يُقال أن سيبويه مات، وفي نفسه شيء من(حتى) أتساءل إن كان المثقف العربي سيموت، وفي نفسه شيء من(لكن). هنا لا علاقة ل(لكن) بالمدلول اللغوي، بل بنتائجها الإنقلابية، في الحوار والنتائج -ليس في عقلية العامة فقط- بل في عقلية الكثير من أولي النُهى. أظهر الربيع العربي، أن الحُكام المستبدين، امتهنوا شعوبهم حد الإذلال، فنشأت أجيال سلبية، تبدو جراحاتها واضحة المعالم، في أحلامهم و تطلعاتهم، وفهم واقعهم، وظهر أن الغالبية من أبناء الشعوب العربية -ومنها اليمن- لديهم من الجُبن والحماقة، أضعاف ما لدى الجميع من البلاء، وأن الكثير لديهم من العاطفة السلبية والفاقة، ما يدفعهم للتضحية بمستقبلهم، ومستقبل أبنائهم، لمجرد سماع كلمة كاذبة لامست شغاف قلوبهم، أو لمجرد حصولهم على شيء، من بقايا موائد الحاكم، التي يصنعها من أقواتهم. حين تتحدث عن الأوضاع المأساوية لهذه الشعوب، ستجد الجميع بدون استثناء، يمنحوك صوراً مُرعبة من تلك المعاناة في كافة المجالات، سيزودونك بحقائق لا حصر لها، وفي الحديث عن الرقي الحضاري والإنساني في الشعوب الأخرى، لن يختلف الأمر كثيراً، الجميع يعرف الكثير، ستصل إلى هذه الحقائق، في ظل حوار بغاية العقلانية والمنطق، ما يجعلك تعتقد بأن الجميع يدرك حقائق الواقع -وهذا يبدو مقبولاً، في ظل وسائل الإتصالات وسبل المعرفة-. التفكير المنطقي يقول: أن ربط الأسباب بالمسبب، نتيجة طبيعية للعقل السليم، والتفكير العقلاني. إلى هنا لا شيطان في التفاصيل، لكنه يظهر بقوة، إذا صرّحت بالنتيجة، إذا قلت أن الحاكم هو سبب ما تعانيه الشعوب العربية، في وقت تسعى فيه الشعوب الأخرى، للعيش في كواكب غير الأرض، إذا صرحت بهذه النتيجة، ستكون متهماً بالعمالة، وخيانة الوطن، وكل ما يحويه قاموس هذه المفردات. وهنا يأتي دور(لكن)التي يشكو منها المثقف، لأن بها ينسف الذي تحاوره، كل حقائق المعاناة التي يشكو منها ابتداء، بقوله: أتفق معك على كل ما تقول(لكن) وهنا تظهر صور متعددة من تلك النفسية المُنهزمة التي استوطنت الإمتهان، وألفت العبودية وتقديس الحاكم، يقول أحدهم(إذا كنت غير قادر على متابعة أفراد أسرتك، فكيف تطالب الحاكم أن يفعل ذلك مع شعب بكامله) ليبدأ إنكار الحقائق التي هي مصدر معاناته، واعتبارها أمراً مبالغ فيه للنيل من الحاكم، أو تجاهلها، أو التقليل من شأنها، ليبدأ سرد ما يعتبره مُنجزات الحاكم، لينتهي بتحميل غير الحاكم مسؤولية تلك المعانات -قد تبدو أنت المسؤول عن معاناة الشعوب كلها- المهم أنه لا علاقة للحاكم بالأمر. صور من وظائف(لكن) في نفسية المنهزم (الأرقام تعني المواقف التي لاخلاف عليها). -تقول لأحدهم إن(1×5=5) يعترف بكافة المعطيات، وتأتي(لكن)فيختلف معك على النتيجة، ويأتي بنتيجة مغايرة. -آخر: يُحرف معطيات المعادلة، أو يأتي بمعادلة أخرى، فقط تهرباً من الإعتراف بالنتيجة رغم وضوحها. -سيقول آخر: الحديث عن أرقام حسابية، وإشارات رياضية هراء، لا أساس له من الصحة، هدفه الضحك على الشعوب. -آخر يقول: الأرقام الحسابية لا فوارق بينها الرقم(1)تماماً مثل الرقم(5) كذلك الإشارات(+ – × ÷)كلها سواء. -آخر: يعترف أن لكل رقم من الأرقام قيمته الخاصة، ووظائف الإشارات مختلفة (لكن)ليس بالنسبة للشعوب العربية. الكثير -أدرك أم لم يدرك- هو أسير لقناعات مسبقة، رسخت في عقله، فمهما تعلم، أو قرأ، تجده في نهاية المطاف، يستسلم لتلك القناعات، تحت مبررات مختلفة. ترى هل هي الرغبة للبقاء في رحاب تلك القناعات السلبية، خوفاً من التغيير؟! أم إن ذلك الاستعباد وافق شيء في نفوس البعض فأحبوه ؟! [email protected]