(1) بعد ساعات قليلة؛ وبفضل البث المباشر؛ من تلميحات رئيس الجمهورية عن (الاختلاط) في ساحات الجامعة الذي يحرمه الشرع؛ كانت ردود الفعل المستهجنة للاتهامات الرئاسية غير المباشرة في حق المعتصمات قد اتسعت لتشمل الجمهورية كلها.. وحاول النظام تدارك الخطأ الفاحش – الوصف هنا دقيق- الذي زلت به لسان الرئيس عن عمد غالبا بإلغاء العبارة من أي بث جديد.
ونقول عن عمد لأن مضمون هذه الاتهامات المسيئة المعرضة ظل يتردد كثيرا في بعض القنوات والصحف التي يمولها النظام، وبعضها كان يناشد - من شدة تقواه!- الآباء أن يذهبوا ليروا مع من تنام بناتهم في الخيام!
لسنا في معرض مناقشة كلام الرئيس عن الاختلاط، فالرجل يؤمن به ولا يعارضه؛ بدليل أنه في شهر أكتوبر الماضي كان يشاهد بسعادة الأوبريت الافتتاحي لخليجي 20 الذي شاركت فيه (نساء) بالملابس الخاصة بالمنازل وطبعا بدون نقاب ولا حجاب.. وكن يؤدين رقصاتهن بالاشتراك مع (الرجال): كتفا بكتف.. وكفا بكف، ولم يغضب لذلك، ولم يغضب من ثم خطيب جمعة الرقصة الذي يظهر في التلفاز اليمني كل جمعة منددا بالمعتصمين المخالفين للشرع.
وعندما التقى الرئيس الأسبوع الماضي بما وصفه التلفاز بأنه عشرات الآلاف من النساء؛ كانت المنصة التي خطب منها مزدحمة بالرجال والنساء المتدافعين والمتدافعات فيما بينهم بسبب (الزحمة) بصورة لا تحدث حتى في (باب اليمن) في عز الظهيرة.. وأيضا لم يغضب الخطيب والرئيس من ذلك لأن المطالبات المحلية والخليجية بالتنحي.. تبيح المحظورات!
موضوع الاختلاط ليس موضوعنا، لكنه مدخل للحديث عن مظهر من مظاهر المواجهة المضادة التي يقوم بها النظام لإلحاق الهزيمة بالثورة الشعبية التي تجتاح معظم محافظات الجمهورية يوميا، وتطالب برحيل النظام بكل رموزه وآلياته. وقناعتنا أن الحل العسكري –بالصواريخ والدبابات– لم يعد سهلا؛ لا لأن الفرقة الأولى مدرع وغيرها من القطاعات العسكرية المؤيدة للثورة، وانتشار السلاح بمعظم أنواعه في أيدي المواطنين تجعل من ذلك الخيار مغامرة غير مأمونة النتائج مقدما؛ ولكن – أيضا– لأن اتساع مناطق الثورة، وتعدد ساحاتها، وضخامة الجماهير المؤيدة لها لا تجعل نهاية الثورة أو سقوطها –لا قدر الله– مرتبطا بمحافظة أو ساحة واحدة.. والنظام أعجز من أن يواجه كل الناس في وقت واحد أو حتى بالتسلسل.
(2) لم يعد هناك من وسيلة مغرية وتكاليفها قليلة لهزيمة الثورة إلا من داخلها، وتفتيت صفوفها والتفافها حول هدف واحد؛ بعد أن فشلت المواجهات الأمنية في كسر إرادة الشعب وتثبيط همته، ونجاح الشباب في هزيمة المعتدين عليهم وحتى مطاردتهم بعد فرارهم هم وبلاطجتهم!
وسيلة التفتيت الداخلي بدأت منذ الأيام الأولى للثورة، ولا يكاد يخلو يوم من ابتكار وسائل تنفيذية جديدة؛ مثل ذرف دموع التماسيح و(الأحصنة) على الشباب وثورتهم المسروقة، واتهام المعتصمين بكل تهمة موروثة ومجلوبة من أجهزة الأمن العربية.. حتى الجانب الأخلاقي كما أسلفنا لم يكن جديدا.. لكن المريب أن الذين هللوا لفتوى تحريم الاختلاط الصادرة من دار الإفتاء المؤتمري هم أنفسهم الذين رفعوا رايات التنوير ونفخوا في أبواق النفير والبورزان غضبا لما وقع بين السيدات الأربع وبعض شباب النظام والجنود يوم السبت قبل الماضي..
