سمعت أن مدرب ريال مدريد «مورينيو» طلب من اتحاد كرة القدم الأسباني السماح له بوضع مرايات جانبية على أكتاف لاعبي الريال حتى يتسنى لهم رؤية الكرة التي يتبادلها لاعبو برشلونة بأعقاب أقدامهم، وهذه نكتة جيدة، لكنها ليست كذلك بالنسبة للمدريديين أبداً، بعد الخماسية النظيفة التي تلقاها مرماهم من «البرشا» في الكلاسيكو الشهير مساء الاثنين قبل الماضي. كان أسبوعاً صعباً لهم مثلما كان لمحبي كرة القدم اليمنيين، وفي الحقيقة فقد كان الأسبوع الماضي رياضياً بامتياز، ولا أحد خلال الأيام الماضية استطاع الإفلات تماماً من أحزان كرة القدم وأفراحها أيضاً. الفرحة الكبرى والتاريخية جاءت من زيورخ بسويسرا، وبالتحديد من مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم، كانت قطر في تلك الليلة على موعد مع المجد، حين ظهر اسمها متوسطاً البطاقة البيضاء التي سحبها جوزيف بلاتر رئيس الفيفا، وهو يعلن اسم الدولة الفائزة باستضافة كأس العالم في العام 2022.
لقد مر وقت طويل جداً على فرحة كبرى تجمع أبناء الوطن العربي، وفي لحظة واحدة تفجرت شلالات البكاء والفرح في أكثر من مكان، كانت لحظة خيالية جداً، والمشهد بدا على غير ما تعودنا عليه من سنين طويلة، كانت وكالات الأنباء في مختلف أنحاء العالم تبث الخبر، وتنقل صور الأسرة العربية التي تحكم قطر وهي تحتضن بعضها بعضاً وتبكي، كان المشهد غير مألوف بالمرة، فنحن لم نتعود على مشاهد من هذا النوع، ولا تحتفظ الذاكرة بلحظة فرح عربية قريبة تأتي من حاكم عربي أو أسرة حاكمة.
لحظة الفوز تلك كانت مثالية تماماً، لأنها لم تأتِ مصادفة، ولأنها وضعتنا من جديد على المحك مع الدولة الكبرى في العالم، لكن في هذه المرة تفوقنا عليها، في هذه الناحية بالذات استطعنا أن نكون أفضل، وقصة هذه الأفضلية بدأتها قطر مبكراً، ولم يكن المشوار سهلاً وقصيراً، بل صعباً وطويلاً شارك فيه نجوم ومدربون مشهورون في كرة القدم من كل أنحاء العالم.
الذين لا يحبون التفاصيل كثيراً، يمكنهم ملاحظة ذلك العمل الكبير والممنهج الذي قامت به قطر من خلال العرض الختامي الذي سبق بساعات إعلان الدولة الفائزة، ابن الحاكم في قطر محمد بن حمد آل ثاني وهو رئيس الملف تحدث بثقة وعرض بمهارة وباللغة الفرنسية أمام أعضاء المكتب التنفيذي للفيفا قدرة بلده على الاستضافة، ثم والدته قرينة حاكم قطر التي تحدثت بالإنجليزية عن الجوانب الانسانية، ثم المدير التنفيذي للملف حسن الذوادي الذي تحدث باللغتين الأسبانية والإنجليزية، وأثناء سماعك للترجمة ترغب بين اللحظة والثانية أن تصفق لهم، كانوا محترفين، ويدركون تماماً كيف يخاطبون العالم وليس أعضاء الفيفا.
ملف قطر الفائز لا يعني أن كل ملفات المنطقة على ما يرام، لكنه إنجاز يستحق الاحتفال، وهؤلاء الناس في قطر منحونا الفرح ويستحقون الشكر والمديح، ونستحق نحن أخباراً مفرحة كهذه، مع ذلك سنسمع من يقلل من قيمة هذا الإنجاز: «هي إلا كرة، لا تخلوش الدنيا محلقة»، لكنها اليوم لم تعد كذلك، ولا أحتاج إلى الكثير من «الهدرة» للدفاع عنها، يكفي أنها استطاعت في الأسبوعين الأخيرين أن تنقل للعالم أن العربي يستطيع المنافسة والتفوق، وليس مجرد صاحب ناقة إلى جوار بئر نفط، وهي نفسها كرة القدم استطاعت أن تقول لإخواننا الخليجيين ما عجزنا عن توصيله لهم على مدار سنين طويلة.
