لم أذق طعم النوم ليلة 18/8/2013 وانا أمعن النظر في السبب الذي يدفع رجال أمن مصريين وبحماية من الجيش المصري وهم يطلقون النار بلا مبرر، على جموع المصلين الأبرياء من رجال ونساء وشيوخ وأطفال يعتصمون سلمياً في مسجد الفتح بميدان رمسيس، يوم السبت الموافق 17/8/2013 وبإطلاق النار على مئذنة المسجد، بزعم أن بها مسلحين ودون أن يقدم دليلا واحدا على هذا الزعم الرخيص .. وقد تملكني الغضب والقهر الى حد البكاء حينما استمعت لاتصال هاتفي من قبل إذاعة (BBC) مع إحدى حرائر مصر المعتصمات داخل المسجد، والتي قالت بأن الامن المصري ومباحث أمن الدولة اقترحت على المعتصمين الخروج من المسجد رافعي الايدي فوق الرؤوس، وفرز الرجال عن النساء تمهيداً لسوقهن الى مراكز الاقسام الامنية للتدقيق في قيودهن، ومن ثم تسليمهن الى ذويهن في اقسام الشرطة التي يقطن بها .. اما الرجال فيتم اتخاذ نفس الاجراء معهم بالاضافة الى اعتقال المطلوبين منهم لأمن الدولة وبدون مذكرات ضبط وإحضار لأي منهم، بل بمذكرة واحدة للجميع أطلق عليها مذكرة قانون الطوارئ؛ الذي أعاد مصر الى عهود الاستبداد الاسود التي ذاقت منها مصر الامرَّين خلال الحكم العسكري البغيض .. وكنت أتمنى أن أرى رجال الامن المركزي والجيش المصري العظيم وهم يثأرون من جنود العدو الصهيوني الذين قتلوا أسرى الجيش المصري، ودفنوا بعضهم أحياء في مقابر جماعية في سيناء في حرب حزيران 1967. لقد بقي ذلك المشهد السوريالي عصياً على الفهم إلى ان جاء الجواب على كل هذه التساؤلات من قبل الدكتور جمال نصار، رئيس مركز الدراسات والاستراتيجيات البديلة في مصر والذي ذكر بأن مدير المخابرات المصرية السابق، وقائد الجيش المصري ووزير الدفاع اللاحق، هو أحد القادة الذين تمت العناية بهم وتدريبهم سنين طويلة في الولاياتالمتحدةالامريكية ومختبراتها الحربية … الامر الذي فسر ما يجري من أحداث في المحروسة وباقي المنطقة العربية خاصة بعد ان نجحت أمريكا والماسونية والصهيونية العالمية وحلفاؤها من الانظمة الرجعية العربية في تفكيك الجيش العراقي، بعد حرب إجرامية مخالفة لميثاق الاممالمتحدة والقوانين والشرائع الدولية، وباستخدام هائل لآلاف الاطنان من القنابل العنقودية والفسفورية والحارقة المصنعة من اليورانيوم المنضب، المحرمة دولياً، وقامت بتدمير المدن والبنى التحتية لبلاد الرافدين؛ بحجة محاربة الارهاب؛ لا لشيء الا لحماية الكيان الغاصب وإخراج العراق وجيشه العظيم من معادلة الصراع العربي الصهيوني، وأقول بعد ن نجحت تلك القوى في إحالة العراق الى ركام ودولة فاشلة، وقامت بتنصيب مجرم طائفي اسمه نوري المالكي لقيادة العراق … انتقلت تلك القوى الى بلد عربي آخر هو سوريا لهدمها وتدمير جيشها وإنهائها، لتحويلها ايضاً الى دولة مقسمة وفاشلة وسبق ذلك حرب تموز 2006 ضد حزب الله، الذي صمد صموداً أسطورياً في وجه آلة الحرب الصهيونية، ولقن دولة الاغتصاب وجيشها المسمى كذباً بأنه جيش لا يقهر درساً لا ينسى في التضحية