مدير التسويق بوزارة الزراعة: 7.9 مليار ريال انتُزعت من فاتورة الاستيراد    بن حبتور يعزي في استشهاد ثلة من قادة كتائب القسام    الدولار يتجه لتراجع سنوي وسط استقرار الين وانتعاش اليورو والاسترليني    محافظ العاصمة عدن يشدد على تكثيف الرقابة الميدانية وضبط الأسعار وتنظيم آليات توزيع الغاز    تسليم وحدات سكنية لأسر الشهداء في 3 مديريات بصنعاء    شعب حاضر.. وإرادة تمضي نحو الدولة    باكستان وألمانيا تجددان دعم وحدة اليمن وسيادته    "زندان والخميس" بأرحب تنظم وقفة مسلحة نصرة للقران وإعلان الجهوزية    نقاش عُماني سعودي حول تطورات الأوضاع في اليمن    لجنة تنظيم الواردات تتلقى قرابة 13 ألف طلب ب2.5 مليار دولار وتقر إجراءات بحق المخالفين    مهرجان للموروث الشعبي في ميناء بن عباس التاريخي بالحديدة    ذوو الإعاقة ينظمون وقفة احتجاجية تنديدًا بالإساءة الأمريكية للقرآن الكريم    الخنبشي يكشف عن القوات التي تسعى السعودية لنشرها في حضرموت والمهرة    وزارة الشباب والرياضة تُحيي ذكرى جمعة رجب بفعالية ثقافية    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء سنوي منذ نصف قرن    النفط يرتفع ويتجه لتسجيل تراجع بأكثر من 15 بالمائة في عام 2025    اجتماع أمني بمأرب يشدد على رفع مستوى الجاهزية وتعزيز اليقظة الأمنية    قراءة تحليلية لنص أحمد سيف حاشد "بوحٌ ثانٍ لهيفاء"    وزيرا الخارجية السعودي والعُماني يبحثان مستجدات الأوضاع في المنطقة    حضرموت.. مناورة عسكرية لقوات الانتقالي وطيران حربي يلقي قنابل تحذيرية    همم القارات و همم الحارات !    البنك المركزي بصنعاء يوجّه بإعادة التعامل مع شركتي صرافة    القوات الإماراتية تبدأ الانسحاب من مواقع في شبوة وحضرموت    أمن الصين الغذائي في 2025: إنتاج قياسي ومشتريات ب 415 مليون طن    الأرصاد: طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم المرتفعات    هيئة علماء اليمن تدعو للالتفاف حول الشرعية والوقوف إلى جانب الدولة وقيادتها السياسية    لامين جمال يتصدر أغلى لاعبي 2025 بقيمة سوقية 200 مليون يورو    كاتب عربي: سعي الإصلاح لإدامة الأزمة وتوريط السعودية واستنزافها ماليا وسياسيا    محافظ البيضاء يتفقد سير العمل بمشروع تركيب منظومة الطاقة الشمسية بمؤسسة المياه    مواجهة المنتخبات العربية في دور ال16 لكأس إفريقيا 2025    الجنوب ساحة تصفية حسابات لا وطن    الترب:أحداث حضرموت كشفت زيف ما يسمى بالشرعية    السعودية والإمارات سيناريوهات الانفجار الكبير    مباريات ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بإعادة وإيقاف التعامل مع شركات صرافة    اتحاد حضرموت يتأهل رسميًا إلى دوري الدرجة الأولى وفتح ذمار يخسر أمام خنفر أبين    الافراج عن دفعة ثانية من السجناء بالحديدة    وزارة الاقتصاد والصناعة تحيي ذكرى جمعة رجب بفعالية خطابية وثقافية    خلال 8 أشهر.. تسجيل أكثر من 7300 حالة إصابة بالكوليرا في القاعدة جنوب إب    نائب وزير الثقافة يزور الفنان محمد مقبل والمنشد محمد الحلبي    الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    الصحفي والأكاديمي القدير الدكتور عبد الملك الدناني    سفر الروح    بيان صادر عن الشبكة المدنية حول التقارير والادعاءات المتعلقة بالأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة    فريق السد مأرب يفلت من شبح الهبوط وأهلي تعز يزاحم على صدارة تجمع أبين    النفط يرتفع في التعاملات المبكرة وبرنت يسجل 61.21 دولار للبرميل    لوحات طلابية تجسد فلسطين واليمن في المعرض التشكيلي الرابع    قراءة تحليلية لنص "من بوحي لهيفاء" ل"أحمد سيف حاشد"    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ربيع المملكة يتقدم الربيع العربي
نشر في الخبر يوم 10 - 05 - 2015

ليس في كل الأحوال، يكون من متطلبات التغيير السياسي إقامة ثورة شعبية، أو سفك الدماء والقتل، لأن ذلك في العصر الحالي ليس من شروط التغيير السياسي ولا ركائزه، وليس من لوازم التغيير كذلك، نوع نظام الحكم.