واهتمت صحيفة (الثورة) بإقامة مناحة حداثية لإدانة الاعتداءات على الصحفيات والناشطات الحقوقيات في ساحة التغيير؛ رغم أنهن في الأصل كن يشاركن في مسيرة تندد بالرئيس نفسه ترفض إساءته لأعراضهن (رئيس الجمهورية وليس رئيس تحرير الثورة)..
وذرفت (الميثاق) دموعا؛ بلون دماء الشهداء الذين قتلهم النظام؛ غضبا من المعتدين والميليشيات الطالبانية وجنود الفرقة! مع أن المثير ل(الاختلاط) أن المنطق كان يفرض على النظام ووسائل إعلامه أن ينحازوا للرافضين للاختلاط الذي حدث لا للناشطات اللاتي ضربن عرض الحائط بفتوى الرئيس، وأصررن على السير ضمن مسيرة مختلطة مع الرجال تحديا لولي الأمر؛ حتى أنهم ظلوا طوال الأسبوع الماضي يصرون على أن السيدات كن محمولات على أكتاف الرجال في المسيرة!
بل كان الأولى لو كان هناك شيء من الدهاء الإعلامي (منين يا حسرة والسكرتير الإعلامي من طراز ستالين 1934) أن تظهر صحف النظام وقنواته الفضائية مهللة باستجابة الشعب لفتوى الرئيس بعد 24 ساعة فقط، ومسارعتهم إلى تطبيقها في أول مسيرة حتى وصل الأمر إلى ما حدث من اشتباك تنفيذا لقاعدة إزالة المنكر – كما دعا الرئيس- باليد وعدم الاكتفاء باللسان كما حدث في السبعين!
(3) كان الزميل د. مروان الغفوري قد كتب في (المصدر) مقالا وافيا عن حادثة السيدات الأربع وشباب لجنة النظام والجنود.. حتى قلت في نفسي: ماذا أبقى لنا لنكتب؟ ثم نشر د. ياسين سعيد نعمان مقالته القصيرة في الصفحة الأخيرة للثوري الخميس الماضي؛ اعتذارا للسيدات الأربع متضمنا عددا من القواعد التي ينبغي الانتباه لها من قبل مكونات الثورة الشعبية فيما يختص باحترام حرية التعبير..
كان يمكن الاكتفاء بهاتين المقالتين؛ لكن بعض الذين ينفخون في كير (الاختلاط) تعددت مداخلاتهم ومساعيهم فلم ولن يهدأوا لأن لكل واحد منهم (قرين مؤتمري) يوخزه ألا يصمت عن محاولة إجهاض الثورة وإفشالها في تحقيق هدفها في تنحية الرئيس وأبنائه وأبناء إخوانه وأركان سلطته واستبدال نظامه بآخر ليس له علاقة بالماضي!
