لم يكن الذين رحلوا إلى الرياض، من قيادات المؤتمر الشعبي العام، بذلك القدر من الوضوح، إنهم تسعة رهط من قيادات المؤتمر، الذين يُفسدون في اليمن ولا يصلحون، هكذا عرف الشعب أغلب قيادات المؤتمر الشعبي العام، على مدى أكثر من رُبع قرن من الزمان. بالعودة إلى التركيبية العامة للمؤتمر الشعبي العام التي يعرفها الجميع، وبخاصة بعد اعتماد التعددية السياسية في عام1990م حيث تخلى الحزب عن نظامه الأساسي وميثاقه الوطني، وعدل الكثير من بنود الميثاق، وبخاصة تلك المواد المتعلقة بالشرعية الإسلامية، مُعللاً ذلك بأنه يُريد أن يكون، حزباً يُمثل الوسطية، ليعتمد في نهاية المطاف القانون أو النظام المزاجي لرئيس الحزب، الذي يديره بصورة ارتجالية ومزاجية بحتة، في خدمة ذاته، بعيداً عن مصلحة الحزب، تماماً كما فعل في الحكم، بعيداً عن متطلبات الشعب. منذ ذلك التاريخ، عمد رئيس الحزب إلى شراء الأعضاء من المشايخ، والتجار، والوجهاء، سواء من الأحزاب الأخرى أو المستقلين، موزعاً عليهم المناصب الحكومية والأموال، حتى صار يُعرّف بأنه حزب الرئيس، أو حزب السلطة والمال، فمن أراد الحصول على أحدهما أو كلاهما، لابد أن يكون عضواً في المؤتمر الشعبي، صالح يعترف بذلك منذ زمن بعيد، يقول في أحد خطاباته بما يفيد (أن كل ما يهم الأعضاء القادمين إلى المؤتمر، هو -زد لي هبلي- ) الحقيقة لا أدري إن كان ذلك التذمر منه، كونهم عجزوا عن النهب بطرقهم الخاصة، لذلك يلجئون إليه، لأن صالح يفضل المبادرين إلى مثل تلك الأعمال، من النهب والسرقة، لا المنتظرين للغير، ولو كان الرئيس. البعض يعتبر حزب المؤتمر، بمثابة بلاد الغربة، يتم الذهاب إليها لتكوين المستقبل، ففي حزب المؤتمر فقط يمكن الحصول على الكثير من المال، الذي من خلاله يمكن الحصول على لقب الشيخ، أو رجل الأعمال، أو المسؤول فلان، بالطبع في كِل الأحوال، لابد لذلك العضو أن يدفع الثمن، إلى رئيس الحزب شخصياً. في ظل هذه الطبيعة التنظيمية لحزب المؤتمر الشعبي العام، ليس من العجيب أن تتحول القيادات المؤتمرية العُليا عن ذلك الحزب بتلك الصورة المُزرية، للبحث عن الجهة التي ستقدم عرضاً أفضل، الأمر الذي يجعل ما يقوم به الكثير من القيادات العليا للمؤتمر من تحول نوعي، يبدو للوهلة الأولى، لا جديد فيه، ولا غرابة منه. لكني شخصياً لم أتمكن من تقبل مسرحية الإنشقاق بتلك الطريقة، معتقداً بأن ما يجري هي عملية منسقة ومتفق عليها مع الزعيم والحوثيين، وأن لتلك القيادات أدوار أخرى كُلفت للقيام بها، عدى الشيخ الشايف، الذي يعرف الجميع بأن قبلته المالية، هي المملكة السعودية منذ زمن طويل، أما وقوفه القوي مع صالح منذ ثورة فبراير2011م فلأن ذلك هو موقف المملكة في ذلك الوقت، الأمر الذي يجعل تحوله بتلك الصورة أمراً متوقعاً من الجميع، أما الباقين من قيادات المؤتمر فلا أعتقد بحقيقة ذلك الإنشقاق للمبررات التالية: 1-عُرف عن كل الوسائل الإعلامية للمؤتمر، في مثل هذه الحالات، أن تمنح نفسها الحق في حذف كل من يخرج عن الحزب، من قاموس مواصفات القيم الأخلاقية، والوطنية، وحتى الإنسانية، والدينية، لبعض المنشقين، ومن ثم ضمهم إلى القاموس المُعاكس، فيصفونهم بكل القيم الدنيئة، ومن ثم يعتبرون ذلك الخروج، عملية تطهير جديدة للحزب، وهو مالم يحدث مع المنشقين الحاليين، حيث اكتفى إعلام المؤتمر بالقول: (بأن من يتحدثون باسم المؤتمر من الخارج، لا يُمثلون سوى أنفسهم، وليس من حقهم الحديث باسم المؤتمر الشعبي العام) هذه سابقة غير معهودة في أبجديات ونظام المؤتمر الشعبي العام، لكنا بكل أسف لا نستطيع أن نعتبرها تحول قيمي حقيقي لإعلام المؤتمر. 