أكثر من عشر سنوات مضت على ظهور التمرد الحوثي في اليمن ، وعلى مرمى حجر من الشقيقة المملكة العربية السعودية ، ولا شك أنه للوهلة الأولى كان من المتصور اعتبار هذا التمرد خطرا مباشرا على ما اصطلح على وصفه في الأدبيات السياسية والإعلامية ب " أمن الخليج " ، ومن أجل ما اعتبر حفاظا على هذا الأمن ، نشأت خلال العقدين الماضيين تحالفات عسكرية إقليمية ودولية ، وشُنّت حروب دامية استمرت سنوات ، استنزفت دماء ملايين من جنود العرب النظاميين والمقاتلين ، وأهدرت مئات المليارات من الدولارات ، وأسفرت في النهاية عن عكس المقصود منها ، عن مزيد من التهديد والاختراق للأمن الخليجي! ولو كان القادة العرب ، ووزارات الدفاع والخارجية لديهم يولون قدرا من الاهتمام لمراكز الدراسات والأبحاث ، وما يكتبه الباحثون العرب والأجانب في مجال الدراسات السياسية والاستراتيجية لجنبوا بلادهم والمنطقة العربية كلها كثيرا من الويلات وقد وَقعتُ على دراسة صدرت عام ( 2006 ) ، بعنوان " ثمار التغلغل الرافضي المُرّة : تمرد الحوثي في اليمن وأبعاد التحالف الشيعي الأميركي في المنطقة " للباحث السياسي أنور قاسم ، كانت ضمن تقرير البيان الاستراتيجي الثالث الصادر عن مجلة " البيان " السعودية ، وفي حينه قدّم موقع " الجزيرة نت " عرضا لهذا التقرير ، وفي هذه الدراسة المبكرة للشأن اليمني الحوثي ، أماط الباحث اللثام عن حقائق تمرد الحوثي ، وأبعاد التحالف الشيعي الأميركي في المنطقة ، كما كشفت الدراسة عن الخطر الذي تواجهه اليمن ، وحجم التآمر الذي " ينتظر " هذا البلد ويعمل على تفكيكه . وهذا الذي حذر منه الباحث بكلمات واضحة لا لبس فيها من " تحالف شيعي أمريكي " ، و " تآمر لتفكيك اليمن " ، هو ما يجري الآن بالفعل على أرض الواقع ، بحيث أصبحت الشقيقة المملكة العربية السعودية في مرمى التهديد الحوثي ، رغم أن الدراسة التي توقعت هذا التهديد مبكرا قبل نحو عقد من الزمن هي دراسة نشرت عبر مركز أبحاث في السعودية ذاتها ، ولو كانت ثقافة الاهتمام بالمنتج الفكري والبحثي سائدة لدى دوائر صنع القرار في عالمنا العربي لأمكن الاستفادة من هذه الدراسة الاستشرافية المستقبلية في تجنب الأزمة اليمنية الحالية المستعصية على الحل ! وفي هذا السياق ، في عقد الستينيات من القرن الماضي أجرى الصحافي الهندي " كارانجيا " حديثا ضافيا مع وزير الدفاع الصهيوني حينئذ " موشي دايان " ، وأوضح ديان في حديثه أن قواته ستقوم بتدمير الطائرات العربية في مرابضها بالمطارات الحربية بضربة سريعة ، لكي تسيطر على الفضاء العربي وتحسم الحرب لصالحها مبكرا ، الأمر الذي أثار دهشة الصحافي الهندي وأبدى استغرابه لدايان بأنه يصرح بخطط عسكرية يتم نشرها في حديث صحفي ، وبادره متسائلا : كيف تكشفون خططكم بهذه الطريقة ؟! فرد عليه دايان ببرود : لا عليك ، فالعرب لا يقرأون ، وإذا قرأوا لا يفهمون ، وإذا فهموا لا يعملون ! ويزداد الأمر غرابة في شأن غيبوبة صانع القرار العربي ، حين نعلم أن الصحافي الهندي لم يكتف بنشر الحديث في صحيفته ، بل قام بتسجيل هذا الحوار مع وزير الدفاع الصهيوني في كتابه بعنوان " خنجر إسرائيل " قبل أن تقع هزيمة يونيو عام 1967 ، ومع الساعات الأولى في الحرب ، نفّذ الجيش الصهيوني نفس ما صرح به في الحديث الصحافي وفي الكتاب ، وحينها لم يستغرب الصحفي من الهزيمة ، بل استغرب من دقة وصدق مقولة دايان أن العرب لا يقرأون ، التي تؤكد مقولة أن أمة إقرأ لا تقرأ ! [email protected]