ربما تكون احتمالات أن يتفادى اليمن حربا أهلية قبلية ضئيلة في ظل انتشار القتال في العاصمة ما لم يتنح الرئيس علي عبد الله صالح بسرعة. لكن صالح على الأرجح اتخذ قرارا بالفعل بمواصلة القتال للاستحواذ على السلطة في الدولة الاستراتيجية حيث ينتاب حلفاء خليجيون وغربيون القلق من أن الفوضى قد تعطي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومقره اليمن مساحة اكبر لممارسة نشاطه. وربما تقرر السعودية التي تخشى انعدام الاستقرار لدى جارتها المطلة على ممر ملاحي يمر عبره ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا ممارسة مزيد من الضغط على صالح حتى يرحل. لكن هذا لن يكون كافيا على الأرجح الا اذا وقع انقلاب او تدخل عسكري. وقال المحلل الأمني المقيم بدبي تيودور كاراسيك "يبدو أننا تجاوزنا نقطة اللاعودة هنا". وأضاف "سيبدو الوضع مثل ليبيا وقد أصبح الآن مثل ليبيا. وأعتقد أن من المهم أن يعترف المجتمع الدولي بهذا".
وأسفر القتال بين الموالين لصالح المسلحين جيدا وجماعات المعارضة عن مقتل عشرات اليمنيين منذ تفجر في صنعاء يوم الاثنين بعد يوم من رفض صالح للمرة الثالثة التوقيع على اتفاق أعد بوساطة خليجية وكان سينهي حكمه الممتد منذ 33 عاما في غضون شهر. وغاب عن تلك الاشتباكات عشرات الآلاف من المحتجين الذين مازالوا ينظمون تجمعات حاشدة سلمية يوميا للمطالبة بتنحي صالح والانتقال الى الديمقراطية. ولم يتضح بعد كيف سيردون على تصاعد أعمال العنف. والاشتباكات التي دارت في الشوارع المحيطة بمنزل الزعيم القبلي الشيخ صادق الأحمر هي الأقوى حتى الآن منذ نصب محتجون شبان خياما بالشوارع في أنحاء المدن اليمنية في شباط فبراير للضغط على صالح للتنحي. وتمثل العصبية القبلية العنصر الأقوى في نسيج المجتمع اليمني وقد بدأ القتال بالفعل يأخذ منحى عشائريا فيما يبدو. ودعا الأحمر زعيم اتحاد حاشد العشائري الذي تنتمي اليه قبيلة سنحان التي يتحدر منها صالح جميع القبائل اليمنية الى مساندته في مواجهة الرئيس. وقال الاحمر عن الرئيس اليمني إنه سيترك اليمن حافي القدمين. كما صعد صالح من حدة لهجته واتهم الأحمر واخوته وهم أبناء شخصية قبلية بارزة كانت متحالفة معه بمحاولة الزج باليمن الى حرب مفتوحة قائلا إنهم اتخذوا القرار الخاطئ بمواجهة الدولة. ودعا قائد كبير بالجيش انضم للاحتجاجات التي استلهمت الثورتين اللتين أطاحتا بزعيمي مصر وتونس الجيش الى تحدي صالح. ووصف اللواء علي محسن الرئيس اليمني بأنه مختل متعطش للمزيد من الدماء. ويقول المحلل السياسي اليمني عبد الغني الأرياني إنها لم تصبح حربا أهلية بعد وأضاف أنه اذا تم احتواء الموقف في غضون يومين فستكون الأمور على ما يرام اما اذا لم يتحسن الوضع فقد يؤول الى حرب أهلية. ومضى يقول إنه اذا انضم اللواء علي محسن الأحمر الى المعركة فسيدخلها الجيش بالكامل وستكون هناك حرب شاملة. وفي مؤشر على أن المواطنين يتوقعون الأسوأ فرت أعداد كبيرة من اليمنيين الى خارج العاصمة. واندلعت الاشتباكات قرب المطار وسيطر مسلحون موالون للأحمر على مقار عدة وزارات. وعلق مجلس التعاون الخليجي الذي قاد جهود الوساطة مبادرته بعد أن حاصر مسلحون موالون لصالح عقدوا العزم على إحباط المبادرة أمينه العام لساعات داخل سفارة الإمارات العربية المتحدة يوم الأحد. ورفض صالح فيما بعد التوقيع. ويخشى حلفاء اليمن من الغرب والخليج من وجود دولة فاشلة على اعتاب اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم لهذا فإنهم يريدون انتقالا سلميا للسلطة ويعتبرون صالح عبئا بشكل متزايد بسبب هجر أنصاره له.
وصعدت الولاياتالمتحدة التي استعانت بصالح في مكافحة تنظيم القاعدة وفرنسا من دعواتهما الخميس ليرحل صالح وأنحتا باللائمة في سفك الدماء على تراجعه عن توقيع اتفاق نقل السلطة. ومن المرجح أن تحاول السعودية ممارسة مزيد من الضغط على صالح للتنحي تفاديا لكارثة في دولة يملك نصف سكانها البالغ عددهم 23 مليون نسمة سلاحا. وترتبط السعودية بعلاقات قديمة وقوية بالقبائل اليمنية. وقال الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي إن ما تبقى للسعودية هو أن تقدم دعما نفسيا ومعنويا او أن يخرج شخص ما ويطالبه صراحة بالاستقالة. وأشار الى أن هذا الطلب بالتنحي قد يوجه له باسم الإسلام والصداقة والقومية العربية. والسعودية الآن في موقف صعب فهي لا تريد تشجيع الثورات في شبه الجزيرة العربية التي طالت البحرين وعمان ايضا وتخشى من أن تتسلل اليها في نهاية المطاف. ولا تريد المملكة أن يتعرض استقرارها لتهديد اذا زادت حدة الاضطرابات في اليمن واشتدت المواجهة. ويتفق معظم المحللين على أن الضغوط السعودية لن تصل الى حد التدخل العسكري على الرغم من وجود سابقة لهذا. وانضمت الرياض الى الحرب الأهلية اليمنية ضد المتمردين الحوثيين الشيعة حين وقفت في صف الحكومة. وأرسلت السعودية قوات الى البحرين في مارس آذار لمساعدة جارتها في إخماد احتجاجات قادها الشيعة. ويشير كاراسيك الى أن الرياض قد تتدخل بناء على طلب القبائل اليمنية التي تربطها بها علاقات قديمة غير أنه لا توجد مؤشرات على أن هذا مطروح على الطاولة في الوقت الراهن. وقال آخرون إن السعودية ربما تحيل الأمر الى جامعة الدول العربية لكن من غير المرجح أن يتمخض هذا عن إجراء ملزم. وقال خالد الدخيل استاذ العلوم السياسية السعودي إن هناك حاجة الى أن تأخذ الجامعة العربية موقفا لكن على السعودية أن تقود هذه الجهود لأن لها نفوذا وحلفاء داخل اليمن.