مع تصاعد وتيرة الثورة وتنوع واتساع رقعة الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام في مدينة عدن كبرى مدن جنوب اليمن تتقلص رقعة المناورة للسلطات المحلية في المحافظة باتجاه بوابة الخروج الإجباري انصياعا لمطالب زادها وقودا دماء من سقطوا شهداء وجرحى في ساحات المحافظة خلال شهرين من الاحتجاجات. وكشفت تحركات الشباب المتنوع في اتجاهاته ومشاربه الفكرية والثقافية على نحو كبير في ساحات المحافظة التي قسم شبابها طوقاً أمنياً عمد على تقطيع أوصال المدينة التي شكلت علامة فارقة في مسيرة التطور النضالي وتفكيكاته السلمية التصعيدية منذ العهد الاستعماري البريطاني، لتصل إلى 5 ساحات في مديريات المحافظة الثمان. ففي كل يوم لا تكاد المسيرات تتوقف على مستوى المديريات لتشمل شوارع وحواري داخلية أوقد فيها صوت الشباب شرارات الثورة السلمية حاملين صور الشهداء ومطالب إسقاط النظام ورحيله الفوري. مضت مدة طويلة على الاحتجاجات والاعتصامات في الساحات المفتوحة، ويرى المراقبون أنها أسست لعهد جديد من النضال السلمي الراقي، كما لو أنها – أي الساحات- منتديات لمناقشة الهم العام والتشاور بعد غياب دام عقود، إذ ما تزال مقاهي مدينة عدن (زكو و الشجرة) وغيرها شواهد على مآثر من صنعوا الثورة من رموز الحركة الوطنية نحو التحرر والاستقلال والوحدة. وإزاء ذلك، لا تزال السلطات المحلية تعيش بالعقلية ذاتها التي تعتقد عبثاً أنها ستحميها من طوفان التغيير الذي يقوده الشباب، وآخر مناورات السلطة المحلية في عدن اليوم الأحد فشلت عندما احتشد عشرات من الموظفين سوقوا مجبرين إلى طريق اسفلتي اتخذوه ساحة بين فندق الموريكور ومجمع عدن مول. وواجهت صور صالح والخيل، صور الشهيد أحمد الدرويش مرفوعة على أكتاف شباب أمام محكمة تعطل أداءها تمهيداً لعهد جديد يحاكم فيه كل القتلة والمجرمين وفي مقدمتهم مدير أمن المحافظة السابق عبدالله قيران، وهو الذي يتُهم بالوقوف وراء مقتل درويش وعشرات القتلى في المحافظة. الدوريش، القضية التي ألهبت حي السعادة بخور مكسر على مدى شهور، وشكل وفاته بعيد اعتقاله من قبل الأمن وإيداعه سجن البحث الجنائي الذي تعرض فيه للتعذيب حتى فارق الحياة من قبل رجال الأمن، شكل نقطة لاحتجاجات لم تتوقف حتى الآن. تحولت قضية دوريش إلى رأي عام وأحدثت حالة من الغضب والاستياء في أوساط أهالي عدن، وأدت إلى ضغط محلي ودولي لمحاكمة مرتكبي تلك الجريمة، مرغماً السلطات على تسليم أحد القتلة وبدأت محاكمته إلا أن مدير الأمن السابق لعدن عبدالله قيران قبيل نقله إلى تعز، قام بالإفراج عن المتهم الرئيسي في قضية دوريش. صورة أخرى، جسدتها ناشطات في منظمات المجتمع المدني عصر يوم أمس الأحد. حيث احتشدت المئات من مديريات كريتر والمعلا للتنديد بتصريحات أطلقها الرئيس صالح أمام حشد من أنصاره عقب صلاة الجمعة الفائتة أساء خلالها لنساء يمنيات خرجن يهتفن لرحيله وإسقاط نظامه. المسيرة النسائية التي انطلقت من بوابة عدن الرمزية التاريخية إلى ساحة الحرية بكريتر رفعت فيها هتافات مطالبة بإسقاط النظام ورحيل ما أطلقن عليه "السفاح" وأخرى تطالب بمحاكمته على تصريحاته باعتبارها كلمات قذف في حق المعتصمات وطعن في عرضهن. تحرك آخر، سطره الشباب أمام بوابة جامعة عدن في اعتصام سلمية للمطالبة برحيل صالح ونظامه والمطالبة بحل القضية الجنوبية التي أنتجها النظام من خلال نهبه للثروات وإزاحته للكفاءات وإفراغه للوحدة من محتواها. الاعتصام أمام بوابة كلية الطب بخور مكسر ليس وحده، بل أن عدد من الكليات تتصاعد فيها الاعتصامات الطلابية بشكل مستمر لاسيما كلية التربية التي تعد أقدم الكليات في جامعة عدن وجميع المطالب شبابية طلابية مناوئة لنظام الرئيس صالح. وإزاء التمدد المطلبي الشامل بين أبناء محافظة عدن لإسقاط النظام، تعزز الهاجس الأمني لرموز السلطة في المحافظة، فقد كشف مصدر قانوني موثوق ل"المصدر أونلاين" إن وزارة الدفاع صرفت 6700 قطعة سلاح كلاشنكوف للقيادات المحلية بالمحافظة لمواصلة أداء مهامها الإدارية إلى جانب 50 مليون ريال لإعادة تجييش الساحة لمصلحة بقاء الرئيس. وقال المصدر القانوني إلى جانب مصادر أخرى متطابقة إن "الأسلحة تم صرفها للامين العام للمجلس المحلي القائم بأعمال محافظ عدن عبد الكريم شائف بعد تعهد من قبل نائب الرئيس خلال زيارته للمحافظة مطلع اندلاع الاحتجاجات وسقوط الضحايا في فبراير الماضي بحماية أنصار الحاكم في المحافظة وتوفير الأمن الشخصي لهم". عوامل الضغط تتزايد في اتجاهات متعددة، وأخذت مسيرة الثورة الشعبية بمحافظة عدن بدءاً من الاحتجاجات العمالية التي شملت معظم المرافق الحكومية الخدمية المطالبة بإزاحة مدراء وهيئاتها الإدارية والمالية منذ انطلقت من المؤسسة العامة للكهرباء في أواخر يناير الماضي، مرورا بموانئ عدن ومؤسسة المياه والمؤسسة العامة للأثاث والمستشفى الجمهوري وصولاً إلى مطار عدن وعدد من المرافق الأخرى والتي تحركت في خط متواز مع الاعتصامات الشبابية في الساحات وعدها مراقبون ترمومترا لقياس الفساد الذي أكل الخضر واليابس وقاد إلى ثورة على نظام الرئيس صالح في مختلف أرجاء اليمن. غير أن عدن استطاعت أن تقدم من إرشيفها النضالي درسا، برز في تصاعد وتيرة العصيان المدني الشامل منذ أسبوعين.
* الصور الداخلية للمسيرة النسائية يوم الأحد في عدن - تصوير خالد سفيان.