ما الذي حدث في عاشوراء أساسا , هل هو احتفال بنجاة موسى من فرعون كما كان عند اليهود , أم كان يوما يصومه أهل الجاهلية من بقايا دين إبراهيم ثم صامه أهل الإسلام , أم أنه احتفال متأخر بقتل الحسين كما كان عند الأمويين ثم وضعت له أحاديث في مدح التزين في هذا اليوم , أم أنه عزاء بمقتل الحسين من شيعته ثم وضعت له الغرائب والعجائب .. أم اختلطلت كل تلك فصار كل يحتفل بطريقته .. في طريقي في العقد الماضي وجدت تناقضات وعلل كنت أخفيها خوفا من جرح كتب الحديث , نعم تناقض واضح ومن يقول بغير ذلك فلا يغالط إلا نفسه .. وإليكم خلاصة ما وصلت إليه في تلك الفترة بعد جمعي لكل روايات فضل عاشوراء التي جاءت في البخاري ومسلم .. وجدت : اختلاف وتعارض الأحاديث في سبب صيامه وبداية صيامه, فأحاديث الفريق الأول -عائشة وابن عمر وابن مسعود وجابر- يجعلون السبب في صيامه هو أنه كان موجودا في الجاهلية وكانت قريش تصومه وكان يوما تستر فيه الكعبة فلما جاءت بعثة النبي (ص) استمروا على صيامه بأمر النبي حتى فرض صيام رمضان فخيرهم النبي بعد ذلك بين الصيام والترك وتصرح بعض الروايات أن النبي ترك صيامه, وأما أحاديث الفريق الثاني -ابن عباس وأبي موسى -فتجعل السبب في صيامه هو أن النبي (ص) لما قدم المدينة رأى اليهود تصومه فقال لهم : ما هذا ؟ فقالوا يوم صالح نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى , فقال النبي : فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه , وهذه الأحاديث تذكر أن أول صيام له كان عند قدوم النبي المدينة , ولذا فقد أرسل النبي أحدهم أن يؤذن في الناس فمن كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم . ومن العلل كذلك أن أحاديث الفريق الثاني تذكر أن النبي (ص) قال : إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع , قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله, وهذا يعني أنه توفي في السنة الثانية للهجرة وهذا باطل يخالف المتفق عليه بين المسلمين فالنبي عاش إلى السنة العاشرة للهجرة , وإن حاولوا تبريره بأنه بدأ صيامه في السنة 9 للهجرة فقد وقعوا في إشكالات أخرى أكثر , لأن الروايات تصرح بأنه بدأ الصوم عند قدومه المدينة فهل قدم المدينة في السنة التاسعة , ولماذا خفي عليه أمر الصوم عند اليهود تسع سنين ؟ ثم إنه في السنة التاسعة كان قد طردهم جميعا من جواره بما فيهم أهل خيبر . ومن العلل كذلك أن هناك رواية تذكر أن أهل خيبر كانوا يصومونه ويتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم فقال النبي (ص) فصوموه أنتم , وهذه الرواية تبين أنه أخذه من يهود خيبر لا من يهود المدينة , وهذا يخالف ما قالوه في بداية صومه عند قدومه المدينة , كما أنه يطرح سؤالا آخر وهو لماذا عرفه من يهود خيبر ولم يعرفه من يهود أهل المدينة ؟. ومن العلل كذلك تناقض رواية قتادة – التي انفرد بها مسلم ولم يذكرها البخاري- والتي تذكر أجر من صامه وأنه يكفر السنة الماضية, مع روايات أخرى تذكر أن صحابيين مشهورين كانا لا يصومانه , فقد روى البخاري أن ابن عمر كان لا يصومه إلا أن يوافق صيامه , وروى مسلم أن ابن مسعود كان لا يصوم عاشوراء , فهل غاب هذا الأجر الكبير عنهما ؟ وهذه الروايات تناقض الروايات التي جعلت الأمر خيارا بين الصيام والترك , فقد تحول الخيار إلى فضيلة بهذا الأجر الكبير , وخاصة أن هناك رواية تقول إن معاوية قام في الناس خطيبا أيام حكمه وقال لهم إنه سمع النبي يقول إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن أحب أن يصوم فليصم ومن أحب أن يفطر فليفطر , وهذا يعني أن الخيار استمر إلى فترة حكمه ولذا لم يذكرهم بذلك الفضل . ثم إن رواية معاوية نفسها فيها علة أخرى فهو يصرح بالسماع من النبي ومعلوم أنه أسلم بعد فتح مكة فمتى سمع النبي ؟ ثم هو يسأل علماء أهل المدينة عن صيام هذا اليوم وكأنهم لا يعرفونه !! . كان هذا استعراضا سريعا لأهم العلل والتناقضات الواردة في فضل عاشوراء , وكما هو معلوم فإن وجود العلل والتناقضات في هذه الروايات تضعفها, وتجعلنا بين خيارين , أحدهما: أن هناك اختلاقا في بعضها فقط , والخيار الآخر: أنها كلها مختلقة. فإن قلنا بالخيار الأول فربما ترجيح روايات الفريق الأول أقرب بأنه كان يوما يصومونه في الجاهلية , ثم جاء الإسلام وصاموا رمضان بدلا عنه .. كما تشير إلى ذلك روايات ابن مسعود وابن عمر , أما روايات الفريق الثاني فتناقضاتها أكثر .. وإن قلنا بالخيار الثاني بأن مختلقة كلها فالسؤال هنا : من اختلقها وما هدفه من ذلك ؟ و هل تسرب إلينا من الثقافة اليهودية عبر ما يسمى بالإسرائيليات ثم نسبوها للنبي ؟ وهل أراد اليهود أن ينقلوا عيدهم إلى ثقافتنا كجزء من مكرهم , خاصة أن غالبية روايات الفريق الثاني كانت عن ابن عباس وهو من صغار الصحابة الذين التقوا بكعب الأحبار؟ ، أم إنه تسرب من الثقافة الشيعية التي تجعل هذا اليوم من أعظم الأيام , وترغب أتباعها أن يصوموه حتى يعيشوا ما عاشه الحسين من عطش وجوع في ذلك اليوم؟ ، أم إن الأمويين هم من رغب الناس في صيامه وفي جعله عيدا كي يغيضوا خصومهم من العلويين , وليس ذلك ببعيد عنهم فقد عملوا روايات لتثبيت دولتهم وتزهيد الناس في الحكم والترغيب في طاعة ولي الأمر حتى لو كان ظالما , يؤيد ذلك وجود روايات ثبت كذبها ترغب الناس في التوسعة على العيال والاكتحال في هذا اليوم, منها "من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه السنة كلها" و منها" من تكحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا", يقول ابن عابدين في حاشيته "وإنما الروافض لما ابتدعوا إقامة المأتم وإظهار الحزن يوم عاشوراء لكون الحسين قتل فيه ابتدع جهلة أهل السنة إظهار السرور واتخاذ الحبوب والأطعمة والاكتحال ورووا أحاديث موضوعة في الاكتحال وفي التوسعة فيه على العيال". تلك خيارات ثلاثة فاختاروا ما رأيتم أنه أقرب تفسيرا , وفي كل خيار ستجدون اختلاقا في المسألة والأمر إليكم فانظروا ماذا تفعلون .. ولا أنس أخيرا أن أطرح سؤالا على الطريق وهو لماذا المبالغة في الاحتفال في هذا اليوم من قبل الشيعة ولماذا لا يتم الاحتفال بنفس الطريقة بموت علي أو بموت النبي عليه الصلاة والسلام؟ ؟ .