هؤلاء لن يهدأوا.. ولن تنفع معهم النصائح، ولن تفيدهم تجارب الماضي.. لأنهم ليسوا مثل الأم الحقيقية في القصة المشهورة عن المرأتين اللتين اختصمتا إلى نبي الله سليمان – عليه السلام – في ادعاء أمومة رضيع.. فلما حكم – دهاء منه – بأن يقطع الرضيع بالمنشار نصفين تأخذ كل امرأة نصفا تراجعت الأم الحقيقية وفضلت أن تأخذه المرأة الثانية على أن يموت تقطيعا بالمنشار! هؤلاء الذين يملأون الصحف ومواقع الإنترنت والمقايل بكائيات لا تنقطع عن الذين سرقوا ثورتهم وأقصوهم واضطهدوهم وضايقوهم في ساحات الاعتصام (نفس الشكوى حرفيا قدمت للرئيس- أيوه الرئيس!- أثناء لقائه بالقيادات النسائية) يبدون مستميتين في تقمص دور المرأة المدعية -مع حفظ حق المخلصين المدوخين منهم الذين ليسوا مستحدثين في الساحة– ولو أدى الأمر إلى إدخال السرور في قلوب ساكني دار الفتوى الجدد! ولو قدم هذيانهم صورة بشعة للساحات تجعل من يقرأها يقول: (قد المؤتمر أفضل.. يا الله يا أولاد نرجع البيت بلا ثورة بلا إسقاط نظام.. يكفينا الثورات السابقة والذي عملته بنا!). أخلاق أصحاب الثورة الحقيقيين لا تثير الدنيا ضد حميد الأحمر ومحمد قحطان، وحتى توكل كرمان التي نالها منهم الكثير في الفيس بوك، ولم تسلم منهم قناة سهيل التي صارت تقوم بنصف المعركة بعد إغلاق مكتب الجزيرة، وكأنهم دخلاء لم يسمع بهم إلا بعد سقوط مبارك..
أصحاب الثورة الحقيقيون يفرحون بكل مؤيد لهم، يتحملون ويصبرون على ما قد يكون غير موافق لبعض قناعاتهم طالما أنها قد تثير سوء فهم وتستفز الآخرين والجميع شركاء في ثورة هدفها الوحيد تغيير النظام السياسي وليس تغيير التقاليد والأعراف والقناعات الخاصة لدى الثوار.. هذه الأخلاق هي السائدة في العموم في ساحة التغيير بصنعاء وفي غيرها منذ البداية.. يتحمل المعتصمون بعضهم بعضا.. ويصبرون.. ويغضون الطرف عن أشياء صغيرة طالما اقتنع بها أصحابها رغم أنها تؤذي المشاعر والأحاسيس في بعض الأحيان.. وفي المواجهات مع أمن النظام وبلاطجته يصطفون صفا واحدا بهتاف واحد، وتجمعهم الصلوات في مشهد يثير جنون النظام ويدفعه لمزيد من المكر والفتنة!
حتى (المنصة) التي تحولت إلى (القدس) التي تهفو إليها القلوب؛ تجاوزت شكوى الهيمنة عليها من طرف واحد (وصفوه في الفيس بوك بأنه متخلف ويعيد إنتاج ثقافة غزوات بدر وأحد وغرناطة، والحمد لله لم يقولوا: ستالينجراد ولا نورماندي ولا عاصفة الصحراء!) فقد صارت مفتوحة كالسماوات العربية أمام الطيران الصهيوني، (عاتبني مسؤول تربوي من الجوف – لس له علاقة بالساحة – من أن الإصلاحيين لا يحق لهم أن يمنعوا (مؤتمريا) من الحديث فوق المنصة.. يعني مش ناقص إلا أن نسمع البركاني يتحدث من فوق المنصة!).
ومع ذلك فالمنصة بوضعها الراهن لم تعجب طرفين؛ أولهما جماعة مشبوهة بتطرف مواقفها، وتطالب بإسقاط المنصة مقابل هتاف إسقاط النظام. وبالمناسبة؛ هي التي استدركت شبابا متحمسا إلى جولة كنتاكي بحجة ضرورة الزحف، وترك جبن المنصة ونصائحها بعدم الخروج وراءهم، ثم نكلت بالشباب بالاشتراك مع رجال الأمن والبلاطجة الذين كانوا ينتظرون هناك!
