القوات الحكومية تُحبط خطة حوثية إجرامية في حجة    - الصحفي السقلدي يكشف عن قرارات التعيين والغائها لمناصب في عدن حسب المزاج واستغرب ان القرارات تصدر من جهة وتلغى من جهة اخرى    إب تحت رحمة الحوثيين: جبايات متزايدة ومعاناة مستمرة!    بحضور نائب الوزير افتتاح الدورة التدريبية لتدريب المدربين حول المخاطر والمشاركة المجتمعية ومرض الكوليرا    شرح كيف يتم افشال المخطط    "الغرف المخفية" تُفضح فساد الحوثيين وتُجبرهم على بيع "ذهبهم" بأبخس الأثمان!    ناغلسمان يعلن مشاركة نوير في ودية اوكرانيا    بدء دورة تدريبية في مجال التربية الحيوانية بمنطقة بور    منظمة التعاون الإسلامي تدين محاولات الاحتلال الاسرائيلي تصنيف وكالة "اونروا" منظمة إرهابية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و439 منذ 7 أكتوبر    "أوبك+" تتفق على تمديد خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط    ولي العهد الكويتي الجديد يؤدي اليمين الدستورية    الملايين بالعملة الصعبة دخل القنصليات يلتهمها أحمد بن مبارك لأربع سنوات ماضية    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    ضربات هي الإعنف على الإطلاق.. صحيفة تكشف عن تغير أسلوب ''التحالف'' في التعامل مع الحوثيين    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    بالصور.. باتشوكا يحصد لقب دوري أبطال الكونكاكاف    جدول مباريات وترتيب مجموعة منتخب الإمارات في تصفيات كأس العالم 2026    يقتل شقيقه بدم بارد.. جريمة مروعة تهز مارب    القبض على أكثر من 300 أجنبي في مديرية واحدة دخلوا اليمن بطريقة غير شرعية    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    "لماذا اليمن في شقاء وتخلف"...ضاحي خلفان يُطلق النار على الحوثيين    ما خطورة قرارات مركزي عدن بإلغاء العملة القديمة على مناطق سيطرة الحوثيين؟.. باحث اقتصادي يجيب    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    خراب    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب أوباما تشقّ طريقها إلى اليمن!
نشر في المصدر يوم 04 - 11 - 2010

في العام 1985 قامت إدارة الرئيس الأمريكي ريغان بوضع متفجرات في شاحنة أمام مسجد في لبنان. انفجرت القنبلة الضخمة وقتلت في طريقها 80 شخصاً كانوا خارجين من صلاة الجمعة. أما الجرحى فلم يكونوا سوى 200 جريح فقط. يعلّق كاتب أميركي مرموق على هذه الحادثة فور وقوعها: إننا يجب ألا ننسى أن أمريكا هي الدولة الإرهابية الأولى في العالم. وإن هذا الاتهام ليس دون أدلّة، يقول المفكر الأميركي.

لندع ناعوم تشومسكي يذكرنا بواقعة أخرى: أدانت محكمة العدل الدولية، 1986، استخدام أميركا غير المشروع للقوة في بلد لاتيني صغيري (نيكاراغوا). والاستخدام غير المشروع للقوة، بالتعريف القانوني، هو الإرهاب، حتى طبقاً لتعريف الإرهاب في قاموس القوات المسلّحة الأميركية (استخدام السلاح ضد أفراد أو جماعات لتكريس إيديولوجيا معيّنة أو لتحقيق أغراض دينية أو سياسية غير مشروعة). حدث بعد الإدانة أن الولايات المتحدة الأميركية رفضت حكم المحكمة القاضي بدفع تعويضات لضحايا العملية العسكرية الأميركية في نيكاراغوا. لقد قدرتهم مصادر دولية بأكثر من عشرة آلاف مواطن ضحية لقصف أميركي غير شرعي (إرهابي، بالمعنى القانوني). في الوقت نفسه أعلنت أميركا أنها لن تعترف بهذه المحكمة بعد ذلك. لنلاحظ أنها اعتبرت حكم محكمة الجنايات الدولية ضد البشير حكماً أممياً ينبغي احترامه وتفعيله! بحثت نيكاراغوا عن العدالة، فتقدمت بطلبٍ متواضع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة: على جميع الدول احترام القانون الدولي. هذا كل ما أرادته نيكاراغوا، لكن أميركا وإسرائيل ومعهما دولة حليفة (السيلفادور) رفضتا هذا المقترح، وأفلتت أميركا من العقاب. في الحقيقة: غاصت قوائم نيكاراغوا في العقاب إلى منتهى الألم والخذلان.

