لاشك أن التوقيع على محضر تنفيذ اتفاق فبراير، يعتبر خطوة إيجابية وإن جاءت متأخرة وبصورة مفاجئة ولكنها مفاجأة سارة وهامة وضرورية ومدخل سليم وفي الاتجاه الصحيح نحو حوار وطني واسع وشامل واتفاق وتوافق بين منظومة العمل السياسي ولو على الحد الأدنى من القواسم المشتركة والقضايا الأساسية. والتوقيع في كل الأحوال يدعو للتفاؤل والارتياح ويؤكد على إمكانية الحوار والتحاور وأن العوائق التي كانت ومازالت تقف حجر عثرة ليست حقيقية وجوهرية بقدر ما هي وهمية وافتعالية.
ومع ما يمثله لقاء الفرقاء والاتفاق من حيث المبدأ والتوقيع على المحضر والعودة للحوار من تخفيف للاحتقان السياسي فإن أصحاب الفكر الاستئصالي والثقافة الاقصائية ودعاة الفرقة والتشاؤم نظروا لنصف الكوب الفارغ واخذوا يفتشون عن السلبيات ويزرعون الشكوك ويضخمون جوانب الخلاف ويذكرون بنقاط الاختلاف، ويفسرون بنود المحضر والاتفاق حسب توجهاتهم واتجاهاتهم وبصورة تعبر عن توتير الأجواء وتعميق الهوة وإشاعة مناخات من عدم الثقة ومن ذلك الحديث عن وجود مسار واحد أو مسارات متعددة لتنفيذ بنود المحضر، وأيهم أسبق الإصلاحات السياسية والتعديلات الدستورية أو العملية الانتخابية.
هذا نوع من الجدل البيزنطي ومحاولة لوضع العربة قبل الحصان ووضع مزيد من العوائق وسد ما تبقى من نوافذ للحوار والإصلاح والوفاق والاتفاق والخروج عن سياق القضية وأساس الموضوع إلى الهوامش والجزئيات ومن ذلك الحديث عن رعاية الرئيس للتوقيع على المحضر، فمع أن رئيس المشترك تحدث عقب التوقيع باسم الأحزاب الموقعة من المشترك قائلاً: سعداء بأن يرعى هذا الاتفاق الأخ الرئيس، إلا أن الناطق باسم المشترك تحدث بصورة مخالفة ومناقضة لرئيس المشترك حيث قال: لا يوجد راع ورعية وحكاية الراعي والرعية من مخلفات ثقافة الاستبداد ونحن أطراف متكافئة والرئيس طرف من الأطراف!!
ولاشك أن مثل هذا الخطاب الذي لا داعي له يعمل على توتير الأجواء ولزوم ما لا يلزم بالإضافة إلى أنه خطاب وتصور خاطئ وغير صحيح ولا صائب من الناحية السياسية والاستراتيجية، فليس من مصلحة المشترك ولا الوطن التعامل مع الأخ رئيس الجمهورية باعتباره طرفاً من الأطراف ورئيساً للمؤتمر، بل المطلوب هو الدفع نحو أن يكون رئيساً لليمن وليس لحزب، وهذا ما يدعو إليه المشترك ويسعى لتحقيقه، تحييد وحيادية الرئيس في العمل الحزبي والتنافس الانتخابي، وهذا ما فطن له رئيس المشترك الدكتور عبدالوهاب محمود عندما أكد على رعاية الرئيس لهذا الاتفاق وسعادة أحزاب المشترك بهذه الرعاية.
بينما ذهب الناطق باسم المشترك الدكتور محمد القباطي للتغريد خارج السرب والمشكلة أنه ناطق المشترك وقبل يوم واحد من التوقيع لم يكن على علم بما سيحدث في اليوم التالي، وهذا لا شك خلل بنبوي في تركيبة اللقاء المشترك وغياب العمل المؤسسي وتناقض الخطاب السياسي والإعلامي والحق أن التوقيع على محضر لتنفيذ اتفاق فبراير أظهر عددا من الاشكالات والازمات وقدرا كبيرا من الخلل والاختلال في تركيبة الأحزاب الحاكمة والمعارضة وأبرز عددا من الحقائق على سطحية العمل الحزبي وهشاشة التحالفات الحزبية وغياب الرؤية السياسية الناضجة والنظرة الاستراتيجية البعيدة، فهذا عضو المجلس الأعلى للمشترك وأمين عام حزب الحق وبعد يومين من التوقيع يدلي بتصريحات إعلامية يتحدث فيها عن وجود تحركات تقوم بها السعودية عبر أصدقائها وحلفائها في صنعاء لإشعال حرب سابعة في صعدة!!
هذه التصريحات الاستفزازية والتحريضية والكيدية التي أطلقها حسن زيد لقناة العالم الإيرانية، تستهدف الاتفاق الأخير والأطراف الموقعة عليه لأسباب ذاتية وعوامل طائفية وأهداف غير وطنية وبصورة مفضوحة ومكشوفة تتطلب من الجميع وفي المقدمة أحزاب المشترك التوقف عندها والنظر فيها والتعامل معها بكل مصداقية وشفافية وبروح وطنية بعيداً عن أي انتماءات حزبية أو تحالفات سياسية وحسابات ضيقة.
وفي كل الأحوال فإن على الأطراف الموقعة على المحضر المضي قدماً في تنفيذ بنوده والشروع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لبدء التنفيذ والقيام بالإصلاحات السياسية والتعديلات الدستورية بالتزامن مع الإصلاحات الانتخابية ومراحل العملية الانتخابية وقبل ذلك القيام بإصلاحات اقتصادية والتخفيف من المعانات المعيشية ومعالجة الأزمات المزمنة.
