المتتبع لما يجري في هذه الأيام يرى أعجوبة من عجائب الدنيا الثماني، مزيج من «الحكماء والفُصحاء» والدهماء واللقطاء يتجمعون في مليونية كسابقتها من المليونيات ليقَوِّموا تجربة عام من الحكم لأول رئيس منتخب لذلك البلد العريق الذي استمد عراقته من عرق فلاّحيه وكادحيه عبر التاريخ، حكموا عليه بعد آلاف المسيرات والمهرجانات والمليونيات، وملايين الرشاوى والمال الحرام ومكر الليل والنهار ب»الفشل». والمضحك المبكي في هذا الحال توافق أصحاب الأقلام الجاهزة والرُؤى المعلبة واللصقاء بالثورات والثوار ليصدر عنهم ذات القرار ويرموه بقوس واحدة. خطاب الرئيس للرد على شانئيه ومنتقديه يكفي كل منصف، وإذا استطاعت أرض النيل أن توفر في هذا العام ما يزيد على 65% من حاجتها من القمح الذي كان يُسْتَورد جُلّه، ويموت في طوابير الخبز المدعوم مصريان يومياً، فضلاً عن الكثير من الإنجازات العلمية والتعليمية والصناعية في ظروفٍ اقتصادية تعاني من سلبياتها دول عظمى عميت أبصار هؤلاء عنها، فكيف لو استتب الأمر، وانصرف الجميع للعمل والبناء! وعين الرضى عن كل عيب كليلة ** ولكنّ عين البغض تبدي المساويا لكن نقول بأن من ظن أن نظرية المؤامرة والأيدي الخفية يجافي الحقيقة والواقع، فأصحاب الرؤى المنحرفة والمصالح لا يطيب لهم السير بطريق الإصلاح، وأرتال من أزلام الأنظمة السابقين والحاليين بمختلف مواقعهم السياسية والعسكرية والاقتصادية والفكرية لا يمكن أن يُضَحّوا بمكاسبهم ومصالحهم بكل هدوء ويتنازلوا عنها بطيب خاطر، هؤلاء سيبقون متشبثين بما جنَوه خلال مسيرتهم السابقة والممتدة في بعض البلدان ما يزيد على الأربعة قرون، وسيبقوا قوى شد عكسي يبذلون كل ما في وسعهم لوضع المعيقات والعصي في الدواليب ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، هؤلاء سينحنوا للعاصفة قليلاً ويراهنوا على عامل الوقت، حتى إذا سنحت لهم الفرصة كَشّروا عن أنيابهم وانتفضوا، وتدثروا بلباس الوطنية والحرص على المصلحة العام، وادّعوا صواب الرؤيا وتسلحوا بفذلكة الشطار، وألصقوا أنفسهم بالثوار، وسيجدون من يساندهم في هذا كثيرا من الدهماء، يسيرون في دربهم على غير بصيرة ، بعد أن يدغدغوا مشاعرهم بالتخويف والتهويل وشراء الذمم. وهؤلاء في عصر الانحطاط والتبعية وارتباط المصالح الذي نعيشه غالباً ما تكون خطوطهم مفتوحة مع أولياء نعمتهم الذين صنعوهم على أعينهم لإدامة هذه التبعية والحفاظ على مصالحهم، والمتتبع لهؤلاء الأشخاص يراهم عربيي لسان غربيي هوى، لا عداء لهم ولا مكر ولا مهادنة إلا مع كل وطني غيور، أو داعية صبور، أو ليث هصور، أو فقير مقهور. لا نقول هذا لتبرير الأخطاء إن وجدت، ولا يكفي ذلك ليكون مشجبا للتنصل من المسؤوليات أبداً، لكن ما يفترضه العقلاء أن تتكاتف الجهود في الأزمات، ويتناصح الناس في الملمات، وأن لا يتركوا مجالاً لأصحاب الهوى والأجندات للتلبيس والتدليس على الدهماء، ويفوتوا الفرصة على المفلسين والمنتفعين الذين عاشوا عقوداً من النعامية والتبعية وتزيين المنكر وقلب الحقائق لتحقيق مآربهم. وبشكل عام، سنة في عمر الأمم لو عاشها الناس في البناء لما غَيَّرت ساكناً، فكيف عندما تأتي لإصلاح الخلل، ومعالجة عقود من الفشل، وعندما تكون نحتاً في الصخور، ومحاربة لأصحاب الفجور، وحذراً من كل مغمور ومستور، وتفكيراً بكل مغلوبٍ ومقهور. إذا كان ألف بانٍ خلفهم هادم كفى ** فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم يا دعاة الفتنة لن تعود عقارب الساعة للوراء، وسيكون اليوم التالي لسيرككم الموعود كسابقيه، فقد بدأت الأمة تتململ، وبدأ فجر الصحوة يبزغ، ورياح التغيير لغدٍ مشرق بدأت نسائمها تَهُب، وستجدون أنكم لستم على شيء، فاجتماعكم على باطلكم زَبَد، ولهيب ناركم التي تريدون إشعالها ستنطفئ وتخمد، وسنرى مرسي الرئيس، وسيفقأ شعب الكنانة الأبي عين كل شانئ وخسيس، وستمضي المسيرة لتصل منتهاها، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.