في «حفارو القبور» و «أميركا طليعة الانحطاط» يتحدث المفكر الفرنسي روجيه غارودي عن أميركا التي تفعّل مقولة أدولف هتلر حول «المستهلكون عديمو النفعthe useless eaters». وهم بالنسبة لهتلر: الغجر والمرضى وكبار السن، وعلى ذلك فهم يستحقون القتل. وبالنسبة لغارودي: فإن هذا هو ما تمارسه أميركا بشكل منتظم في أفريقيا، إذ تعمل على إخصاء أجيال وسلالات أفريقية بشرية – وصلت إلى 37 في المائة في بعض مناطق أفريقيا- باعتبار أن ما ستنتجه هذه الأمم الأفريقية من «بشر» لن يكونوا سوى فائضين عن الحاجة، وعبئاً حقيقياً على كاهل الكوكب. فضلاً عن أن هذه السلالات، كما هي آلية عمل الذهنية المادية الأميركية، لن يكون بالمقدور تحويلها إلى مستهلكين قادرين على الإنفاق والاستدانة لأجل تبذير سائل المال في «ماكدونالدز» و«ستاربوكس». لنتذكر أن نجمة الغناء الأميركي مادونّا هي أشهر من عبر عن هذه الأخلاق الأحادية الجسمانية، أو الإنسان الاقتصادي كما يسميه المفكر الراحل المسيري، عبر أغنيتها الشهيرة: أنا مادية. وهكذا: فإن الإنسان الذي ليس بمقدوره أن يكون مادياً، بمعنى: قادراً على الإنفاق والاستهلاك، فهو عبءٌ فائض عن الحاجة بحسب المرجعية الأخلاقية الأميركية المعاصرة. وهنا يجري عرض عملية قتله، والإشارة إليها، كما لو أن الأمر يتعلّق بإزالة كومة من النفايات الآدمية غير الصالحة للاستخدام المدني.

يلاحظ أن أميركا، كما يرصدها الأميركي ناعوم تشومسكي، تفرق بين قتل «البشر المهمّين» عن قتل أولئك «غير المهمّين». لقد قتلت، كما يقول روغيه غارودي، 9 ملايين وتسعمائة ألف هندي أحمر من حاصل عشرة ملايين ساكن أصلي هم الملاك الحقيقيون لأرض الأحلام، أميركا. ولو استعرنا تعليق مفكر عربي كبير، هيكل، فيمكننا القول إن الدولة التي وصفها تشومسكي بأنها رائدة الإرهاب العالمي، ووصفها غارودي بأنها طليعة الانحطاط الأخلاقي البشري، لم تكن تعترف بحق الهنود الحمر في البقاء على أرضهم إلا في موضعين اثنين: قبور الهنود الحُمر، ومعسكرات اعتقال الهُنود الحُمر. لقد كان تعليق المثقفين، والرسميين، الأميركيين عقب 11 سبتمبر: إن الذين هاجمونا انطلقوا بدافع من الحقد والكراهية ضد «القيم الأميركية العُليا». ولا يبدو في الأفق أن «العُليا» نظيرٌ للمثالية والأخلاقية، بل للقوة والبطش والهيمنة السادية. فالسلوك الأميركي الرسمي، السياسي والعسكري والاقتصادي، تجاه العالم الضعيف، والهنود الحُمر في المقدمة، شبيه إلى أبعد مدى بمعسكرات «أوشفيتز» التي أقامها هتلر. ثمّة ما يربط الصورتين على نحو أعمق: الوثائق التاريخية التي تتحدث عن استخدام المحتجزين في المعسكرين، الهتلري والأميركي، لإجراء تجارب حول عقاقير وعلاجات دون أدنى ضمانات، أو مسؤولية أخلاقية أو إنسانية. مع فارق الزمن، بالطبع، فأميركا دشنت هذا السلوك الإرهابي قبل هتلر بعقود طويلة، ولكنها استمرت بعد رحيله وطورته لدرجة أنها أنتجت أخلاقاً وسلوكيّات وصفها الميجور جنرال أنتونيو تاغوبا في تقرير رسمي حول «أبو غريب» بأنها «انتهاكات إجرامية متميزة بساديتها الصارخة وطابعها الخليع». يحدّثنا سيمور هيرش في البرنامج الأميركي الشهير «الطبعة المتأخرة» عن مقارنة مماثلة. إن ما تمارسه أميركا في سجون العراق هو ذلك الذي استخدمه أدولف هتلر في معسكرات الاعتقال التي أسسها. يصرخ هيرش في المشاهدين: إنكم تعرفون إنها مماثلة لتلك الصور من الرايخ الثالث.