ولعل أهم متطلبات التغيير وركائزه، هو شرط ٌ واحدٌ فقط (الإرادة، إرادة الحاكم) تلك الإرادة المرتكزة على القيم الإنسانية والأخلاقية للحاكم -بغض النظر عن الجانب الديني- ليس كل الغرب ذووا التغيير السياسي السلمي متدينون، ومع ذلك فكلهم لا يدفعون ثمناً باهضاً لتغيير الحاكم.
العرب المتدينين –أدرك جازماً بأنه لا علاقة للدين بطبيعة الحاكم العربي المستبد، بل أجزم بأن الدين يؤكد على ضرورة التغيير إن أساء صاحب المهمة في مهمته- هذه النوعية من الحكام العرب الزاعمين تدينهم، التغيير لديهم باهظ الثمن، الواقع أثبت ذلك، فمثلاً: حاول اليمنيون أن يُغيروا رجلاً واحداً فقط، اسمه (علي عبدالله صالح) تلك المحاولة في التغيير كان فيها عروض مغرية للغاية، كان أبرزها: أن الشعب منحه كل الامتيازات السياسية، بما في ذلك الحصانة من المسائلة القانونية، عن كل ما اقترفه بحق الشعب..
علاوة على60مليار دولار، وأكثر من2,500شهيد، وعشرات الآلاف من الجرحى، وأضعافهم من النازحين، من العديد من مناطق الصراع في الكثير من المحافظات، في ثورة فبراير2011م أضف إلى ذلك أكثر من33عاماً أضاعها اليمنيون من أعمارهم، في ظل حكم عصابة استبدادية حاقدة، لم تتمكن تلك العصابة طوال فترة حكمها، من استكمال الخطة الخمسية للشهيد/ إبراهيم الحمدي، كل ذلك قدمه اليمنيين وتنازلوا عنه، فقط ليتركهم ذلك الرجل يعيشوا بسلام، حصل ذلك منذ أكثر من أربع سنوات، وحتى اللحظة لم يصلوا إلى شيء مما كانوا يؤملوه، في اليمن لم يكن كل ذلك العرض مُقنعاً لتغيير رجلٍ واحد فقط، لازال يرفض كل تلك العروض حتى اليوم، بل لا يزال حتى اليوم ينتقم ويحرض أنصاره ضد كل من طالبه قبول كل تلك العروض المغرية في نظر الكثير عداه.
كذلك الأمر في سوريا، كان الهدف تغيير شخص واحد اسمه (بشار الأسد) لكنه رفض التغيير ورفع شعار (الأسد أو نحرق البلد) وبالفعل أحرق البلد، ولا يزال يفعل ذلك.
العجيب أن هذه النماذج من القيادات العربية، ذات الطبيعة الإستبدادية، غير قادرة على تحقيق وعودها التنموية للشعوب التي تحكمها على مدى عقود، لكنها تُجيد تنفيذ تهديداتها الإجرامية بامتياز.
