التحول السياسي توقف مع استمرار ممارسة العائلات المؤثرة للسلطة في صنعاء. في المقاطعات الشمالية الغربية من العاصمة اليمنية، تسيطر قوات الجنرال المنشق على الشوارع. وفي الأحياء الجنوبية من صنعاء، يستعمل الرئيس اليمني السابق نفوذه وتأثيره من قصره. وفي المناطق الوسطى، تتمتع عائلة قبلية قوية بسلطة على الأرض وفي الدوائر السياسية. بعد عام من تنحية الرئيس السابق علي عبد الله صالح في اتفاق توسطت فيه الولاياتالمتحدة وجيران اليمن ، تواصل ثلاث عائلات، الأكثر قوة وسلطة في البلاد، التأثير في عملية الانتقال السياسي. وعلى عكس زعماء الدول الأخرى الذين أُطيح بهم من الثورات العربية، فإن نخبة اليمن لا هي غادرت ولا هي اعتُقلت، بل بقيت داخل البلد، تتصرف بحرية كما تريد. وقد ساعدت هذه الاستمرارية على منع اليمن من الانزلاق إلى حرب أهلية مثل سوريا أو التحول إلى حالة من الاضطرابات السياسية العنيفة كالتي شهدتها مصر وتونس. ولكن استمرار نفوذ هذه النخب أعاق أيضا التقدم في اليمن، كما قول ناشطون ومحللون ودبلوماسيون غربيون."نحن لا نريد أن نُسحب إلى الماضي وصراعاته"، كما أفادت الصحفية اليمنية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام في العام 2011. الاستقرار السياسي في اليمن أمر حيوي بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في وقت لا يزال تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الجناح الأكثر خطورة في شبكة الإرهاب، يشكل تهديدا للغرب والحكومة اليمنية. وأعلنت الجماعة، التي تنشط بالقرب من ممرات شحن النفط في واحدة من المناطق الأكثر إستراتيجية في العالم، مسؤوليتها عن العديد من الهجمات على الولاياتالمتحدة. وقد شنت إدارة أوباما حرب الطائرات من دون طيار، المثيرة للجدل، باعتماد "قوائم القتل" لاستهداف الإرهابيين المشتبه بهم. اليوم، يسعى كل من صالح (علي عبدالله) وأسرته، اللواء علي محسن الأحمر، والعائلة القبلية المؤثرة "آل الأحمر" -التي لا علاقة لها بالجنرال-، لإملاء مسار اليمن المستقبلي في وقت يتجه فيه البلد للانتخابات العام المقبل. "وأما لماذا استمرار تأثير عبد الله صالح وعائلته في الحياة السياسية، فلأن الأطراف الأخرى، الجنرال محسن وآل الأحمر، لا زالوا مؤثرين"، وقال علي البخيتي، 36، أحد أبرز زعماء الشباب الناشطين الذي شارك في 2011 الانتفاضة. لأكثر من ثلاثة عقود، يسيطر صالح ومحسن على اليمن، الأول حاكم مستبد سابق والثاني قائد أكبر قوة عسكرية في اليمن، وكل منهما يراقب الآخر، حتى بعد أن احتد التنافس بينهما. وكان يُنظر لمحسن، على نطاق واسع، أنه خليفة صالح في الرئاسة إلى أن حاول الرئيس السابق فرض ابنه لهذا المنصب. في بلد تشكل القبائل فيه وحدة اجتماعية مركزية، يعتمد صالح أيضا، وبشكل كبير، على عائلة الأحمر للحفاظ على سلطته.. وفي مقابل دعمهم، سمح صالح لمحسن ولآل الأحمر "إدارة مصالحهم مع الجيوش غير الرسمية والمحاكم والإمبراطوريات الاقتصادية"، وقدم "مدفوعات مباشرة من الخزينة إلى الدوائر القبلية والعسكرية"، كما كتب سفير الولاياتالمتحدة، توماس كرايسكي، في