لأكثر من خمس مرات خلال شهر واحد ترددت أم منصور الخلقي -وهي عجوز في الستينات من عمرها- على "المصدر" لتعلن بما تبقى لديها من جهد عن عجزها وضعفها في وطن غابت فيه الرحمة مثلما غاب القانون. كانت الوالدة المسنة تحبس دموعها وهي تحكي قصة وحيدها المودع وعائلها منصور في السجن.
منصور غادر أسرته إلى السجن المركزي بصنعاء 2000م بحكمٍ قضى بسجنه عامين ونصف ورد مبلغ ستة وثلاثين ألف دولار إلى غريمه الذي يتهمه بأخذها. كم كانت أمه تجتهد وهي تنفي عنه هذه التهمة: ابني جلس في الحبس سبع سنين مش سنتين ونص، ولو كان في معه زلط كان أهون علينا ندفع الذي طلبوه وأكثر ولا هذا العذاب".
بعد سبع سنوات قضاها منصور (ملازم أول في الفرقة الأولى) في الحبس أفرجت عنه المحكمة بحكم إعسار وعاد ليمارس حياته بشكل طبيعي، لكنه فوجئ بوضع غير طبيعي أبداً؛ سيارته محجوزة منذ سبع سنوات بتهمة منصور، لكنها لم تستطع الصمود مثله، فقد اختفت منها كثير من القطع. تقول أمه: "السيارة شلحوها في الحوش. والصدق يا ولدي إن احنا ما جزمنا ندورها خائفين من قضية الستة وثلاثين ألف...".
صرف منصور نظره عن السيارة وعاد إلى وظيفته ليجد أن راتبه قد أصبح نصف راتب فقط.
تسعة وعشرين ألف ريال راتب موظف يعول أسرة من تسعة أفراد هو عاشرهم. ثلاث سنوات بعد الإفراج عنه قضاها منصور وأسرته وهم يكابدون هذه الحال البائسة. ومنذ ستة أشهر أصبحت هذه الحال حلماً يتمنى أن يعيشه أبناؤه وأسرته. بحسرة وألم تحكي أمه ما حصل: "قبل ستة أشهر ما درينا إلا بعسكر يبزوا منصور مرة ثانية للحبس وقالوا إن غريمه استأنف، وبزوه للحبس حتى من غير ما تحكم محكمة الاستئناف... وطعنّا في المحكمة العليا لكنهم ما ردوا لنا علم لليوم..".
كانت الأم تكرر بين كل عبارتين "والله والله إن منصور مظلوم ولا في معه ريال..." لكنها مع ذلك لم تعد تسعى لحكم براءة لولدها لكنها تتحسر على ولدها الذي أخذ ثانية إلى الحبس وقد صدر بحقه حكم الإخراج من المحكمة ولم يصدر حكم آخر يقضي بإعادته إلى السجن.
هي في الحقيقة إذن تتحسر على قانون غائب وليس على منصور فقط.
أم منصور تناشد اللواء علي محسن "تعسكر ابني عند علي محسن وعاده جاهل، وكان يدرس منازل من أجل يبقى عسكري عنده في الفرقة الأولى.. واليوم قده رائد، لكن ما الفائدة رتبة بنص راتب..".
عندما توجهت الأم بالكلام إلى اللواء علي محسن لم تطلب منه غير تسوية وضع منصور. بينما كانت تتوجه –من أجل الإنصاف- إلى المحكمة العليا. العجوز الطاعنة في السن لم تدرس القانون لكنها بقانون الفطرة تدرك ما يقع تحت سلطة اللواء وما يقع تحت سلطة المحكمة العليا، وتتوجه بكل بساطة إلى الجهتين كل فيما يخصه لتسوية وضع منصور.
بالتأكيد يستطيع قائد الفرقة الأولى، اللواء علي محسن، الذي يعتبر منصور أحد رعاياه، أن يفعل أكثر من مجرد تسوية راتب منصور. بوسعه أن يسعى لدى الغريم لإيقاف هذا الفصل من معاناة أسرة كبيرة على رأسها عجوز تشارف على السبعين وآخرها طفل لم يتجاوز العامين. نحن نناشده أن يفعل ذلك.