وبطريقته فائقة الذكاء يعلّق ناعوم تشومسكي في كتابه حول أحداث 11 سبتمبر «لقد قامت الولايات المتحدة خلال الخمسين سنة الأخيرة باللجوء إلى العنف واستخدام القوة العسكرية في جميع أنحاء العالم تقريبا، ولكن هذه هي المرة الاولى التي توجه فيها البنادق إلى الاتجاه الآخر». إن مثل هذا الطرح لا يخلو من شجاعة، فهو يتعرض للعقيدة الأميركية في صميمها، تلك القائمة على «عمل أي شيء لمصلحة أميركا، حتى وإن كان غير قانوني» طبقاً لمقولة رسمية أميركية في منتصف التسعينات. كما أنه أيضاً طرحٌ يفتح النار على صاحبه ويضعه في خانة «أعداء الأمة الأميركية» بعد أن أطلقت عليه المنظمات الصهيونية في أميركا مصطلح: اليهودي المناهض للسامية. لا ينبغي أن نشعر بالملل من الاستشهاد ب/ والإحالة إلى كتابات ناعوم تشومسكي فهو «أهم مفكر على قيد الحياة» طبقاً لنيويورك تايمز، كما أنه يضاهي فرويد وآينشتاين طبقاً لبوسطن غلوب.

الطرود المفخّخة.. كذبة سطحية لإنقاذ أميركا من كارثة عميقة
في هذه الأيام تناقش الصحافة الأوروبية والأميركية الكتاب الجديد «حروب أوباما» لألمع الصحفيين الأميركيين المعاصرين: بوب وودورد، صاحب قصة ووترغيت التي تفوقت شهرتها على قصة مذبحة «ماي لاي» الأميركية في فيتنام،1967، للصحفي اللامع سيمور هيرش. وبمناسبة هيرش، فقد وصفته مجلة نيوزويك بالقول: إذا كان هناك مكافئ صحافي لحبة الفياغرا فهو سيمور هيرش.

ولأننا الآن لانزال نتذكر وجه أوباما وهو يطل مساء الجمعة الماضية على وسائل الإعلام مهدداً بتدمير القاعدة في اليمن، على هامش تعليقه حول «طرود مشبوهة قادمة من اليمن»، فلندع بوب وودورد يحدّثنا عن قصة مماثلة. في كتابه «القادة» يحدثنا عن الرئيس الأميركي بوش الأب الذي وقف أمام البيت الأبيض، 1989، وبيده كيس أبيض. رفعه أمام الصحفيين ووسائل إعلام عالمية وأكّد بحزم: لقد صمتنا عن إيمانويل نورييغا كثيراً، لكن تجار المخدرات الذين يدعمهم هذا الديكتاتور قد اقتربوا ببضاعتهم من البيت الأبيض ذاته. هذا ما عثر عليه رجال الإف بي آي بالقرب من البيت الأبيض. يتحدث وودورد عن كيف أن هذه القصة وضعت في السياق الكلي، حيث الترتيبات الأميركية لغزو بنما والسيطرة على خليج بنما، الممر المائي المُهِم بالنسبة للمجال الحيوي الأميركي. لا يترك وودورد القصة عند هذا المستوى، فهو ينطلق بسرعة الطلقة لكي يرويها من الزاوية الأكثر إثارة: قام عملاء للإف بي آي بالاتصال ببعض تجار المخدرات واتفقوا معهم على شراء كميات من الهيروين. تحدد المكان ووصف بالقرب من البيت الأبيض. جاء الباعة فألقى عليهم القبض رجال المخابرات الأميركية.