والطرف الآخر هو الذي يظن بهوس أن (قيادة) الثورة ضاعت من يده بسبب هيمنة المشترك والإصلاح على المنصة (بالطبع لا يشيرون إلى لجان الخدمات والنظام والحفاظ على الأمن لأنها لجان شقاء وتعب فلا ينازعون أحدا عليها ويغضون الطرف عنها كأنهم من نمير!) وأن الثورة معناها أن يقول ما يريد ويفعل ما يخطر بباله ولو كان مسيئا للآخرين ومستفزا ومفرقا للصفوف، ولا يكفيه ما يبثه عبر الصحف والإنترنت ضد جيرانه في الساحات.. وصاروا كما قيل لأسلاف لهم: (سلم منك الروم والمجوس ولم يسلم منك أخوك المسلم! وهؤلاء سلم منهم الصوفي والحبيشي والشامي وأمثالهم من البلاطجة المؤتمريين ولم يسلم منهم المشترك ولا الإصلاحيون!). الطرف الأول أمره أسهل فالغباء المؤتمري أقوى مفعولا من كيده بإذن الله.. لكن المصيبة في الطرف الآخر فهو الذي سيكون حصان طروادة -إن لم ينتبه المعنيون بالإشارة- تتسلل عبره مخططات النظام المنهار لتفكيك الثورة وإثارة الفتن، وكأن الثورة كلها مجرد منصة أو مسيرة مختلطة من الذكور والإناث! ولعل ملاحظة فرحة النظام وانتهازيته في التعاطي مع ما حدث هو دليل قوي على المستفيد الأول مما حدث.. وعلى غباوة الدور الذي يقوم به البعض!
(4) لسنا مع الذين يريدون أن يعالجوا الجرح دون تنظيفه، وإن كنا نتفهم المخاوف المشروعة على الرضيع من الذبح.. ولكن ينبغي وضع (الحادث) في حجمه الحقيقي ولا يتحول إلى أزمة حقوق عالمية تختص بحق التعبير وحق الاختلاف مع الآخر.. فالساحة من اليوم الأول جسدت الاختلاف المقبول دون إقصاء، فعرفت المنقبات والمحجبات والسافرات والبين بين دون أي مشكلة..
وفي المسيرة النسائية يوم السبت بالذات كان هناك سافرات جنبا إلى جنب المنقبات والمحجبات؛ بل كانت هناك امرأة سافرة بالبنطلون (كمان!) تقوم بتصوير المسيرة دون أن يحتج عليها أحد لا من لجان النظام ولا من الجنود.. فلماذا وقع ذلك الحادث المؤسف الذي كاد يشعل الساحة على أصحابها، وأجبر شخصية مثل الدكتور ياسين على ترك مهامه في ذروة الأزمة ليكتب مقالا يعتذر فيه للسيدات الأربع؟ هل كان الحادث اعتداء على الحقوق والحريات بالفعل من منطلق عدم الإيمان بها أم أن طرفين من داخل الثورة أخفقا في التعامل مع بعضهما بالسماحة والتفهم المطلوبين في مثل هذه الظروف؟
الطرف المتهم بالعدوان لم يسمع رأيه حتى الآن.. ولم نقرأ -على حد علمي- لصحيفة ثورية يمولها حصان، أو صحيفة حصانية (بدا خطابها غيورا على الثائرات حتى توقعنا أن تطالب الأخ الرئيس بإعطاء الأوامر للحرس والقوات الخاصة والأمن المركزي لاقتحام الساحة وتطهيرها من هيمنة الإصلاح والفرقة ثم تسليمها للثوار الحقيقيين والانسحاب إلى عصر والزبيري)؛ اهتماما باللقاء بهم أو حتى بالمحايدين لنقل الجزء الثاني من الصورة وتقديمها بصورة متوازنة، واستوى تعاطي الثوريين مع الخيول في الإدانة والعويل وخمش الوجوه، وتصوير الأمر وكأن جنازة الثورة قد حان موعدها! في كل الأحوال؛ لو تركت السيدات الأربع يتصرفن كما قررن (أن صحت روايتهن) فهو الأقل خسارة.. ولن يخسر أحد إلا الذي يشذ عن الأغلبية بكلمة أو تصرف. وحتى لو كان أفراد النظام لديهم توجيهات بعد السماح باختلاط الرجال بالنساء كما يحدث في كل مسيرة إلى ما قبل الفتوى، فطالما كان البعض مصرا على أن الرد السليم على كلام الرئيس عن الاختلاط، أن تكون المسيرة مختلطة وتصور من الجهات الأربع بالديجيتال حتى يرى اليمنيون بأعينهم أن الرئيس لم يفتر على أحد.. طالما كان أحد يفكر هكذا فالنتيجة محسومة لصالح النظام؛ فإذا سارت المسيرة مختلطة فقد صدق الرئيس، وإن فشلت واختلف الثوار وتنازعوا ففرقة حسب الله جاهزة لاستغلال الموقف وتحويله إلى هولوكست يمنية!