وهكذا الأمر في مصر وليبيا، وتونس، والعراق، وهي ما اصطلح على تسميتها بالربيع العربي تفاؤلاً، لكنها جميعاً لازالت تراوح مكانها منذ أكثر من أربع سنوات، وقد تستمر كذلك الأكثر مما قد مر بها.
بشأن دول الربيع، يمكن الخلوص إلى أن تلك القيادات، لم يتوفر فيها الحد الأدنى من القيم الإنسانية والأخلاقية، لذلك رفضت التغيير، وقاومته بتلك الصورة الإجرامية، تلك الطريقة في مقاومة التغيير لم تكن تعكس الإنهيار الأخلاقي والإنساني لتلك القيادات العربية فقط، لكنها شملت كافة المجتمع الدولي، بكل تكويناته المختلفة، ذلك المجتمع الذي أثبت للواقع، أنه لا يهتم سوى لمصالحه في الوطن العربي، وليس للوطن العربي الأرض والإنسان، ولو أبيد عن بكرة أبيه، بل لا يهمه الإنسان أينماكان وحيثما يكون.
ولأن الأمة لا تموت، والشعوب لا تنتهي، من إنتاج النماذج الإنسانية ذات القيم الأخلاقية الراقية، ففي الوطن العربي أيضاً، وجدنا حتى اللحظة نموذجين اثنين، راقيين، حُكماً، وسياسة، وأخلاقاً.
النموذج الأول: في دولة قطر، حيث تم التغيير بلا كلفة تذكر، برغم التطور الراقي الذي قدمه الحاكم السابق لوطنه وشعبه، وأمته.
النموذج الثاني: في المملكة العربية السعودية حالياً، بقيادة خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز.
لعل من أبرز مميزات هذين النموذجين، أنها ظهرت في ظل نظم حكم أسري وراثي، التي من المفترض، أن تقاوم التغيير بصورة أكثر صرامة، من تلك النظم التي صمت آذاننا بنظمها الجمهورية، وديمقراطيتها الفارغة.
بالنسبة للنموذج الملكي -الذي هو محور حديثنا هنا- أن من أبرز مميزاته، أنه تمكن في خلال أقل من أربعة أشهر، من إحداث تغيير نوعي كبير، في نطاق القيادة الحاكمة، وهي فترة قياسية، كما أنه لم يدفع مقابل ذلك التغيير قطرة دم واحدة، ألا يدل ذلك على ما ذكرناه سابقاً، من توفر الإرادة السياسية، إلى جانب القيم الإنسانية والدينية الرفيعة لدى الحاكم، إضافة إلى الأطراف التي شملها التغيير، كونها لم تقاوم عملية تغييرها بالعنف؟!
لذلك كان التغيير في المملكة يفوق بكثير التغيير الذي حدث في دول الربيع العربي مجتمعة، خلال أكثر من أربع سنوات مضت، برغم الثمن الباهظ الذي قدمته تلك الشعوب.
نعم بالطبع: أدرك بأن لأحداث السياسية علمتنا، أن لا نتعجل الحكم على السلوك السياسي -سلباً أو إيجاباً- لكني حتى اللحظة غير قادر على إخفاء إعجابي بما يقوم به الملك سلمان بن عبد العزيز في المملكة، لعل السبب أيضاً أن ذلك التغيير يحدث في زمن اليأس، من التغيير في النظم العربية مجتمعة، فكانت تلك الإرادة التي أثمرت تغييراً فعلياً على الواقع السياسي، الذي لم يشمل المحيط المحلي فقط، بل إن مؤشراته حتى اللحظة، تظهر انعكاساً إيجابياً، في المحيط الإقليمي، والعربي، والدولي بشكل عام.