لقد كان هناك بالفعل «هيروين» في الكيس الذي عرضه بوش على العالم، تماماً مثلما كانت هناك قنبلة احترافية في الطرد القادم من اليمن. دبّرت أميركا القصّة الأولى لأجل التدخل العسكري في بنما وعبر تجار مخدرات حقيقيين كانت أجهزة بوش تعرفهم جيّداً، وتستخدمهم عند الحاجة. وبصورة يمكن أن تكون مشابهة: لقد عرفت أميركا عن الطرد القادم من اليمن أكثر مما ينبغي أن تعرفه دولة بعيدة عن سلوكيات عصابات محلّية غير محددة الملامح والهويات ناهيك عن أن تتنبّأ بطريقة هجومِهم. فضلاً عن أن العملية التي اكتشفتها أميركا بهذه البساطة هي برمّتها عملية مبتكرة وغير مسبوقة في تكتيكات الجماعات المسلحة المعادية لأميركا. بما يعني أن هذا التكتيك الجديد، شديد الذكاء، لم يتمكن حتى من تحقيق جزء يسير من عنصر المفاجأة. وهو أمر يضخ مزيداً من الشك في معقولية القصة. يترافق هذا الأمر مع سوء السيرة الذاتية للاستخبارات الأميركية في باكستان والعراق، فيما يخص قدرتها على التنبّؤ بهجمات خصومها الجهاديين، حيث الشواهد تؤكّد أن أميركا فشلت وبصورة متكررة للمرة الألف في اكتشاف شاحنات مفخخة لا مجرّد طرود ذكية.

في كتابه «الدول الفاشلة» يحدّثنا ناعوم تشومسكي عن أميركا التي يعرف رجال استخباراتها الكثير عن أسرار «قصة القاعدة». ومع ذلك فإن سلوكهم المستهتر تجاه القاعدة أصبح يثير الريبة والشك في فكرة وجود القاعدة كحقيقة نهائية. وهكذا ففي مكتب خاص في السي آي إيه يوجد 19 موظفاً، اثنان منهم فقط يتتبعون نشاط ما يعرف بتنظيم القاعدة فيما يتفرّغ 17 موظفاً لمراقبة كوبا! إن هذا الأمر لا يعطي صورة مشرقة عن العين الأميركية الساهرة التي يمكن أن تكتشف طرداً مفخخاً على بعد أكثر من 10 آلاف كيلو متراً. هل صدّقتم أن طالبة في كلية الهندسة – من المفترض أنها تتمتع بآي كيو (معدل الذكاء) مرتفع- ستضع صورة بطاقتها الشخصية على «شحنة متفجّرات»؟ هذا الابتذال في العناصر الداخلية للقصة يدعو إلى التريّث، ويستدعي الانتباه لمراقبة كيف يمكن أن تكون هذه القصة قد نشأت في الأساس.