والبطولة، وأثبت إمكانية إلحاق الهزيمة بهذا الجيش اذا ما توافرت شروط النصر؛ وهي وحدة الشعب والدولة والمقاومة لتوليد النصر والصمود… لقد حرك هذا الانتصار على العدو الصهيوني كل مصادر القلق الغربية والامبريالية .. كما زاد هذا القلق بعد انتصار المقاومة الاسلامية الفلسطينية في غزة على العدو الصهيوني في عام (2008)، وحرك كل كوامن الشر في هذا العدو المجرم الذي لا يرحم .. لقد أعادت القوى المعادية حساباتها وبدأ تخطيطهم لإفشال التحركات الشعبية في اليمن ومصر وتونس وليبيا وسوريا؛ ولمنعها من إحداث تغيير نوعي في الحياة السياسية العربية، وتحقيق النتيجة الطبيعية للحراك الشعبي، فرأينا في اليمن أنهار الدم التي جرت حتى تمكن الشعب من طرد علي عبدالله صالح من سدة الحكم، لكن دون ان يتم طرد نظام حكمه وأجهزته الامنية ورأينا كيف تدخلت دول الخليج في الشأن اليمني بالتنسيق مع الموفد الأممي وكيف تم تفريغ الثورة اليمنية من زخمها الشعبي ومنعها قصراً من تحقيق أهداف الشعب الذي انطلقت من أجله الثورة اليمنية، وكيف تم إغراق الجيش اليمني تاره ضد الحوثين وتارة ضد القاعدة وتارة ضد الحراك الجنوبي، وكلها حروب هامشية لا مصلحة لليمنيين بها إطلاقاً، وإنما تهدف الى تعزيز حالة عدم الاستقرار في اليمن، والابقاء عليه دولة فاشلة ضعيفة منزوعة القوى، غير قادرة على حكم نفسها وتعيش على المساعدات الدولية. - كل ذلك حتى لا يخرج الشعب اليمني من القمقم، ويحكم نفسه بنفسه، ويصبح مثلاً يحتذى به لباقي دول الخليج المحتلة مادياً ومعنوياً من قبل أمريكا و»إسرائيل». وحيث أثبتت هذه الخطة النجاح في العراق سابقاً، واليمن لاحقاً، فما المانع من تطبيقها في باقي المنطقة العربية، وتحديداً في مصر المحروسة «أم الدنيا» التي يعني نجاح الثورة بها أحداث تحول جيوبوليتكي واستراتيجي في كل المنطقة العربية والعالم. إذن من هذه الزاوية يجب ان ينطلق اي تحليل سياسي للأحداث التي تجري في مصر الآن، وأعتقد ان الامور أصبحت أكثر من واضحة لكل ذي بصر وبصيرة وضمير من ابناء هذه الامة المنكوبة في حاكميها ومحكوميها على السواء؛ لأنها لم تستطيع الاستفادة من تجارب وكوارث الماضي و/أو الحاضر التي ألحقتها بنا القوى المعادية مستخدمة نفس الخطة والبرنامج في الجزائر والسودان وتونس وليبيا وموريتانيا والصومال واليمن والبحرين وسوريا وفلسطين ولبنان، وأخيراً في مصر عمودنا الفقري الذي إن أصيب لا سمح الله فلن تقوم لنا قائمة في هذه المنطقة المنكوبة ولسنين طويلة قادمة. لكل ما تقدم، فإنني أناشد وأدعو واتوسل لكافة القوى والاحزاب الاسلامية والقومية والوطنية والى كافة المثقفين والنخب الواعية من أبناء هذه الامة العظيمة، توحيد قواها ونبذ الفرقة والاقتتال فيما بينها قبل فوات الاوان؛ لصد هذا التسونامي الصهيوني الماسوني الامبريالي الرجعي العربي عن المنطقة العربية، وبعكس ذلك فإنه الانتحار الجماعي والذاتي لكل هذه الامة العظيمة، والتاريخ لن يرحم أحداً من هذه القوى.