لاشك أن عدم التوافق في السياسات العامة لدول الخليج سمة ما زالت عالقة، وعثرة نحو رسم سياسة متقاربة تحدد فيها ملامح الأمن الإقليمي. ومن الفرضيات غير الملائمة أن تعتقد أي دولة خليجية أن باستطاعتها التصدي للاضطرابات الإقليمية لوحدها، لكون هذه الدول تشكل وحدة متناسقة، وأي استهداف لا يخص دولة بعينها بقدر ما يشمل الإقليم الخليجي كله، وهذا ما يبدو أنه غير مستوعب بشكل واضح بين بعض هذه الدول. ولعل من أهم محاور الاختلاف ما يقع ضمن دائرة التعامل مع إيران، فالسياسات الخليجية مختلفة على رغم وضوح الرؤية الإيرانية حيال الإقليم الخليجي، فنحن لدينا أراضي الجزر الإماراتية الثلاث ما زالت تعاني من الاحتلال الإيراني، وهنالك تعنت إيراني منقطع النظير عن التفاهم والحلول السلمية. كما أن لدينا محاولات إيرانية في استهداف أمن بعض الدول الخليجية من خلال خلايا تجسسية سواء في الكويت أو السعودية والبحرين، فالسياسة الإيرانية تنتهج الاستفزاز وتقابل ذلك ليونة خليجية غير مبررة، لكون بعض من دول الخليج العربي ترى في احتواء الغضب والاستفزاز وسيلة في التصدي، بينما إيران تفهم هذه السياسة على أنها تنبع من توجس خليجي من المواجهة. فالمعادلة بين إيران والدول الخليجية غامضة ويشوبها كثير من التردد. فإيران ومنذ عقود انتهجت سياسة تمدد في المنطقة العربية، وهي تسعى إلى تثبيت وجودها باعتبارها دولة محورية في قضايا النزاع والاستقرار العربي، ولعل تطور الأحداث الأخيرة في سوريا ودخول «حزب الله» هو أحد أهم الأوجه لتمدد السياسة الإيرانية، إلا أن ذلك لا يواجه عربياً بنفس الطريقة التي تنتهجها إيران، فمصر «الإخوان» تسعى إلى ترطيب العلاقة، والعراق دولة حليفة، وهكذا تجد إيران نفسها في بيئة تتسم بعدم الاكتراث حيال سياساتها. وقد أدانت دول الخليج العربي تدخل «حزب الله» وتسعى لتضييق الخناق على أعضاء الحزب، وطبعاً ل«حزب الله» مؤسسات مالية في بعض من دول الخليج العربي، إلا أن الغريب أن الموقف لم يكن واضحاً نحو إيران. و«حزب الله» هو الذراع السياسية والعسكرية لإيران، ومعاقبته دون الالتفات نحو مصدر الدعم الذي تشكل إيران أساس مكوناته هو أحد أهم مفاصل الضعف في السياسة الخليجية. ويبدو عندنا خلطاً كبيراً حيال الموقف من إيران، فبعض من دولنا الخليجية تشعر بالقلق إذا ما صعدت المواجهة مع إيران باعتبارها الحامي للطائفة الشيعية، وهي لعبة سياسية تستهوي إيران بينما الحقيقة أن القضية الشيعية يجب أن تفصل نهائياً عن إيران لكون الشيعة ليسوا في معظمهم مناصرين للسياسة الإيرانية بل لدينا قبائل عربية شيعية تشعر بالغبن الإيراني، وهي لا تقل موالاة عن السنة العرب، وهذا ما يبدو بحاجة إلى مصارحة خليجية حيال القضية الطائفية. والشيعة في دولنا مواطنون، وعلينا ألا نمنح إيران الفرصة للعب بالورقة الطائفية، فنحن كما لدينا مناصرون لإيران من الطائفة الشيعية فكذلك لدينا من السنة من يقفون ضد مصالح المنطقة الخليجية، فالخلايا الإسلامية المتطرفة وحتى بعض من التنظيمات الإسلامية السياسية لديها مواقف نعتبرها مناهضة لأمن المنطقة، مما يجعلنا في حل من التردد في المصارحة والمواجهة للسياسة الإيرانية. إن بعض دول الخليج العربي كثيراً ما أغفلت التركيبة الاجتماعية وتنوعها الطائفي والعرقي ولم تضع في سياساتها التنموية أهمية الاندماج الاجتماعي بل إن بعض دولنا تحتوي أحياناً ورقة الفسيفساء الاجتماعي على اعتبار أن قوة النظام السياسي تأتي من خلال التنوع الاجتماعي، مما منح الآخرين أحياناً فرصة للعب في البناء الاجتماعي للمجتمعات الخليجية.