بول كروغمان يحدّد مدى المأزق الأميركي المرعب
لندع واحداً من أهم صناع الرأي في أميركا يتحدّث إلينا فيما موضوع ذي علاقة مباشرة بقصة الطرود المفخخة. إنه بول كروغمان، الاقتصادي اللامع الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد. في مقاله المنشور في صحيفة «ستار» الصادرة في كوالالمبور، بتاريخ 1 نوفمبر 2010 ، كتب كروغمان تحت عنوان «لو انقسمنا سنسقط»: «ثمّة قلق مريع في أميركا، فالجمهوريون على وشك أن يسيطروا على الأقل على واحدة من الغرف التشريعة في أميركا (...) لو حدث هذا فإنه سيكون أمراً مريعاً بالنسبة لنا. إن المؤرخين المستقبليين سينظرون إلى العام 2010 باعتباره كارثة حلّت على أميركا Catastrophe for America. سيكون حدثاً من شأنه أن يدخل أميركا في سنوات من الفوضى السياسية والهشاشة الاقتصادية». وبعد تحليل عميق لصاحب نوبل فإن أمنيته كانت في الحيلولة دون وصول الجمهوريين إلى الكونغرس لأن من شأن نتيجة كهذه أن تحشر الرئيس أوباما في البيت الأبيض مكتوف الأيدي غير قادر على فعل شيء. إنه لأمر مريع بحق، طبقاً لكروغمان، لا يقل شأناً عن كارثة الفقاعة الاقتصادية ذاتها. يشير كروغمان إلى لقاء أجرته «ناشيونال جورنال» مع مكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية في الكونغرس. قال مكونيل للصحيفة: في حال فوزنا فإننا لن نتعامل مع أوباما إلا في ظروف بعينها، أن يتبنى أوباما المواقف التي تحظى بدعم الجمهوريين لا تلك التي يريدها الديموقراطيون. يتوقع السياسيون والمحللون الأميركيون أن لا يفعل أوباما مثل هذا الأمر، بل يستحيل أن يقدم عليه. وهو ما سيعني أن ينطلق الجمهوريون إلى الخطة «ب» وهي في الواقع الهدف الأساسي كما ورد على لسان مكونيل: إن هدفنا الوحيد والأهم هو أن نجعل من رئاسة أوباما لفترة واحدة فقط. وبالنسبة لكروغمان فإن الجمهوريين سيعمدون إلى إدخال أميركا في فوضى سياسية ستقود في النهاية إلى القضاء على سمعة أوباما وتدمير حظوظه السياسية. ومع أوباما، طبقاً لهذا اللون من التفكير الأميركي، فإن أميركا ستعاني بعمق شديد على أكثر من صعيد. فهي بالكاد بدأت تخرج من فاجعة انفجار الفقاعة الاقتصادية القاتلة.

حسناً، فإذن الأمر لا يتعلق بأوباما شخصياً بل بأميركا مجتمعة. إنقاذ المأزق السياسي الأميركي عن طريق ذبح نعجة صغيرة: لتكن دولة اسمُها اليمن. وكذلك السعوديون الذين لا يبدون ارتياحاً لقدوم الجمهوريين بمشاكلهم وإيديولوجيتهم التي لا تقف عند حدود ثابتة. هذه الخلفية ستساعدنا كثيراً في فهم قصة الظروف المفخخة، وخروج أوباما شخصياً للإعلان عن نجاح استخباراته في حماية أميركا منها.

مرة أخرى: هيروين نورييغا وطرود بنت السماوي
لقد عثرت أميركا على كيس الهيروين البنمي، وكذلك الطرود المفخخة اليمنية، في الوقت والمكان المناسبين وبسلاسة متناهية الإحكام. وفيما يبدو فإن الرئيس أوباما يكرّر ما فعله بوش باستخدام الحيلة الأمنية ذاتها. وهذا، في تصوّري، قد يفسّر إشارته الودودة تجاه السعودية: حيثُ يمكن أن تكون السعودية قد أوعزت إلى أحد عملائها في قاعدة اليمن بإرسال طرد مفخخ، أو سلسلة طرود، عبر فيديكس وأن يوجّه الطرد إلى كنيس يهودي يوجد في أقصى العالم. فكرة الكنيس اليهودي ذكية بما يكفي للتمويه على الخطة الاستخباراتية، ولتفسير السرعة في اكتشاف خطة الهجوم. لكنها ليست ذكية لدرجة تجعل من فهم الحيلة أمراً متعذّراً. فالهجوم على كنيس في أقصى العالم لا يعد مكسباً بالنسبة للحركات الجهادية العنيفة يستدعي حرق هذه التقنية الجديدة في هجوم كهذا، وكشف أسرارها للخصم لمجرّد استخدامها لمرة واحدة. كان من الأيسر، والأكثر معقولية، بالنسبة لما يسمى بالقاعدة أن يرسلوا طرداً ملوثاً بمواد سامّة (الأنثراكس، مثلاً) على عنوان ليهودي يمني في تل أبيب عبر انتحال شخصية قريب له من يهود اليمن. هذا ما لن يحدث، فهذه التنظيمات الإسلامية الجهادية لم تسجل إلى الآن نقطة واحدة في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، فهي ليست أكثر من منتج وهابي سعودي يعتقد أن معركته الحقيقية هي مع الحكّام الكفرة ومع الشيعة المشركين. وعلى هذا فهو يدير صراعه معهم عبر مهاجمة ما يعتقد أنها آلة الحماية الخاصة بهم: أمريكا وبريطانيا، أو أجهزة الأمن التابعة لهُم. ولأن الأمر كذلك فثمة إذن ما يدعو للسخرية من إعلان دبي وصنعاء وواشنطن أن هذه العمليّة تحمل بصمات وطابع عمليات القاعدة. فمنذ الأساس، فإن التنظيم المسلّح ليس في وارِد إسرائيل فأين هي البصمات «التقليدية» للتنظيم؟ من المتوقّع أن يعلن التنظيم مسؤوليته عن الحادث لأنه يبحث عن دلائل توهم العالم بحضوره الفاعل وقدرته على البقاء. إن تبنّي عملية كهذه سيبث الحياة في جسد هذا التنظيم (في الواقع: سلسلة التنظيمات المسلّحة) وقد يعطيه زخماً خاصاً على شكل أنصار احترافيين ومتحمسين جدد. سيكسب من القصة على طريقته حتى وإن كانت تقع خارج قدراته ومجاله فاعليته وتكتيكه.

