كثيرا ما تثار مسألة ترجمة الأدب العربي الحديث إلى اللغات الأجنبية، ويُغفل عن السؤال الأهم وهو مدى حضور أدبنا المترجم في المشهد الثقافي الغربي، وإقبال القراء عليه أو تغاضيهم عنه. في فرنسا، ازداد اهتمام بعض الناشرين بترجمة هذا الأدب منذ فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب، ولكن الاختيار لم يكن دائما موفقا، فإذا كانت الدور -على قلتها- قد نشرت ترجمات لأعلام عرب كمحمود درويش وأدونيس والطيب صالح وحنا مينة وصنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني، فإنها نشرت أيضا ترجمات لكتاب ليس لهم حضور حتى في أوطانهم، وأعمالا أخرى ضعيفة (مهلهلة في أصولها العربية، ويتدارك المترجمون عادة هناتها)، إمّا لأنّ محتواها يلبي أفق انتظار القارئ الغربي، الذي يميل إلى استكشاف العوالم الغريبة في المجتمعات الأخرى، وإمّا لعلاقات خاصة تربط أصحابها بشبكات معينة. دون رجع صدى من الطبيعي ألاّ يكون لهذا الأدب نفس ما تحظى به آداب أمريكا اللاتينية أو الكتلة الشرقية البائدة أو البلدان الاسكندينافية أو اليابان من حضور، لقلة الأعمال المترجمة، وتباين مستوياتها، وتشتّت اتجاهاتها، وهذا ليس من شأنه أن يخلق تواشجا بين الكاتب وقرائه. وباستثناء "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني، وبدرجة أقل "برهان العسل" لسلوى النعيمي (رغم ما فيهما من مآخذ)، لم يشغل الواجهة الإعلامية في الأعوام الأخيرة أي كتاب آخر، إلاّ ما تعلق منها بالهزات السياسية والاجتماعية التي يمر بها الوطن العربي. حتى الروايات التي بلغت القائمة القصيرة لجائزة البوكر مثل "أمريكا" لربيع جابر، أو الفائزة بها مثل "واحة الغروب" لبهاء طاهر، لم تلق الصدى المنشود. دوافع استراتيجية لسائل أن يسأل عن مدى تمثيل الأسماء المنتخبة لهذا الأدب برمته، أي في سائر الأقطار العربية؟ أو التي تشهد حركة نشيطة على الأقل، ودور النشر تركز على المشرق (مصر وبلاد الشام بخاصة)، وتغض الطرف عما ينشر خارجه، أو تكتفي منه بأسماء لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ربما رفعا للبس ودفعا للعتب، لأنها لا تعكس الواقع. ولنا في ذلك تفسيران: أولهما أن المشرفين على فرز الكتب العربية وإعدادها للترجمة يتبعون القنوات الرسمية أو شبه الرسمية، فتنصحهم بقوائم كتّابها ومن يدورون في فلكها، أو هم يقرؤون ما ينصح به الأصحاب، والأقربون في هذه الحالة أولى بالمعروف، أو يعتمدون على ما يصلهم من أصداء، مثلما اعترف أحدهم عن نفسه بنفسه. وثانيهما أن سبب ضآلة ما يترجم من إنتاج الأدباء المغاربيين -قياسا بأدباء المشرق- يعود إلى عوامل تاريخية واستراتيجية، أهمها أن الفرنسيين يؤثرون الفرانكفونيين كالطاهر بن جلون وفؤاد العروي وبوعلام صنصال وياسمينة خضراء وأمين الزاوي وطاهر البكري وفروزية الزواري، بدعوى أن الفرنسية هي أيضا لغة جانب كبير من سكان المغرب العربي ولغة شريحة من أدبائه، وما ذلك في الحقيقة إلاّ تكريسا لسياسة تهدف إلى الحفاظ على وجود لغتهم في المستعمرات القديمة. وليس أدل على ذلك من قائمة المشاركين في الدورة 28 لملتقى "كوميديا الكتاب" الذي انتظم مؤخرا بمدينة مونبيلييه وخصص لآداب المغرب العربي، حيث كان السواد الأعظم من أولئك الذين تبنّوا الفرنسية وسيلة للإبداع.