برقية دبلوماسية سنة 2005 نشرتها يكيليكس. وقد تغيرت العلاقة التكافلية بشكل مثير يوم 18 مارس 2011 بعدما قتل قناصو الحكومة عشرات من المحتجين. وفي إثر هذه الأحداث انضم اللواء محسن للانتفاضة الشعبية، مما أثار موجة من الانشقاقات في الحكومة والجيش والقبائل. بحلول ذلك الوقت، دعم العديد من آل الأحمر الثورة، وخاصة حميد الأحمر، رجل الأعمال المعروف، وهو الآن زعيم بارز في التجمع اليمني للإصلاح، أقوى حزب إسلامي في البلاد وجزء من الحكومة الائتلافية. انتهى حكم صالح (33 عاما) رسميا في فبراير 2012، عندما خلفه عبد ربه منصور هادي، الذي كان نائبا للرئيس، لفترة انتقالية لا تقل عن سنتين. في المقابل، تلقى صالح وعائلته حصانة من الملاحقة القضائية عن الجرائم المزعومة، وفقا لاتفاق نقل السلطة. كان يأمل كثير من اليمنيين في أن يعيش صالح في المنفى خارج البلد. بدلا من ذلك، مكث في العاصمة وبقي رئيسا لحزبه، المؤتمر الشعبي العام، وهو جزء من الحكومة الائتلافية الحالية. كما لا يزال منصور هادي (رئيس البلاد) نائب صالح في الحزب. "لا يزال الأمر غير واضح حول ما إذا كانت حكومة هادي ستُحدث تغييرا كبيرا أو إن حكمه ليس إلا "صالح لايت""، كما أفادت "ليتا تايلور"، باحثة عن اليمن في منظمة هيومن رايتس ووتش. ويقول نقاد صالح ودبلوماسيون غربيون إنه يستخدم منصبه، علاقاته وماله للتأثير في الوزراء والبرلمانيين ومسؤولي الحزب. وقد أطلق صالح والموالون له، مؤخرا، محطة تلفازية لتعزيز وجهات نظرهم. كما يتهمه بعض النقاد باستخدام "البلطجية" لقطع خطوط الكهرباء، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي، الأمر الذي يسبب في تدمير أنابيب النفط، ويحرج الحكومة، ويظهر الرئيس منصور هادي عديم الفعالية. "الرئيس السابق لا يزال يلعب دورا سياسيا، فهو لا يزال يمارس ألعاب الانتقام من الشعب اليمني"، كما قالت الناشطة "كرمان". ولكن مساعدو الرئيس صالح ينفون هذه المزاعم. وهم، من جانبهم، يتهمون آل الأحمر والجنرال محسن بمحاولة الاستيلاء على السلطة بدفع حلفائهم السياسيين لتعيين التابعين للإصلاح وتوظيف الموالين داخل الجيش وقوات الأمن. "علي عبد الله صالح لا يسيطر على كل شيء"، قال ياسر العوضي، وهو مسؤول في المؤتمر الشعبي العام. وأضاف: "إنه لا تتدخل. إنهم آل الأحمر وعلي محسن وحزب الإصلاح الذي يصنعون العقبات". انعدام الثقة ظاهر في كل مكان. هذا، ومن المقرر أن يعقد المؤتمر الوطني، الذي طال انتظاره، حول مستقبل اليمن، والتحضير لمسودة الدستور، هذا الشهر. ولكن هناك اتهامات بأن معسكر صالح يغرق القمة بمؤيديه. وقد لا تشارك مجموعات مهمة وحاسمة لتحقيق أي تقدم سياسي، مثل الانفصاليين الجنوبيين، الذين لديهم قائمة طويلة من المظالم ضد الحكام في اليمن الشمالي. كما إن جمع شمل القوات المسلحة ينظر إليه على أنه ضروري، لكنها لا تزال منقسمة. تمكن الرئيس هادي من تنحية نجل صالح، أحمد علي صالح، وأقارب آخرين لصالح من المواقع والمناصب الأمنية الرئيسية. ولكنَ العديد من المسؤولين الأمنيين لا يزالون موالين للأسرة، كما أفاد محللون ودبلوماسيون.