عقب الفراغ من وضع الطرود في مكتب فيديكس بساعات معدودة جرى تدشين المرحلة الثانية: الإعلان عن طرود مشبوهة قادمة من اليمن، وإسداء الشكر للسعودية، لا لليمن. ثم إعادة تصدير التهديد بتدمير القاعدة في اليمن. كانت هذه هي الفقرة الأولى في الخطة. لكن: لماذا يمكن أن يحدث كل هذا؟ سنؤجل الإجابة إلى النصف الثاني من المقالة. لنلاحظ أن شكر أوباما للسعودية يشكل ضاغطاً معنوياً وأخلاقياً شديداً على النظام اليمني. في الأيام القادمة سيفعل النظام اليمني أموراً، وسيقدّم عروضاً، تستوجب الشكّر أو هكذا سيظن. ومن ذلك أنه لن يشعر بالخجل بعد الآن تجاه أي عملية ناريّة يقوم بها الطيران الأميركي في اليمن. إن الأمر يتعلق بمحاولة النظام اليمني غسيل سمعته عالميّاً وإعادة التموضع في جبهة الدول المناهضة للإرهاب بكفاءة ومصداقية. إن هذا يعني أن الفقرة الثانية من خطّة أوباما قد تحققت بالفعل: لقد فتحت اليمن مجالها الحيوي وبصورة نهائية أمام النار الأميركية، بعد أن تعقّدت الأمور نحواً ما عقب كشف صحيفة نيويورك تايمز القصة الحقيقية حول دور الصواريخ الأميركية في مقتل الشبواني في مأرب. وهو أمر أحرج الرئيس اليمني وزاد من ضراوة منتقديه بحسبانه لا يزال يفرّط في موضوع السيادة مقابل مكاسب ذاتية يتحصل عليها دولياً تتعلق بترتيبات البيت الكريم على المدى القريب والمتوسّط.

كانت مسرحية هيروين نورييغا، المُشار إليها سابقاً، من فصل واحِد هدفت في الأخير إلى خلق تبرير أخلاقي وأمني لما تنوي أميركا أن تقوم به فيما بعد. أي: لتلك الحملة العسكرية البشعة التي قام بها الطيران والمارينز ضد بنما ورئيسها إيمانويل نورييغا. ليس لأنه زوّر انتخابات 25 مايو 1989، ولا لأنه يدعم تجار المخدرات، بل لأجل عيون خليج بنما. لقد كان الخطأ القاتل، طبقاً لوود ورد، أن نورييغا اختلف مع المصالح الأميركية العُليا. وهي، أميركا بالطبع، لا تمانع تجاه أي سلوك يقوم به رئيس أي دولة في أي مكان في العالم ما دامت المصالح الأميركية مرعيّة، وطالما سمح لبلاده أن تسبح في المجال الحيوي النفعي الأميركي.

