الكارثة الإنسانية التي حدثت أمام الحرس الجمهوري صبيحة يوم أمس هي علامة فارقة في تاريخ مصر وليس فقط مجريات أحداث الثورة المصرية الحالية. إذا كان الجيش المصري قد أطلق الرصاص بالفعل على المتظاهرين أمام المنشأة العسكرية فهذه سابقة خطيرة لأنها المرة الأولى التي يرتكب فيها الجيش المصري خطيئة إطلاق الرصاص على شعبه بغض النظر عن الظروف المحيطة. المؤتمر الصحافي لوزارتي الداخلية والدفاع يوم أمس أوضح أن ما حدث هو هجوم من بعض المتظاهرين على المنشأة تضمن استخدام الأسلحة النارية والمولوتوف، وكشف المؤتمر الصحافي بعض المشاهد التي تثبت ذلك ولكن في نفس الوقت لم ينف إطلاق الرصاص على المتظاهرين وبرر ذلك بالالتزام بقواعد الاشتباك في مواجهة هجوم مسلح على منشأة عسكرية. ولكن حجم الضحايا الكبير بين المدنيين في ذلك الصباح المشؤوم لم يكن متناسبا مع مستوى التهديد الذي تعرض له الموقع وكانت هنالك مبالغة كبيرة في حجم إطلاق النار. من الواضح أن الحقيقة في ما حدث في تلك المأساة هو في مكان ما بين الروايتين. ما حدث في ذلك الصباح المشؤوم ربما يساهم في تفكيك "التحالف السياسي" الذي نشأ ضد الإخوان المسلمين. حزب النور قرر الانسحاب من كافة المفاوضات وشيخ الأزهر أصدر بيانا يطالب فيه بتحقيق مستقل، وفي المقابل قامت حركة الشباب "تمرد" بتصعيد الموقف عن طريق المطالبة بحل حزب الأخوان المسلمين بدلا من محاولة الوصول إلى حل مستدام. من الواضح أنه لا عودة إلى الوراء ولكن المسار القادم اصعب من المتوقع. الصدام الدامي في الحرس الجمهوري وتورط الجيش في قتل المتظاهرين لن يمر بدون عواقب كبيرة منها تشويه سمعة الجيش وهو المؤسسة الوحيدة المتماسكة في مصر حاليا. ستكون ردود الأفعال الدولية مهمة ايضا خاصة أنها وصفت ما حدث بانقلاب في بداية الأمر ثم عدلت من الوصف ولكن تورط الجيش في قتل متظاهرين سيكون أمرا في غاية السوء وسيصبح هو الجاني في معادلة الصراع السياسي في مصر. انفلات الإرهاب في سيناء وتفجير خط الغاز المصري المتجه للأردن بعد سنة من الهدوء وغير ذلك من شواهد تؤكد وجود قرار لدى الأخوان بالتصعيد في مواجهة النظام، ولكن المكسب الأكبر للإخوان كان كارثة الحرس الجمهوري التي زجت بالجيش في مستنقع العنف واصبح طرفا مشكوكا فيه بعد أن كان مرجعية لا اختلاف عليها. الكرة الآن في ملعب القوات المسلحة وتحالفها السياسي في محاولة المضي قدما في مسار من الخطوات التي تحقق مصالحة وتهدئة للظروف والمشاعر المختلفة ومزيدا من ضبط النفس أمام المتظاهرين حتى لو كانوا قد جنحوا للعنف لأن مستقبل مصر كله يتوقف على هذه الأيام الحاسمة. حمى الله مصر من كل من يخطط لها بالسوء سواء من الخارج أو من ابنائها. [email protected]