فعلى المستوى السياسي للملكة: أن ذلك التغيير لم ينحصر في نطاق الأسرة الحاكمة -بحكم طبيعة نظام الحكم، الذي يلزم الحاكم التقيد به- ومع ذلك فقد تم تجاوز ذلك الروتين الأسري الضيق الذي يُقدم مصلحة الأسرة على المصلحة الشعبية، فكان من مميزات هذا التغيير، أن تم فيه تغلّيب المصلحة الوطنية على مصلحة الأسرة، فعلى سبيل المثال: أنه حرص على تعيين القيادات الشابة داخل الأسرة، متجاوزاً الترتيبات النمطية التي منها الإعتماد على الترتيب العُمري بين الأفراد، داخل نظام الأسرة الحاكمة، لكن هذه القيادات الشابة توفر لديها القدرات العلمية والكفاءة العالية، التي ستمكنهم من تحمل المسؤولية بجدارة كبيرة -هكذا تدل المؤشرات الحالية-.
(أنا لست مُتجاهلاً موضوع التنافس الأسري في الاستحواذ على الحكم، ومحاولة جعله في جناح معين) لكن التغيير الحالي، تجاوز بالفعل من أثبت الزمن فشله داخل الأسرة لعقود، وفي المقابل منح الأمر من لديه القدرة على تحمل المسؤولية بجدارة، ووطنية، وكفاءة، وهذا أمر إيجابي في كل الأحوال، بل سيكون أمراً مقبولاً من الجميع، إلا إن أثبت الواقع المستقبلي عكس ذلك.
الحقيقة أن هذا التغيير النوعي في المملكة وإن كان ضمن نطاق الأسرة الحاكمة، لكنه تغييراً مقبولاً، لعله إن حصل داخل الأسر العربية الحاكمة في دول الربيع العربي، كان بمقدور شعوبها القبول به، أن تنتقل مسؤولية ومهام الحاكم إلى الأكِفّاء، والمُخلصين، وإن كانوا ضمن نطاق أسرته برغم جمهورية النظام، كون إيجاد قيادات يكون بمقدورها القيام بمهامها وواجباتها تجاه شعوبها، بمصداقية وأمانة، سيكون أمراً مرحباً به، لكن أنا للمفلس أن ينفق مالا يملك!!!.
كما أن من مميزات هذا التغيير أيضاً: أنه تم تسليم وزارة الخارجية -تلك الوزارة السيادية ذات الأهمية البالغة، في أنظمت الحكم المختلفة، ناهيك عن أنظمة الحكم الملكية- ومع ذلك فقد أعطيت لرجل من خارج الأسرة الحاكمة، وهذا أمر في غاية الأهمية، وهو ذو مدلول يوضح أهمية العمل على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، تغليباً للمصلحة الوطنية العليا.
أيضاً: على نطاق التغيير الداخلي في المملكة: هناك ممارسات إدارية تقوم بها قيادة خادم الحرمين الشريفين، في غاية الأهمية، أثمرت قضايا ذات مدلول إنساني وقيمي هام في نظم الحكم، كان قد توارى منذ قرون في الوطن العربي -لن أخوض في موضوع الإكراميات، والمرتبات، والتسهيلات المالية المختلفة، التي مُنحت للموظفين برغم أهميتها- لأني أبحث عما هو في تقديري أهم من ذلك بالنسبة للمواطن إنه (قيمة المواطن، آدميته، إنسانيته، مكانته في نظر قياداته) تلك القيم التي تعكس احترام المسؤول لذاته أولاً، ذلك الإحترام الذي ينعكس على احترام الحاكم لشعبه، فمثلاً:
أ- منذ عقود لم يسبق أن سمعنا بإقالة وزير في الوطن العربي، لأنه قلل من احترامه لأحد المواطنين، لكن ذلك حدث مؤخراً في المملكة العربية السعودية، حين أقيل وزير الصحة لذلك السبب.
ب- لم يسبق أن سمعنا بإقالة مدير المراسيم لدى الحاكم، لأنه مد يده على إنسان آخر، سواء كان صحفي أو مواطن أو أجنبي، المهم أنه إنسان مثله تماماً، لكن ذلك حدث مؤخراً في المملكة العربية السعودية.
