حطت في مطار القاهرة ظهر أمس الأول طائرة سعودية خاصة، تقل وفدا كبيرا من الخبراء الامنيين والماليين والاقتصاديين، علاوة على رجال البروتوكول الرسمي السعودي للاعداد مع نظرائهم المصريين للزيارة الرسمية التي سيقوم بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الى العاصمة المصرية الاثنين المقبل. العلاقات بين الرياضوالقاهرة تتسم بالحذر الشديد رغم محاولات المسؤولين في البلدين الايحاء بغير ذلك، ويبدو واضحا ان القيادة المصرية المتمثلة بالرئيس عبد الفتاح السيسي تفضل ان لا تقترب كثيرا من الاجندات السعودية السياسية والعسكرية في المنطقة، خاصة على صعيد الملفين اليمني والسوري. الملك سلمان بدأ عهده قبل عام وشهرين تقريبا بالابتعاد عن السياسة التي اتبعها سلفه الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز في اعتماد الرئيس السيسي كحليف السعودية الاقليمي الرئيسي، ودعمه ماليا بأكثر من 15 مليار دولار، وسياسيا في حربه لاجتثاث نظام "الاخوان المسلمين"، وفضل تعزيز تحالفه مع المحور التركي القطري، حتى انه لم يشارك في مؤتمر الاستشمار الذي دعا اليه الرئيس السيسي لجذب المساعدات لبلاده وباقتراح من الملك عبدالله بن عبد العزيز، وفضل ارسال ولي عهده في حينها الامير مقرن بن عبد العزيز الذي عزله من منصبه بعد ايام معدودة لاحقا، كما ان مشاركة الملك سلمان في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في منتجع شرم الشيخ في آذار (مارس) الماضي لم تستغرق اكثر من ساعتين، حيث غادر قبل اختتام الجلسة الافتتاحية. تباين في اليمنوسوريا التباين في العلاقات بين الجانبين السعودي والمصري انعكس في الملف اليمني، حيث رفض الرئيس السيسي ارسال قوات الى اليمن للقتال الى جانب قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، ولم يرسل طائرات للمشاركة في "عاصفة الحزم" واكتفى بارسال قطع بحرية للتواجد في مضيق باب المندب، واستضافت القاهرة اكثر من مرة وفودا تمثل الحوثيين، وحزب المؤتمر الذي يتزعمه الرئيس علي عبدالله صالح. اما على صعيد الملف السوري، فقد اعتمد الرئيس السيسي ، موقف مغاير للموقف الرسمي السعودي، حيث استضاف اكثر من مسؤول سوري في القاهرة، خاصة اللواء علي المملوك، اهم مسؤول امني في سورية، واستضافت القاهرة مؤتمرات للمعارضة السورية الليبرالية واليسارية غير الاسلامية الطابع، وحرص وزير الخارجية المصري السيد سامح شكري امس الاول على التنصل من بيان وزراء الخارجية الذي اعتبر "حزب الله" حركة ارهابية، عندما قال في تصريحات لصحيفة "اليوم السابع′′ "ان تصنيف الجامعة لحزب الله على انه ارهابي مرتبط بتوصيف بعض التصرفات فقط وليس اقرارا نهائيا بهذه الصفة للحزب". صحيح ان الرئيس السيسي حضر الحفل الختامي لمناورات "رعد الشمال" التي نظمتها السعودية بمشاركة قوات تمثل 32 دولة عضو في "التحالف الاسلامي"، من بينها قوات مصرية، وجلس على يسار الملك سلمان، بينما ةجلس على يمينه عاهل الكويت صباح الاحمد، والى جانبه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امير دولة قطر، وخصم مصر اللدود، لكن هذا لا يعني ان المشاركة المصرية كانت متميزة وتمثل حجمها، حسب وصف احد الخبراء العسكريين ل"راي اليوم". معيار نجاح الزيارة المعيار الابرز لنجاح هذه الزيارة سيكون حجم المساعدات المالية التي سيحملها العاهل السعودي في جعبته لدعم الاقتصاد المصري شبه المنهار، المملكة قدمت حوالي عشرين مليار دولار لمصر على شكل مساعدات واستثمارات وودائع في المصرف المصري المركزي، ولكن هذا المبلغ يظل متواضعا اذا وضعنا في اعتبارنا ان مصر تحتاج الى 200 مليار دولار للخروج من ازماتها الاقتصادية، حسب تقدير الخبراء الاقتصاديين في الغرب. البنك المركزي المصري خفض قيمة الجنيه رسميا الى حوالي 8.8 مقابل الدولار، ولكنه يباع حاليا في الاسواق السوداء بأكثر من عشرة جنيهات للدولار الواحد، وتوقعت مؤسسة "فيتش" المالية العالمية ان يستمر انخفاض الجنيه وترتفع معدلات التضخم في المقابل، وطرح المركزي خلال الاسبوعين الماضيين 2.4 مليار دولار للبنوك لتغطية تكاليف استيراد السلع الاساسية. وتقدر وزارة المالية المصرية حجم العجز في الميزانية هذا العام بحوالي 21.4 مليار دولار في الاشهر الستة الاولى من السنة المالية (تبدأ في تموز يوليو 2015 وتنتهي في حزيران يونيو 2016)، مما يعني ان العجز السنوي سيصل حوالي 43 مليار دولار. السعودية تحتاج الى مصر ودعمها السياسي والعسكري، خاصة ان حليفها التركي بدأ يتجه الى ايران لتعزيز علاقاته الاقتصادية معها ورفع التبادل التجاري من 10 الى 30 مليار دولار سنويا، مثلما اتضح من زيارة السيد احمد داوود اوغلو الى طهران الشهر الماضي، واستقبال الجزائر الثلاثا للسيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري. الازمة