2-في ثورة فبراير2011م وبخاصة بعد جمعة الكرامة، في18مارس2011م حين توالت الإنشقاقات من نظام صالح على مستوى السلطة والحزب، سارع صالح لحجز كل من تبقى لديه من المسؤولين الحكوميين، والقيادات العليا في الحزب والجيش، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، وتحت ناظريه في القصر الجمهوري، خوفاً من خروج تلك الشخصيات التي قد تؤثر على نظام حكمه، فكيف تمكن كل المنشقين اليوم وهم من كبار قيادات الدولة والحزب، من مغادرة اليمن بتلك الصورة ؟! متوجهين إلى الدولة التي يعتبرونها تقوم بعملية اعتداء عليهم ؟. 3-إذا قلتم أنهم فروا من أيادي صالح، فكيف تمكنوا من الفرار من أيادي الحوثي، الذي يُسيطر على الدولة ؟! والذي يُفترض أن يمنع ذلك الفرار باعتباره تخلي واضح عنه، لإبقاءه في الساحة منفرداً ؟ مالم يُكن الأمر مرتب له بين كافة الأطراف. 4-الذين يخرجون عن حزب المؤتمر الشعبي، في الغالب يتم المسارعة إلى إصدار بيان بفصلهم من الحزب، ليؤكدوا قيام الحزب بعملية تصفية، وأن ذلك لم يكن خروجاً طوعياً من الأعضاء، كما فُعل بهادي وغيره من الخارجين من الحزب، وهو مالم يفعله المؤتمر على الأقل حتى الآن، بالذين أعلنوا إنشقاقهم عنه. 5-أيضاً: في بعض الأحيان، وفي مثل هذه المواقف الحرجة، يتم اقتحام منزل المنشق، ونهب محتوياته، وربما مصادرة المنزل، لكن ذلك أيضاً لم يحصل، مع المنشقين الحاليين. 6-قبل يومين تمكن القيادي حمود عباد –مؤتمري وحليف قوي للحوثي- من مغادرة اليمن إلى الرياض، لكن الدكتور عبدالمجيد المخلافي وزير التربية السابق، برغم أنه قد خرج من حزب الإصلاح منذ أكثر من عشر سنوات، ومع ذلك تم القبض عليه في حرض، وأودع السجن، فكيف حصل ذلك ؟. 7-المتابع لتحركات المنشقين في الخارج، سيجد أنهم لم يهذبوا إلى المملكة ليعلنوا انشقاقهم عن المؤتمر وتحالف صالح والحوثي، بل سيجد أنهم ذهبوا للقيام بتحركات سياسية، لم يقتصر فيها الأمر على المملكة فقط، بل تعداها إلى بعض الدول الأخرى، إضافة إلى قيامهم بتقديم مبادرات وصياغة نماذج تسويات سياسية، كلها تصب في مصلحة تحالف الحوثي وصالح. وهو ما يدل على أن الذين أعلنوا انشقاقهم، لم يكن سوى عملية مرتبة، يُراد منها التخفيف على نظام صالح وحليفه الحوثي ما أمكنهم ذلك، والوقوف على إعادة بناء وترتيب جديد لحزب المؤتمر الشعبي العام، في محاولة لتجنيب الحزب وبقية قياداته، أي عقوبات أو استثناءات في العمل السياسي قد تحصل لاحقاً، في محاولة حثيثة للإبقاء على تلك الإمتيازات التي منحته إياها المبادرة الخليجية. ما يجعل هؤلاء المنشقين يُمثلون النواة التي من خلالها، سيتم الحفاظ على كيان حزب المؤتمر الشعبي العام، ليبقى هو في المستقبل الحزب الذي يمكن لصالح من خلاله، أن يستمر في تدخلاته السياسية في الشأن اليمني، إن تم إقصاءه من العملية السياسية بشكل مباشر. إن محاولة إظهار حزب المؤتمر الشعبي العام، أنه بعيد عن كل ما يجري على الساحة اليمنية، وأنه لا علاقة له بهذه الأحداث، هو أمرٌ في غاية الخطورة، لأنه سيبعد قيادات كثيرة في الحزب، من تحمل مسؤولية وتبعات هذه الأحداث، الجميع يدرك بأن أغلب قيادات المؤتمر الشعبي العام، متورطة في الإنقلاب الذي حدث في21سبتمبر2014م وأدى إلى الأحداث الحالية، وأن المؤتمر هو الذي تحالف مع الحوثي منذ دماج وحتى اليوم، وأن استخدم الحوثي كشريك، هو لكي يتمكن المؤتمر من التحرك باسمه، والإنتقام من خصومه باسم الحوثي، ليتمكن في نهاية المطاف من تحميل الحوثي كافة المسؤولية، عن كل تلك الجرائم الإنسانية، والنجاة من تبعات كل تلك الممارسات. الأمر الذي يحتم على كل من سيكون طرفاً في أي تسوية سياسية قادمة، أن يؤكد وجوب تحمل كل شخص -عسكري أو مدني- تلطخت يداه بدماء الأبرياء في كل أرجاء اليمن، مسؤولية تلك الأعمال، وأن لا ينجو بفعلته من العقاب، وأن لا يكون طرفاً في أي عملية سياسية قادمة. *[email protected]