وأما الطرف الشاكي بأنه معتدى عليه؛ فقد كان عليه أن يستذكر تجارب الستينيات والسبعينيات؛ عندما حفرت بعض الثورات قبورها بأيدي كوادرها الذين زجوا بها في متاهات الثرثرة والتطرف والجحود لتقاليد الشعوب وأعرافها وهويتها قبل أن تتساقط تلك الثورات كالأوراق الذابلة! فالثوري الصادق هو الذي يتعاطى مع واقعه بذكاء وحكمة وبعد عن الغرور، ويكون حريصا على إفشال خصمه وليس تقوية حججه وإثبات صحتها، ويتجاوز عن المختلف المثير للتشاحن لصالح المتفق المقوي للتقارب..
والإصرار الذي أبداه البعض على أن تكون المسيرة مختلطة ولو بمن حضر كان غير موفق ولا علاقة له بحرية التعبير ولا الاعتراف بالآخر.. لأن هذا الآخر موجود أصلا بحالته في الساحة دون أي مشكلة، وكون المصرات على المسيرة المختلطة من الناشطات الصحفيات والحقوقيات المتعلمات كان يفرض عليهن ألا يسمحن بالأمور لتتجه ذلك الاتجاه المؤسف الذي استغله الأعداء.. فما فائدة الثقافة والتعلم إن لم يسعفا المرء في مثل هذه المواقف الحرجة، وخاصة أن الطرف الآخر من شباب النظام يتولى مهمة حساسة في تأمين المسيرة، وهم بالتأكيد ليسوا بمستوى الطرف الأول الثقافي ولا في التجربة والسن!
(5) قد يكون من غير الموضوعي أن نطالب الطرفين – بأثر رجعي – بضبط النفس؛ فطرف كان يرى في موقفه تعبيرا عن روح ثورة الحرية.. والآخر كان يرى أن واجبه ضبط النظام وحماية المسيرة النسائية ولاسيما أن بلاطجة النظام وسفهاءه لا يتورعون عن ذمة معتصم أو معتصمة كما حدث بعد يوم واحد فقط مع الطبيبات الأربع المختطفات.. لكن الهدف الآن هو الاستفادة من الحادث ودروسه في أن نتواصى جميعنا بأن نجعل مصلحة انتصار الثورة فوق كل مصلحة طالما كانت ثانوية أو خاصة بسلوك شخصي أو مزاج فردي أو قناعة فكرية تقبل الاختلاف في فهمها..
وأعجبني ما قيل إن الأخ/ حسن زيد – أمين عام حزب الحق – قال للشباب في الساحة بأن يجعلوا من الخطأ الذي حدث مسألة شخصية خاصة بالفرد دون الجهة التي ينتمي إليها؛ سواء كانت حزبا أو فرقة.. إلا إذا كانت تلك الجهة تدافع عن المخطئ دون حق! هذا المنطق العاقل هو الذي كان يفترض أن يسود وخاصة بين القيادات والرموز.. فمن المحزن أن تنقل صحيفة مقربة عن د. محمد المتوكل إنه قاطع جلسات المجلس الأعلى للمشترك احتجاجا على (الاعتداء) على الصحفيات والناشطات واصفا ما حدث بأنه تكرار لأفعال طالبان!
ودولة طالبان انتهت منذ عام 2001 لمن لا يتذكر؛ ولم تعد هناك أنظمة متهمة بالإساءة للنساء الحقوقيات والاعتداء عليهن أثناء مشاركتهن في المسيرات والاعتصامات إلا نظام واحد هو (إيران)! ومع ذلك فإن البعض نظره عابر للزمن لا يقتنع بما هو أمامه.. وفي كل الأحوال فلو حدث الذي حدث في صعدة – مثلا – فلن يرضى شباب لجان النظام بأن تشارك نساء مع الرجال في صف واحد في المسيرة؛ هذا طبعا إذا كانت النساء يشاركن – أصلا – في مسيرات الحوثيين في مديريات صعدة!
