إذا ما ارتهنت الثورة في تقرير مصيرها على اللقاء المشترك , فإنها إلى أن يحين موعد استقالة صالح بعد شهر من توقيع الاتفاق المنتظر بالتأكيد ستعيش موتا سريريا خاصة وأن صالح قد بدأ يعلن انقلابه على المبادرة بل ويضع اشتراطاته عليها . المبادرة بصيغها الفضفاضة مكنت الرئيس وعبده الجندي وكل ناعق باسم سلطة الفساد أن يعلنوا بوقاحة اشتراطات وأد الثورة على المبادرة , وأهم تلك الاشتراطات رفع الاعتصامات , ويكفي شباب الثورة الولوج لرفض المبادرة من مدخل نزع عناصر التوتر الأمني والسياسي التي يفسرها الرئيس وأزلامه برفع الاعتصامات , قلب العملية التغييرية , ناهيك عن بقية المداخل الأخرى . إن أسوأ ما يعور المبادرة الخليجية الثانية أو الثالثة أن نقاطها عائمة وحمالة أوجه وأي مستقرئ قد يفهم منها أنها تسعى لقتل الثورة بأكثر من طريقة ووسيلة أهمها برأيي : أولا : أنها لم تقدم ضمانات ملموسة للانتقال السلمي للسلطة خلال المدة المحددة بالمبادرة أو تضمن عدم رفض الرئيس أو نوابه لاستقالته ما يمكن سلطات الرئيس المراوغ من الإخلال بالاتفاقات أي كان شكلها وداعموها ولهذا لن يبقى من ضمان للتنفيذ إلا بالإبقاء على ساحات الاعتصامات زاخرة حتى تتحقق أهدافها . ثانيا : حين منحت المبادرة الرئيس المنبوذ شعبيا ورموز نظامه الحماية من الملاحقة والمساءلة القضائية تجاه جرائمهم فإنما تكون بذلك قد منحته الضوء الأخضر لارتكاب جرائم إنسانية بحق المعتصمين السلميين دون أن يتعرض مع منظومة فساده للمساءلة وهذا ما بدأ وبلاطجته يترجمونه على الأرض يوم الأربعاء 27 إبريل من خطف وجرح وقتل للمتظاهرين في شارع التلفزيون عشية توقيع الاتفاق المفترض والذي أفضى إلى قتل 13 شاب من الثوار ومئات الجرحى بالرصاص الحي ليمارس يوم الجمعة 29 إبريل عمليات تضليل وإسقاط لأخلاقياته الدنيئة وجرائمه القذرة على القتلى الأبرياء من شباب الثورة , عندما وصمهم في مهرجاته بالسبعين بالقتلة والمجرمين والخونة والعملاء وقطاع الطرق , وهو ما حصل اليوم السبت 30 إبريل في ساحة الاعتصام في مدينة المنصورةعدن من اقتحام للساحة وقتل أربعة من شباب الثورة وهذا غير الجرح . ثالثا : المبادرة تحمل في طياتها تراخيا واضحا يفسر لصالح منظومة الفساد وعلى رأسها المدعو رئيسا , ففي حين ذهبت الدعوات الغربية والعربية والخليجية سابقا من خلال وزراء خارجياتها تشدد اللهجة والدعوة بقوة ضد القذافي واليوم ضد سوريا , كانت الدعوات الغربية منذ بدء الثورة مترددة بين مد وجذر, وجاءت المبادرة الخليجية المدعومة أمريكيا لحلحلة أزمة السلطة مع الثورة متراخية تجاه القضية اليمنية لتخفف لهجتها من المبادرة الأولى إلى أبعد ما يتصور في المبادرة الثانية وتفسيراتها في الثالثة , المعدة كبرنامج عملي للتنفيذ أو آلية عمل , ولو أن الدول المبادرة رغبت في استخدام قوة لهجتها تجاه سلطة الفساد لغادرت السلطة منذ زمن . تراخي المواقف والمبادرة لم يقف عند التعامل المخملي مع السلطة بل تجاوزتها إلى منح الفرص الذهبية المساعدة لها على استعادة النفس بعمق والتحكم بالأمور المنفلتة بأريحية فعندما لم تحدد هوية النائب الذي يجب أن يعينه الرئيس ( مؤتمريا أو مشتركيا أو مستقلا ) أتاحت له فرصة لتعيين أحد أقربائه أو نجله , ثم إن المبادرة عندما أعطته فرصة شهرا للاستقالة تكون قد عملت إلى جانب محاولة خلق الملل لدى الثوار المعتصمين وزعزعة الثورة من الداخل على تطويل عمر النظام وإعادة ترتيب أوراقه من جديد , والقدرة على التواصل مع قيادات الجيش والقبائل التي أعلنت تضامنها مع الثورة الشبابية الشعبية لإعادتها للوقوف في صفوفه إضعافا للثورة وإفشالها . رابعا : أتاحت المبادرة ببنودها العائمة فرصا للرئيس بشكل أو بآخر للالتفاف على الثورة والانقضاض عليها عن طريق الاتفاقية , بمنع الاعتصامات عندما نصت على نزع عناصر التوتر الأمني والسياسي ليفسرها النظام برفع الاعتصامات كحلم يراوده , وبنفس الوقت أتاحت له فرصا لرفض المبادرة في حال لم يتم رفع الاعتصامات , وكما سبق له مرارا القبول ثم الرفض للمبادرة , مازال يؤكد مع إعلامه وناطقيه في أكثر من مناسبة رفضه المبادرة معللا ذلك ب " إذا كانت انتقائية في التنفيذ " ويفسر الجندي الانتقائية برفع الاعتصامات , وصب الاهتمام والتركيز لدى الزمرة الفاسدة حول نقطة رفع الاعتصامات , يأتي لسببين الأول الرغبة العارمة في رفعها وإفشالها قبل إعلان استقالته ما يعني انصرافها وإمكان رفضه الاستقالة , الثاني رغبته في الرفض القاطع للمبادرة لكن خشيته من انعكاسات ذلك على موقف دول الخليج وأمريكا تجاهه جعلته يبحث عن شماعة يعلق عليها أسباب رفضه المبادرة , وإن كانت المبادرة برمتها تخدمه أكثر من شعبه إلا أن نية الالتفاف والانقلاب عليها كالعادة تسبق التوقيع عليها , جسد ذلك رفض الرئيس اليوم التوقيع عليها بدفعه الارياني إلى الرياض للتوقيع بالنيابة , وبمبررات واهية , رغم محاولات أمين عام مجلس التعاون لإقناعه على التوقيع إلا أنه لم يخرج حتى كتابة هذا المقال بنتيجة . التفسير الواضح للمبادرة برمتها خلاصتها تعني أنها مجرد خطوات تسعى جاهدة لإفشال ووأد الثورة , فهي تمتلك قابلية لتأويلات الرئيس ومفصلة بما يتناسب ومطالبه في الرفض أو القبول والقتل وفض الاعتصامات والتمديد لبقائه وحتى جر البلاد إلى الهاوية لهذا ولغيره من الأسباب على شباب الثورة الرفض القاطع والبات للمبادرة كونها لا تلبي طموحات الشعب الذي تسعى الثورة لرد الاعتبار لكينونته .