ها هو أوباما يعلِن أنه سيدمر القاعدة في اليمن. وبالطبع فأوباما ليس لديه فكرة حول تدمير القاعدة في اليمن سوى «حروبه في باكستان». وفيما يبدو فإن أوباما سيتجه إلى تدمير القاعدة في اليمن عبر وسائل استعراضية ستؤدي في الأخير إلى تفتيت الدولة المركزية في صنعاء. فلن يكون بمقدور هذه الدولة الهشّة التصدّي لكل الغضب والتمرّد الذي ستشعله الضربات الأميركية على غرار ما حدث في أبين ومأرب. بما يمكن أن يعني: القضاء على آخر ممكنات السلام العام في هذا البلد المرتخي. ضربة جوية أميركية في مأرب، في الشمال، أغرقت صنعاء في الظلام يوماً كاملاً وانتهت بأن تقلّد شيخ القبيلة الحزام الخاص (العسيب) بالرئيس اليمني. أما ضربة المعجّلة، في الجنوب، فقد أعطت الحراك الجنوبي زخماً عالي الكثافة، زاد من سطوته تعامل الإعلام اليمني الرسمي مع الحادثة، ثم التعامل الرسمي المتساهل وغير المبالي بالضحايا.

ويُعتقد أن القادة في اليمن لن يكون بمقدورِهم امتصاص النتائج الكارثية لأي ضربات أميركية جديدة حتى لو رقصوا «ستربتيز» بداية بخلع الحزام وانتهاء بالجورب. الضربتان الصاروخيتان ضد (ما يسمى) تنظيم القاعدة في اليمن زادتا من عدد الثقوب في جسم النظام المركزي المريض. وهي ثقوب من المتوقع أن تزيد مع أي جرائم أميركية جديدة في اليمن، في الطريق إلى إنتاج صومالستان (صومال + أفغانستان) على البحر.

تاريخ الساسة والعسكريين الأميركيين الأحمق مليء بشواهد على بساطة تفكيرهم، ويفضح تورطهم في القضايا التكتيكية الآنية التي تؤدي في الأخير إلى هزائم استراتيجية كبيرة على المدى المتوسط والبعيد. يتحدث وودورد في كتابه الجديد حول حروب أوباما، ويذكر أفغانستان. ينسب إلى مصادره قولهم إن الاستراتيجية الإجمالية لأوباما في أفغانستان هي «الهروب من هذا البلد وتركه لأهله»! بالرغم من أنه دشّن حكمه بتعزيز القوات الأميركية هناك ب 35 ألف مقاتل. وبحسب الكتَاب فقد قال أوباما لمقرّبيه: إن تفكيري وقلبي الآن أصبحا خارج أفغاستان تماماً. هذا، برغم أنه في مهرجاناته الانتخابية كان يسخر من جون ماكين، ويصرخ على المنصات: إن حربنا الحقيقية هي أفغانستان، وليست العراق. ومع ذلك فإن أوباما – طبقاً لمعارضي الحرب في أميركا- لم يكن يمتلك تصوّراً واضحاً حول ما الذي يجعل الدخول في أفغانستان حرباً أميركية حقيقية. وهو سؤال لم يجب عنه بيل كلينتون وهو يزج بالمارينز في الصومال.

وبمقابل الانسحاب من الحرب الخاسرة في أفغانستان سيفكّر أوباما بخوض حرب «ناجحة» وقليلة الكلفة في اليمن. إذ إن انسحابه من أفغانسان دون تقديم إجابات واضحة حول ماهية ودرجة الخطر الذي تركه خلفه هناك، سيعني في أبسط درجاته بالنسبة للمواطن الأميركي انكفاء القادة الأميركيين إلى الداخل وترك أميركا عرضة لأسباب الفناء، وفقاً لدعايات الآلة الإعلامية الأميركية الهائلة التي خلقت هذا اللون من التفكير البسيط والساذج لدى المواطن العادي. وهو ما قد يؤثر بصورة قاتلة على فرص الديموقراطيين في الانتخابات القادمة. حسناً، لتكن الحرب في اليمن إذن. ولا بد من اختلاق الذرائع. ستردّ الاستخبارات السعودية: بالنسبة لنا يمكننا تزويدكم بمقترح لخطة دقيقة. يتبادل الطرفان حديثاً تقنياً ثم يقرران تفعيل المقترح السعودي بسرعة. هذا فرض شديد الاحتمال لإعادة بناء القصة من جديد!