(6) وهذه بعض الملاحظات السريعة المتصلة بالموضوع: - كان هناك حرص واضح عند فرقة حسب الله على انتهاز الفرصة للإساءة للفرقة الأولى مدرع وتذكيرها بأن ما حدث يتناقض مع مهمة حماية الثوار. وهو حرص يبرد قلوب مشتعلة بالغيظ منذ أعلن اللواء علي محسن تأييده للشباب وسحب من النظام أقوى ورقة كان يعتمد عليها. وأتمنى ألا تكون القلوب السوداء قد ارتاحت وشفت غليلها من الفرقة التي لم يأمن الشباب في الساحة إلا يوم حرسهم جنودها بعد أن كانوا يقضون الليل يهرولون من جولة القادسية إلى جولة العدل لمواجهة بلاطجة النظام وجنوده، وحتى كتب أحدهم وهو يرفض تهديد قحطان بالزحف مؤكدا أن الشباب على استعداد للبقاء سنة في الساحة طالما أن.. الفرقة تحميهم!
- لا ينبغي أن يستهين أحد بوجود الطابور الخامس الذي يرسله النظام؛ فحتى رموز مؤتمرية بعضها يعمل في سكرتارية اللجنة العامة تشاهد تتجول في الساحة: منتصبة القامة تمشي.. مرفوعة الرأس؛ على رأي أنشودة مارسيل خليفة، إذ يبدو أنهم لا يذهبون إلى التحرير إلا لقضاء حاجة بالمعنى الرمزي (زلط) أو بالمعنى الحرفي أعزكم الله! (أحد هؤلاء هو الدكتور المختص بالسموم كما قالوا الذي نسبت له صحيفة الثورة رأيا علميا يرفض اتهام قنابل النظام بأنها محرمة دوليا وأنها مما يجوز ضرب البشر به).
- من ضمن الخزعبلات التي روجها قليلو العقل أن المتشددين الإصلاحيين مزقوا صور الأستاذ أحمد محمد النعمان كراهية فيه. وأزعم أن معظم شباب الإصلاح وكثيرون مثلهم لا يكادون يعرفون شخصية النعمان فضلا عن أن يحملوا ضغينة ضده، وليس هناك بين الإصلاح والنعمان تاريخ من الخلافات العقائدية؛ فلم يعرف عنه أنه راديكالي تقدمي بل على العكس كانت له آراء سياسية تقليدية بعيدة عن الثورية التي كانت مهيمنة في الستينيات، وتعرض للإيذاء من قبل الثوريين لأنه كان من دعاة إيقاف الحرب مع الملكيين ومصالحتهم حتى فضل العيش في بيروت، وسحبت منه الجنسية اليمنية، واتهم بنفس الاتهامات التي ما يزال البعض يكيلها للإصلاح، ولم يعد إلا بعد إتمام المصالحة 1970م..
وللتذكير فقط، فقد تعرض الأستاذ النعمان في فبراير من العام الماضي لحملة كراهية في صحيفة البلاغ المعادية للإصلاح اتهمته بالطائفية وأنه كان وراء خطة إفشال ثورة 1948 التي أصر على نشر أسرارها قبل التأكد من صحة خبر وفاة الإمام يحيى؛ لكي يضرب بيت حميد الدين ببيت الوزير المنتمين لمذهب واحد يكرهه النعمان! وزعم العلامة إبراهيم الوزير أيضا أن أئمة اليمن وأتباعهم من محبي مذهب آل البيت هم وحدهم الذين تصدوا للاستعمار دون الآخرين.. ويومها لم يتصد لهذه الكذبة إلا إصلاحي هو الفقير لله الضعيف كاتب هذه الكلمات، ونشرت ردوده صحيفة الصحوة لسان حال الإصلاح، ولم يغضب أحد يومها على تشويه سيرة النعمان حتى هؤلاء الذين تظاهروا بالغضب له عندما مزقت صورته كما قالوا من قبل الإصلاحيين!