إذا كانت مقاصد الاستعمار والإمبريالية قديما وحديثا هي احتلال الأرض، ونهب الثروات.. أي تحقيق المصالح المادية من وراء هذا الاستعمار، فإن المصالح لا تسير وحدها عارية مجردة من الأفكار والأيديولوجيات.. والعقائد والفلسفات.. وإنما لابد لهذه المصالح المادية التي هي المقاصد الحقيقية للاستعمار من فكر يغلفها، وتقنع به شعوب البلاد الاستعمارية، كي تضحي هذه الشعوب في سبيل النهب الاقتصادي، الذي تمارسه الرأسمالية المتوحشة في تلك البلاد. لقد غلف الأغريق والرومان والبيزنطيون غزواتهم القديمة للشرق التي دامت عشرة قرون.. قبل ظهور الإسلام بدعاوي تفوق، ومن ثم سيادة، العنصر اليوناني والروماني، فهم وحدهم السادة والأشراف.. والأحرار.. ومن عداهم برابرة.. وعبيد!.. كما غلفوها بمزاعم تفرد حضارتهم في الفلسفة.. وفي الثقافة الهلينية.. وفي القانون ومن ثم حاولوا تغليف المقاصد والمصالح المادية لاستعمارهم وقهرهم شعوب الشرق وحضاراتها بهذا التفوق الفكري المزعوم!.. - وكذلك صنعت الغزوة الصليبية الغربية في العصور الوسطي، التي دامت قرنين من الزمان (489 690 ه 1096 1291 م).. فحتى تستر الكنيسة الكاثوليكية وتغلف المطامع الاستعمارية المادية، ومعها فرسان الإقطاع الأوروبيون والتجار والمرابون في المدن التجارية الأوروبية؛ جنوة ونابلي وبيزا، الذين مولوا الحملات الصليبية ليستولوا على تجارة الشرق، وطرق التجارة الدولية.. حتي يستروا المقاصد والمصالح المادية من وراء غزوهم للشرق المسلم الذي تدر أرضه عنبا وعسلا.. والتي تحاكي خزائنها التي لا تحصي الأملاك السماوية! بتعبير البابا الذهبي أوربان الثاني (1088 1099 م) وهو الذي أعلن تلك الحروب، وصنعت الكنيسة الأغلفة الفكرية والدينية التي تحدثت عن تخليص الأرض المقدسة، وتحرير قبر ابن الله من اغتصاب العرب البدو المتوحشين.. غير المؤمنين!!.. لقد صنعت هذه الكنيسة وقساوستها وشعراؤها الصورة الزائفة والعجيبة والغريبة للإسلام.. ورسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين.. وذلك لتهييج مشاعر الغوغاء في البلاد الأوروبية المسيحية، وشحن غرائزهم، وحشد جموعهم وراء القساوسة لمحاربة أقوام بينهم وبينهم الآلاف من الأميال. لقد صور القساوسة الشعراء في ملامحهم الشعبية المسلمين: عبدة لثالوث: 1- أبوللين.. 2 وتيرفاجانت.. 3 وحوميت (محمد)!!.. وذلك على الرغم من أن التوحيد الإسلامي بلغ أعلى مراتب التنزيه والتجريد.. وصوروا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم كاردينالا كاثوليكيا، رسب في انتخابات البابوية، فأحدث أخطر الانشقاقات في تاريخ الكنيسة المسيحية!!.. واستباح كبار فلاسفتهم حتى القديسين منهم!.. مثل توما الأكويني (1225 1274 م) ومارتن لوثر(1483 1546 م) كل المحرمات الأخلاقية.. وتعدوا كل حدود اللياقة، عندما صوروا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم فقالوا عنه: إنه خادم العاهرات، وصائد المومسات!.. وأنه قد أغوى الشعوب من خلال وعوده الشهوانية.. وأنه عاش حياة داعرة.. ولم يؤمن له إلا البدو المتوحشون!! بل لقد صنع مارتن لوثر زعيم الإصلاح الديني: الصور الأسطورية حتى للقهوة التركية.. فسمى حبتها حبة محمد.. وحرّمها على الجنود المسيحيين المحاربين للأتراك العثمانيين، بدعوى أنها مخدرة لهؤلاء الجنود! كل ذلك وغيره كثير.. وكثير ليصنعوا الصورة الزائفة عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم كي يتم التحريض الغوغائي، والشحن لغرائز الدهماء الأوروبيين في حربهم ضد عالم الاسلام.. وبعبارة مارتن لوثر التي تحاكي فلسفة الإعلام النازي عند جوبلز (1897 1956 م) فإن على القساوسة أن يخطبوا أمام الشعب عن فظائع محمد كذا حتي يزداد المسيحيون عداوة له، وأيضا ليقوى إيمانهم بالمسيحية، ولتتضاعف جسارتهم وبسالتهم في الحرب ضد الأتراك المسلمين، وليضحوا بأموالهم وأنفسهم في هذه الحروب!. وكذلك صنع دانتي (1295 1321 م) شاعر النهضة الأوروبية.. وصاحب الكوميديا الإلهية عندما صور رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب، في صورة أهل الشقاق، مقطعة أجسامهم، ومشوهة أجسادهم، في الحفرة التاسعة في ثامن حلقة من حلقات الجحيم!.. وهكذا أصبحت صناعة الصورة الزائفة والجاهلة بضاعة الجهالة الكنسية في الحقبة الصليبية لتثبيت إيمانهم.. وأقدامهم في الحرب الصليبية التي شنوها لاغتصاب الشرق، وأرضه التي تدر لبنا وعسلا، والتي تحاكي خزائنها وكنوزها فردوس السماء!!.. - ولقد ظل هذا هو ديدن الغرب الاستعماري حتى في القرن الواحد والعشرين.. فلتبرير الغزو الغربي المعاصر لعالم الإسلام.. ولتسويغ إقامة القواعد العسكرية الغربية على أرض الإسلام، ونشر الأساطيل في بحارنا ومحيطاتنا.. لتسويغ ذلك.. وتبريره تتم صناعة الصورة الزائفة، التي تجعل الإسلام إرهابا!.. وتجعل المجاهدين في سبيل تحرير أوطانهم إرهابيين.. متوحشين! إذًا.. هي صناعة الصورة الزائفة الجاهلة، التي تتخذ شكل الفكر.. والأيديولوجية.. وحتى عقائد الدين والتي وصلت في مواعظ أحد قساوسة اليمين الديني في أمريكا، حد المساواة بين رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وبين الشيطان! كل ذلك لشحن الغرائز، وتجييش الجيوش الزاحفة لاحتلال الأرض ونهب الثروات.. ولكشف حقيقة هذه الصناعة الغربية صناعة الصورة الزائفة والجاهلة للإسلام ورسوله وأمته وحضارته التي تقوم عليها اليوم مؤسسات وخبراء.. يجب أن نولي هذه القضية المزيد.. والمزيد من الاهتمام.