ومن خلال بنود المحضر الموقع نجد أن الاهتمام منصب على قيام لجنة للحوار الوطني الشامل والواسع، وهذا العمل والمسار لم يحدد بزمن وموعد حتى تتمكن الأطراف المشاركة في الحوار دون ضغط الوقت ولم يتطرق المحضر للانتخابات باعتبار أن هذه الأحزاب ممثلة بالبرلمان ويمكنها عبر كتلها البرلمانية القيام بالإجراءات الدستورية والقانونية لإجراء الانتخابات في موعدها وذلك بالتوافق وفي أجواء من الثقة والتفاهم والتنسيق بين الأحزاب الممثلة في البرلمان وتحت رعاية ومتابعة راعي التوقيع على المحضر الأخ رئيس الجمهورية.
وكان لافتا للنظر أن المحضر الأخير ركز على تشكيل لجنة الحوار الوطني، وعلى أن المؤتمر والأحزاب بالبرلمان هي الأساس في اتفاق فبراير والمحضر التنفيذي وحتى اللقاء التمهيدي الذي سيجري عند بدء تنفيذ بنود المحضر وفق ما جاء في الفقرة الأولى منه والتي تنص على: تلتقي أحزاب المشترك مع المؤتمر كممثلين لشركائهم وحلفائهم في لقاء تمهيدي يقوم فيه كل من الطرفين بتسمية وتحديد شركائهم وحلفائهم والقصد بالشركاء والحلفاء بالنسبة للمشترك هم اللجنة التحضيرية للحوار الوطني والحوثيون والحراك والشخصيات السياسية التي تعيش بالخارج وغيرهم والقصد من الحلفاء حزب الحق واتحاد القوى الشعبية والتجمع الوحدوي.
وبالنسبة للمؤتمر الشعبي العام فإن الشركاء والحلفاء معروفون باستطاعة المؤتمر جمعهم وصرفهم بدون اشكالات أو اعتراضات تذكر، وإنما تبرز الاشكالات والاعتراضات عند شركاء وحلفاء المشترك، فاللجنة التحضيرية للحوار التي شكلها المشترك أصبحت كياناً موازياً وندياً وأصبح المشترك جزءاً منها ومكوناً من مكوناتها، وما توقيع اللجنة على اتفاق مع الحوثيين واللقاء بما يسمى بمعارضة الخارج ومغازلة الحراك وانضمام مجلس التضامن إلا دلائل على توسع اللجنة وتغولها وتحولها إلى كيان أكبر وأوسع من المشترك وبالتالي سوف تصبح العلاقة والمتصل والمنفصل بين المشترك واللجنة غاية في التعقيد وتتحول هذه العلاقة إلى إشكالية وجدلية في حد ذاتها، وبالنسبة للحلفاء مثل حزب الحق المنحل واتحاد القوى المنهار، فأنهما كانا وما زالا يمثلان عبئاً ثقيلاً وحملاً زائداً ليس على المشترك فحسب وإنما على الوطن بأكمله.
وبالنسبة للحوثيين فإن اعتبارهم طرفاً من أطراف الحياة السياسية وأنهم حلفاء أو شركاء للمؤتمر أو المشترك، فإن ذلك يعتبر انقلاباً على الثورة والجمهورية والوحدة الوطنية، ولست أفهم ولا أعرف السر الذي يجعل المشترك يتبرأ من تنظيم القاعدة وفي الوقت ذاته يتحالف مع المتمردين الحوثيين!
وهذا الموقف يتناغم ويتقارب مع الموقف الأمريكي الذي يصف القاعدة بجماعة إرهابية، بينما ترفض أمريكا إدراج الحوثيين في المنظمات والتنظيمات والحركات الإرهابية وفق المعايير الأمريكية ولاشك أن السلطة والمعارضة يتنافسان على التقرب من الحوثيين وتقديم خدمات مجانية للمتمردين وبالنسبة للحراك فقد أعلنت قيادته أن لا علاقة لهم بالتوقيع على محضر الاتفاق وأن قضيتهم تختلف وهي الاستقلال واستعادة دولة الجنوب العربي وفك الارتباط مع (الجمهورية العربية اليمنية) حسب أقوالهم.
والعجيب أن قوى الحراك رفضت وترفض كل الحلول والمعالجات التي يتحدث عنها المشترك في وثيقة الإنقاذ بما في ذلك خيار الفيدرالية، وهذا يؤكد على أن المسافة بين المشترك والحراك واسعة وشاسعة فما بالك بالمسافة بين السلطة والحراك، فالمعادلة صعبة والقضية تتطلب حلولا عاجلة ومعالجات حقيقية وإصلاحات ملموسة وحوارات مستمرة بعيداً عن الخطاب الإعلامي والصخب السياسي والضجيج المفتعل.
وعلى المؤتمر والمشترك وبقية القوى الوطنية وهم يسعون لتنفيذ اتفاق فبراير والقيام بإصلاحات سياسية ودستورية وانتخابية عليهم إدراك أن هناك مخاطر كبيرة وتحديات عديدة تواجه بلادنا وامنها واستقرارها واستقلالها وسيادتها ووحدتها ومستقبلها وأن كل ذلك متعلق بالتوافق الوطني والاتفاق السياسي ولاشك أن أمين عام التجمع اليمني للإصلاح الأستاذ عبدالوهاب الآنسي كان يدرك ذلك عند قال: "لسنا مستعدين أن نسهم باي شيء ضد مصلحة البلاد وهناك من يتصرف بعيداً عن هذا المفهوم لغرض المصلحة الشخصية"!!