المالية التي يواجهها العاهل السعودي ربما لا تقل خطورة عن تلك التي يواجهها مضيفه المصري، صحيح ان السعودية ما زالت تصدر عشرة ملايين برميل من النفط يوميا، وتملك احتياطي مالي يقدر بحوالي 640 مليار دولار، ولكن العجز في ميزانيتها يصل الى مئة مليار دولار، وستحتاج الى سحب ما يعادل 120 مليار دولار سنويا من احتياطها المالي لسد هذا العجز، والتزامات مالية اخرى بما في ذلك تمويل حروبها في اليمن وسورية، وتلبية طلبات 32 دولة مشاركة في "التحالف الاسلامي"، وعشر دول في التحالف العربي في اليمن، مضافا الى ذلك مواجهة نسبة بطالة عالية، وتحمل تبعات اجراءات تقشف بدأت تنعكس تذمرا في المجتمع السعودي الذي تعود على الترف. زيارة العاهل السعودي لمصر مهمة في توقيتها وستنزل بردا وسلاما على قلب المضيف المصري، فالطرفان بحاجة الى بعضهما البعض، لكن حاجة الرئيس المصري محصورة في الاموال، وحاجة الضيف السعودي سياسية وعسكرية، ويريد من الحليف المصري ان يخوض حروبه في اليمن وسورية، وربما ضد ايران الخصم الاكبر والقوي لاحقا، اي ان تنتقل الحروب من حروب بالنيابة الى حروب مباشرة، خاصة بعد ان اكد اوباما في مقابلته الاخيرة مع مجلة "اتلانتيك" انه لن يخوض حروب السعودية الاقليمية ضد ايران مطلقا. الحب الصعب من جانب الرياض وفي سياق العلاقات المصرية السعودية ، وسعي السعودية لتحقيق تقارب مصري تركي، يشير تقرير مركز «ستراتفور» الاستخباراتي الامريكي ، الخاص بتوقعات الربع الثاني من العام الجاري 2016 إلى أن سوريا سوف تهيمن على معظم التحولات الجيوسياسية الهامة التي تنتظر أن يشهدها الربع الثاني من العام. وفي ظل الضغوط المالية المتزايدة، فإن الرياض تريد التأكد من أن استثماراتها سوف تحقق التأثير المنشود في المنطقة. وكما ظهر في حالة لبنان خلال الربع الأول من العام، فإن المملكة العربية السعودية ترسل إشارات إلى حلفائها الحاليين والمحتملين أنها سوف تواصل دعمها المالي فقط للبلدان التي تتماشى مع سياساتها. وبالنسبة للبلدان المجزأة كما في حالة لبنان، فإن إحداث مثل هذا التحول الجذري في السياسة هو أمر مستحيل. السعودية لن تتخلى عن معاركها بالوكالة في البلدان مثل لبنان، ولكنها سوف تعمل في الوقت نفسه على تطوير حلفاء جدد وأكثر موثوقية. في لبنان، من المرجح أن تحاول السعودية دعم إنشاء ميليشيا سنية لمواجهة حزب الله. وفي الوقت نفسه، لمنع إيران من استغلال غياب الرياض، فإن الولاياتالمتحدة وفرنسا سوف يسعيان إلى ملء أي فراغ يتركه السعوديون في لبنان خصوصا فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية والمالية. وسوف تضمن المنافسة السعودية الإيرانية أن الجمود السياسي حول رئاسة لبنان سوف يستمر خلال هذا الربع. علاقات دافئة في شرق المتوسط هناك خطر أكبر من تزايد الاضطرابات الاجتماعية في مصر في الربع الثاني مما كان عليه الأمر في الربع الأول بسبب نقص الدولار ومشاكل التقطع المستمر في الاستيراد. في أعقاب تخفيض قيمة العملة، فإن مصر سوف تواجه أيضا شبح زيادة معدلات التضخم. نحن نتوقع أن نرى المزيد من التدريب لمكافحة التمرد وزيادة القوات الأمنية في مثلث رفح والعريش والشيخ زويد لمواجهة زيادة التشدد في شبه جزيرة سيناء. مع الإلحاح السعودي، من المحتمل أن نرى تقدما تدريجيا في التقارب المصري التركي خلال هذا الربع. وجود مصر في قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول في إبريل/ نيسان أن يكون خطوة في هذا الاتجاه. ومع ذلك، فإن الارتفاع التدريجي في درجة حرارة العلاقات المصرية التركية سوف يحدث في نفس الوقت الذي تتقارب فه تركيا مع (إسرائيل). يمكن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في الربع الثاني. كجزء من المفاوضات، سوف يتم تسليم المساعدات التركية لغزة ومن المتوقع أن تستعيد حركة فتح السيطرة على معبر رفح الحدودي. التركيز على الأمن في شمال أفريقيا يمكن لعدم الاستقرار في ليبيا أن يكون ضارا على دول الجوار في شمال أفريقيا. وحتى لو وافق مجلس النواب في طبرق على حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأممالمتحدة، فإن المنافسة بين الفصائل السياسية سوف تواصل تخريب البلاد. الوجود العسكري الأجنبي في ليبيا من المرجح أن يتوسع بهدف تركيز القدرات القتالية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بما يشمل الضربات الجوية وأعمال التدريب وتقديم المشورة من قبل كل القوات الخاصة الأمريكية والفرنسية والإيطالية والبريطانية. سوف تستمر المناورات السياسية بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام في طرابلس، وحكومة الوحدة وحوار «ليبيا – ليبيا» بما يعني أننا ربما سوف تشهد 3 أو 4 حكومات تتنازع الشرعية في ليبيا خلال هذا الربع.