من إين لك هذا: هذا مبدأ دستوري إسلامي أرقى وأرفع من كل الدساتير الكونية, عمل فيه زمن العدالة في الحقوق والنهوض بالبشرية, فها هي المرأة التي تنادي زوجها اتقي الله بنا, نحن بك وإليك, إن استقمت استقمنا, وان اعوججت اعوججنا, نصبر على الجوع, ولا نصبر على الحرام. قال المتنبي: إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد تظهر تلك العظمة في قصة عمر وزوجته رضي الله عنهما, يوم اشتهت الحلوى ولم تستطع شرائها وهو خليفة المسلمين. قال حافظ إبراهيم: جوع الخليفة والدنيا بقبضته في الزهد منزلة سبحان موليها يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فاشتريها، ثم أصبح في أيامنا هذه قانونا مؤقتا وكلاما مسطورا في رق منشور , مهمل غير معمول به, لا يحميه ولا يعبأ به قانون وترك لذمة المسئول إن كان له ذمة أو عنده همه، ثم يوضع في الدروج لليوم الموعود, فما المسئول عنه بأعلم من السائل, لأن من يسأل من؟ وعن ماذا تسأل؟ ومن يحاسب المسئول والسائل؟ لأنهم شركاء في التنمية. ففي ليلة من ليالي الصيف الممتعة والقمر ينشر ضياءه، حيث يحلو السهر والسهرات، والسكون والهدوء يلف المكان, حتى إنك ترى وتسمع قرع النعال, كنت أمشي والقمر ذهابا وإيابا, رأيت رجلا يلهث من حمل ثقيل على كاهله ظننته أول وهلة أنه مسكين, وشككت أن ما يحمله على ظهره كيس طحين لأولاده الجائعين, مع أن الوقت منتصف الليل والمدينة أغلقت أبوابها ومتاجرها, عندئذ حملني فضولي أن أساعد ذلك المسكين في حمله الثقيل, فاقتربت منه رويدا, فإذا به يقول: إليك عني لا تقترب إني لا أحتاج مساعدة أحد من العالمين. ثم وضع الكيس عن ظهره ليستريح ثم فتحه, ووقعت عيني على ما في الكيس, ورأيت ثم رأيت ويا هول ما رأيت أموالا ومجوهرات ولآلئ ودولارات ويورو وينات يابانية بالمليارات ومن جميع العملات وسندات عقارات وأسهم شركات محلية ودولية…فقلت من أين لك هذا يا أخ العرب؟ قال بصدق هذه أموال الشعوب وخزانة المال أخذتها لاستثمرها وأديرها، لأنهم لا يحسنون إدارتها وأنا أمين مكين مثل يوسف بن يعقوب جعلت على خزائن الأرض وهي عندي أمانة إلى يوم القيامة, ولما بعد الممات هي لأولادي وأحفادي هبات وأعطيات منها يصرفون ويبنون ويتنعمون وعلى أصحابها من الفتات يتصدقون, قلت كيف تديرها وتستثمرها في حياتك قبل مماتك يا أخ العرب؟ قال الأمر بسيط ! أضعها في شركات وهمية وأسماء عصابات ومافيا وبنوك حرامية محلية ودولية. قلت أرى يا أخ العرب شيئا عجاب مكتوب فوق الباب -هذا من فضل ربي- قال هذا تدليس لأخفي ما في الكيس. قلت له أنت أشد نكاية من إبليس, قال إذن لا تسأل من أين لك هذا الذي هو في الكيس وبذلك انتهت حكاية إبليس والكيس.