ج- لم يسبق أن سمعنا بأن حاكم عربي خصص لأبناء وطنه إدارة للمظالم، أو خصص وقتاً لمقابلة المواطنين، والسماع إلى احتياجاتهم وشكواهم، أو وضع مواقع متخصصة تمكن المواطنين من تقديم الشكاوي والاحتياجات على الحاكم، لكن كل ذلك حدث مؤخراً في المملكة العربية السعودية.
على الصعيد الخارجي: تمكنت القيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية، من فرض إرادتها، ليس على الداخل، أو المحيط الإقليمي العربي، بل على المجتمع الدولي بكامله، حين تعلق الأمر بموضوع السيادة، والمصالح الوطنية العليا -لن أخوض هنا في الموضوع الجدلي عن مشروعية ذلك التدخل، لأن النظم الدولية والعربية والسياسية، كلها توضح ذلك الأمر بشكل واضح- لكن ما أريد قوله هنا، هو الكشف عن تلك الإرادة الوطنية التي تستشعر مسؤوليتها، وواجبها تجاه وطنها وشعبها، بعيداً عن التعذر بضعف قواها العسكرية، وهي التي تقبع على كرسي الحكم منذ عقود، أو تعلق فشلها وجبنها وخورها، بالقوى الخارجية، والمنظمات الدولية.
القيادة الجديدة في المملكة السعودية، حين استشعرت بالخطر الذي أصبح يهدد أمنها واستقرارها بشكل علني واضح، لم تعبأ بأي قوى دولية أخرى، فانطلقت من واجبها الشرعي والقانوني، الذي يُحتم عليها الدفاع عن أرضها وأمنها، وردع أي عدوان خارجي محتمل.
بكل تأكيد كانت المملكة تتابع باهتمام، ردود المجتمع الدولي تجاه ما يجري في اليمن كجار، تربطه به حدود جغرافية كبيرة، لاشك بأنها تساءلت عن الكيفية التي مكنت جماعة مسلحة أن تلتهم مساحات واسعة من اليمن بين ليلة وضحاها، ضاربة عرض الحائط، بكل قرارات ومناشدات الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، ومجلس الأمن، لذلك على مايبدو فإن المملكة، اتخذت قرارها بشأن قيامها بواجبها في حماية أمنها واستقرارها منذ وقت مبكر، بل يبدو أن ذلك القرار قد اتخذته القيادة الجديدة منذ اللحظات الأولى لاستلامها الحكم.
القيادة الجديدة، أدركت بأن الإعتماد على دهاليز السياسية في المجتمع الدولي، قد توصلها إلى أن تفقد أمنها، بل وجزء من أراضيها على أقل تقدير، وقد تتمكن الجماعة المسلحة من فرض واقع جديد على الأرض -كما فعلت في اليمن- وهو ما يعني أن تنتهي معه سيادة الدولة السعودية.
لذلك عزمت الأمر في الاعتماد على نفسها، ومع ذلك فقد كانت حذرة وحكيمة، في تعاملها مع هذا الأمر الشائك، حيث ذهبت في طريقين متوازيين.
الطريق الأول: الاستعداد الذاتي، من خلال إعداد العدة منذ وقت مبكر -ليس من المعقول أن تتلقى رسالة المطالبة من الرئيس اليمني بالتدخل، بتاريخ24مارس2015م وتنفذ الضربة بتلك القوة بعد يومين فقط، من تلقي الرسالة، مالم تكن قد استكملت كافة الاستعدادات للتفاعل مع تلك الرسالة.
الطريق الثاني: تمثل في المضي في طريق السلم، فخاطبت حلفاء الثورة المضادة (صالح والحوثي) وطالبت، وحذرت، وأمهلت، ودعت، وناشدت، محاولة الوصول إلى حل سياسي سلمي، لكن تلك المناشدات وذلك الطريق، لم يجد تجاوباً.
إنها الحكمة والإرادة التي كان يسير بجوارها، القوة والحزم فكانت (عاصفة الحزم).
القيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية أدركت، سريعاً بأن عالم اليوم لا يحترم إلا لغة القوة والفعل على الأرض، وأن النظم الدولية والقوانين الأممية، تحترم فقط من يحترم ذاته ابتداء، من يحرص على مصالحه أولاً، من يدافع عن حقوقه بقوة، من بمقدوره أن يقول للآخر بكل شجاعة، لاء، مهما كانت قوة ذلك الآخر.
