاً لنا نحن القيادات، فنحن من كان يصدر الأوامر للمزيد من التمترس والقتل. ثم قال بحسرة، لقد صدمني هذا الوضع، حين قارنت بين موقف قيادات الإصلاح، ومواقف (قيادات الحوثي وصالح) تذكرت حواراتي معك، فأدركت كم كنت بعيداً عن الواقع، وكيف كنت أكابر بلا برهان، وأجادل بلا بينه، وأحاول أن أقول بأنه لا شمس ونحن في فلق الضحى. ثم أردف مُتسائلاً: ترى مالذي دار في خلد قيادات الإصلاح حين اتخذت ذلك القرار؟! ألم تخف على نفسها من الملاحقة والتشريد، وعلى أعضائها ومرافقها ومؤسساتها المختلفة، التي احتلها الحوثيون بتلك الصورة، والتي لازالت تحت سيطرتهم حتى اليوم، ثم قال: اعتقد برغم كل تلك الخسائر، إلا أن المنتصر الحقيقي كان هو الإصلاح، لأن تلك المقرات والمؤسسات، كانت من الشعب وإليه، ودماء الشعب وحياته أهم ما يمكن أن يقدمه الإصلاح إلى الشعب، وفي نفس الوقت أعتقد بأن الهزيمة الكبرى كانت على تلك المليشيات وقياداتها، ثم تسائل باحتقار: ترى أي كرامة بقيت لأحدهم يصور نفسه في غرفة نوم رجلٍ آخر؟! أعتقد بأن عقولهم غير قادرة على فهم ذلك المغزى!!! قلت: لو خافت قيادة الإصلاح، ما اتخذت مثل ذلك القرار، نعم قدمت القيادة نفسها دفاعاً عن أعضائها، وأبناء شعبها، ولسان حالها يقول، تريدون القضاء على الإصلاح، لن يكون بمقدوركم أن تمروا عليهم جميعاً، لكنا ندرك بأنكم تريدون القيادات، فها نحن بين أياديكم، إتركوا الأعضاء، نحن نرحب أن نكون فداء لوطننا وأبناء شعبنا قيادات وأعضاء، لكنا لن نكون في يوم من الأيام سبباً لإشعال الفتنة بين أبناء هذا الشعب، هانحن بين أياديكم، إذا كنا لن نرضي غروركم، ونشبع حقدكم، ولا زلتم تريدون أعضاء الإصلاح، في مقابل أن يسلم الشعب من شروركم، فنفس الموقف والرد، ستجدونه من أعضاء الإصلاح جميعاً. تبسم ثم قال: أنا كما تعرف لست إصلاحياً، لكن لو قدر لي أن أكون مُتحزباً، فلن أذهب إلى غير الإصلاح، لكني أقولها من الآن وصاعداً، بأن مواقفي وتأييدي لن يكون إلا معه، لقد أدركت بأنه الحزب الذي بحق، يعمل للوطن ومن أجله، ولديه الاستعداد أن يتخلى عن الكثير من مكاسبه حينما يكون المنتصر هو الوطن. لكنه أردف قائلاً: لكني أقول بوضوح بأن ذلك لا يعني أنه لا يوجد في الإصلاح أفراد لا يروقون لي، لا قولاً ولا سلوكاً، كما أني سأضل أنتقد كل ما أجده لا يليق بحزب في حجم الإصلاح، لكني سأكون متأنياً في أحكامي. قلت: إذا كان على المستوى الشخصي ليس بمقدور أحد أن يقول لا عيب فيه، ولا أخطاء، فهو من باب أولى في حق المكونات الإجتماعية ذات الكثافة الجماهيرية العريضة، لأن هذه هي الطبيعة البشرية، ولكي تكتمل المنفعة، فعلى الجميع أن يكملوا بعضهم البعض، بالتعاون، والنصح، والتسديد، وتحمل أخطاء بعضهم البعض. وعلى الجميع جماهيراً وأحزاباً، جماعاتٍ، وأفراداً، أن يدركوا بأن الأوطان لن يبنيها غير أبنائها، بمختلف تنوعاتهم، وأفكارهم، وتوجهاتهم، إنها الحقيقة التي لابد من الإيمان بها، والعمل على أساسها. *[email protected]