الأخبار الجيدة لم تأتِ من قطر ولا من ملعب النيو كامب في برشلونة (مع الاعتذار للمدريديين)، بل من عدن، ومن اليمنيين الرائعين الذين حملوا إلى جوار إخوانهم الضيوف الخليجيين أعلام كل الدول الخليجية، كانوا الأبطال الحقيقيين في الملاعب والشوارع والمطاعم، ويحكي كفاح فياض وهو أحد الإعلاميين الرياضيين المشهورين في الإمارات قصصاً بالغة الدلالة عن اليمني المستضيف، يقول: تعودنا في المناسبات الرياضية استثمار أبناء البلد المستضيف لكل الخدمات التي يقدمونها برفع أسعارها، لكن في اليمن حدث العكس تماماً، فسائق التاكسي الذي أوصلني إلى الفندق وهو رجل بسيط جداً رفض بكل شهامة أن يأخذ أجراً، وأصر أن تكون ضيافته توصيله لنا، الأمر نفسه حدث في مطعم شعبي عندما فوجئنا بأن اليمنيين الذين على الطاولة المجاورة دفعوا ثمن وجبة الغداء وغادرونا بابتسامة، دون أن يعرفوا سوى أننا خليجيين.
قصص كفاح تكررت على لسان خليجيين كثيرين، ولمسناها نحن هنا في دول الخليج بصورة واضحة جداً، أحد الكويتيين فاجأ العائلة اليمنية التي تسكن في أحد بناياته في الكويت بأنهم معفيون هذا الشهر من الإيجار، ويمكن أن يعفيهم للشهر المقبل بعد فوز بلاده بالبطولة، طبعاً أنا لا أتوقع ترقية في عملي، لكنني أتوقع أن الكثير من الصور السلبية عن اليمن سوف تغادر الذهنية الخليجية، والذين يقرأون كتاب الأعمدة في الصحف الخليجية والتقارير الصحفية سيلاحظ أن«خليجي عشرين» خدم الصورة اليمنية بدرجة لم تكن متوقعة أبدا.
أعرف أن كثيراً من المجاملات والعبارات الدبلوماسية تقال في مثل هذه المناسبات، ويمكن قراءة صورة اللاعبين الكويتيين وهم يدخلون أرض الملعب في المباراة النهائية حاملين العلم اليمني بأكثر من طريقة، هناك أمور تغيرت لا شك، ربما لا تكون بالصورة الخارقة لكنها بالتأكيد سارت في الطريق الذي كنا نأمله نحن اليمنيين ونتمناه.
لقد أثبت اليمنيون في لحظة توق للفرح والاحتفال أنهم قادرون على «بيع الفرح» لإخوانهم الخليجيين بتعبير الصحفي السعودي فواز الشريف، والسؤال الذي كان يبرز دائماً مع مشهد الجموع اليمنية التي حضرت وساندت وواكبت كل الفعاليات: هل نستطيع نحن اليمنيين أن نكون بهذا الحماس عندما يتعلق الأمر بصناعة الفرح في الشؤون المحلية الأخرى؟
فازت قطر بالاستضافة وفاز فريقي المفضل في الدوري الأسباني، وفازت الكويت التي تمنيت لها الفوز بخليجي عشرين، وأنستني الجماهير اليمنية مرارة هزائم منتخبنا الوطني، كل هذا في أسبوع واحد، ينقصني الآن شيء وحيد، أتمنى أن يأتي ولو مرة في العمر، أن أشاهد منتخبنا الوطني على منصات التتويج في البطولات الآسيوية أو في التأهل لكأس العالم، قولوا يارب.