يقول التاريخ: بأن نعم، حين تكون على حساب الحق، والأرض، والمصالح، والكرامة، نعم التي تُقال للحفاظ على المصالح الشخصية الضيقة، هي عرض يُغري الآخرين، فيستمروا في المطالبة بالمزيد، حتى ألاّ نهاية.
لم تتمكن عاصفة الحزم من المضي قدماً بتلك القوة، إلا حين صدرت من إرادة قوية، أجبرت المتجمع الدولي بالإجماع، على أن يؤيد أهدافها كاملة ويقف إلى جوارها -بالطبع لا يمكن لأحد أن يتجاهل القوة العسكرية التي تملكها المملكة من سابق، فلا يمكن لأي تغيير أن يأتي ليحدث ذلك الفعل بدون الاستناد على مقومات القوة المتوفرة لديه-.
الحقيقة أن تلك العاصفة، تمكنت من تغيير نظرة الدول الغربية، إلى حقيقة المارد العربي حين ينتفض -ماجرى في المملكة ليس سوى جزء من هذا المارد- ولا شك بأنها أدركت أن هذا المارد حين يفعل، يكون صوته مسموعاً، وفعله مُؤلماً، ومواقفه يُحسب لها ألف حساب.
لذلك فإن الغرب في تصوري لن يتجاهل هذا الفعل، لن يدعه يمر مرور الكرام، مخافة أن يستشري في جسد الوطن العربي، لأنه إن فعل، سيفقد الغرب الكثير من مصالحه في المنطقة، لذلك سيكون العمل حثيثاً، لإعادة هذا المارد إلى نومه العميق، أو أن يظل يصارع بقية أجزاءه -الغرب يجيد فعل ذلك منذ عقود، من خلال إثارة النزاعات بين العرب- مالم يكن موعد يقظة هذا المارد قد حان، ومالم تكن هذه اليقظة في المملكة، جادة ومستمرة، لا تقتصر على الحفاظ على حدود المملكة فقط، بل يجب أن تتعداه إلى الوطن العربي بكامله، لتمتد إلى الوطن الإسلامي، فعليها أن تسارع بكل قوة إلى مساعدة بقية أجزاء هذا المارد على اليقظة، والانتفاض من نومه العميق، ليكتمل الجسد العربي والإسلامي واقفاً على قديمة، مُدركاً بأن مكامن الخطر الحقيقي هي خارجية، وليست داخلية أو عربية، وعليها أن تدرك بأنه لا يمكن مواجهة تلك المخاطر بشكل منفرد.
الأمر الذي يوجب على قيادة الجديدة في المملكة، أن لا تعتبر أي نصر حققته، أو ستحققه في اليمن، مقياساً لبقية دول المنطقة أو العالم، لأن اليمن بحق لم تكن تمتلك أي مقومات للمواجهة، إلا مع الشعب فقط، حتى تلك المضادات، لم يعدها النظام سوى لمواجهة الشعب، وليس لمواجهة الطيران الخارجي.
الأمر الذي يحتم عليها أن تدرك، بأنه يجب عليها توثيق عرى التواصل ببقية الدول العربية والإسلامية، وإقامة الأحلاف الحقيقية المختلفة فيما بينها، كما تفعل أحلاف الدول الغربية، كما أن عليها أن تلتفت إلى بناء نهضة صناعية عامة، بما في ذلك الصناعة العسكرية، والمدنية بمختلف تنوعاتها، إضافة إلى تأمين كافة الإحتياجات المحلية كالقمح وغيرها، لأن كافة المقومات في المملكة متوفرة، وبمقدورها استقدام العمالة من الوطن العربي والإسلامي، بالكميات التي تحتاجها.
لعل الأيام القادمة هي التي ستكشف المزيد عن حقيقة تلك الإرادة، لتلك القيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.