قبل أسابيع قليلة غضب الألمان من تحذيرات أميركية غير حقيقة، وغير نزيهة، من خطر إرهابي وشيك في أوروبا. وها هي الأكاذيب الأميركية تتجه إلى اليمن في طريقها الصحيح كما يخطط أوباما. سيكون هناك بديل يملأ شاشات الأخبار والصفحات الأولى في الجرائد: أمريكا تحقق تقدماً في مواجهة الإرهاب في اليمن. يقول الرئيس اليمني: لن نسمح بوجود قوات أميركية على الأرض، ويقول أوباما: لن نرسل قوات أميركية على الأرض لأن خبرتنا في أفغانستان كانت قاسية للغاية. وبطريقة ألعاب الكومبيوتر: ستفجّر أميركا الأرض تحت أقدام السكّان المحلّيين في جبال ووديان اليمن. وبالنتيجة: تحت أقدام المشير علي عبد الله صالح في صنعاء. ففي لقاء أجراه المخرج والإعلامي المعروف مايكل مور مع أحد كبار القادة العسكريين الأميركيين سأله: إذا كانت القاعدة في أفغانستان وكذلك طالبان فلماذا اتجهتم إلى العراق؟ رد الرجل العسكري ببرود: لأن أفغانستان، كما أخبرنا رامسفيلد، ليس فيها أهداف كافية على الأرض لقصفها. وربما لو جاز لنا أن نخمّن، فقد اكتشف أوباما أن مثل هذه الأهداف يمكن أن توجد في اليمن.

وفيما يبدو فإن اليمن ستكون مزيجاً من الدولتين، الصومال وأفغانستان: صومالستان على بحرين، مضيق، خليج، ومحيط! وعلى بعد بضع عشرات من الكيلومترات من مخازن الطاقة العالمية، في الخليج.

تقول استطلاعات رأي كثيرة إن الانتخابات الأميركية القادمة ستقود إلى كونغرس أميركي بأغلبية جمهورية. إنه أمرٌ بالنسبة لأوباما لا يمكن احتماله فقد يصيب مشاريعه الرئاسية بالشلل التام. ثمة سؤال حي في الصحافة الأميركية: هل سيحكم أوباما بكونغرس جمهوري؟ فالتوقعات تذهب إلى احتمال هزيمة حتى أشد الشخصيات الديموقراطية قوة في السباق الوشيك: بمن في ذلك نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب. ارتعاد فرائص أوباما من هذا الاحتمال الجاد سيقوده في الأيام القليلة إلى ارتكاب سلسلة من المجازفات الخارجية التي (يعتقد أنها) يمكن أن تعيد ترميم صورته باعتباره حامياً للأمن القومي الأميركي. هذا ليس مستبعداً، فقد ألغى مساعدوه، قبل أسبوع واحد، من برنامج زيارته المرتقبة للهند فقرة تتحدث عن «زيارة معبد سيخ». كان التبرير الذي ساقوه نقلاً عن أوباما: لا أحب أن يراني الشعب الأميركي وأنا أرتدي عمامة السيخ، لأنه صورة من شأنها أن تؤكّد لديهم فكرة أني رئيس مسلم. تقول التقاليد السيخية: لا تدخل إلى المعبد إلا بغطاء الرأس، ويقول أوباما: الانتخابات قادمة وأنا لن أفعل ما قد يؤثر على نتائج الديموقراطيين بصورة سلبية. وبالطبع، فإن من الأمور التي قد تؤثر على نتائج الديموقراطيين بصورة إيجابية هي المنظر الكولونيالي الإمبراطوري لصواريخ كروز إذ تسقط فوق رؤوس مواطنين يمنيين بسطاء، بذريعة البحث عن أعضاء القاعدة باستخدام الصواريخ، ونظريات المقذوفات!

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.