حوالي أسبوع مضى على حادثة مسجد النهدين، أو محاولة اغتيال الرئيس صالح وكبار مسؤولي نظامه. حتى الساعة لا يزال الغموض هو سيد الموقف. هل الرئيس صالح حي يرزق أم أن حالته الصحية سيئة وحرجة، أم ان صحته في تحسن وسيعود في أقرب وقت؟! لا أحد يعرف من العوام أو المتابعين غير أصحاب القرار في السلطة أو أقرب المقربين، وربما رموز سياسية وقبلية مؤثرة، وفي دهاليز السفارة الأمريكية، وبين يدي النظام السعودي صاحب اليد الطولى في تشكيل النظام السياسي اليمني.. عندما تُسأل كمتابع للوضع عن شكل النظام الجديد بعد الثورة الشبابية السلمية وبعد مستجدات الساحة اليمنية منذ حادثة "النهدين" والتي فاجأت كل المتابعين وربما معظم الساسة في السلطة والمعارضة وايضا فاجأت الشارع اليمني بين مؤيد ومعارض. ستكون اجابة هذا التساؤل معقدة وربما سيعطيك كل متابع رأيه بمجاراة لعاطفته وبتغييب العقلانية في رسم المنظور وتحليل الحاضر بناء على الماضي والتاريخ والحاضر.. إجابتي الشخصية على هذا التساؤل ستكون مبسطة وبناء على موقف عقلاني محايد بعيدا عن ميولي او عاطفتي او رغباتي، من أجل وضع سيناريو مقنع الى حد ما لأي متابع أو على الأقل لكاتب هذه السطور.. صناعة النظام أي نظام أو بناءه أو شكله ورسمه تعتمد على عدة عوامل رئيسية تتلخص بإختصار بعوامل سياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية وكلها مجتمعة تشكل أساس أي نظام سياسي أو شكل الدولة في أي مكان ولأي مجتمع على حسب ظني.
في اليمن وبرؤية تاريخية، كل الأنظمة والدويلات والدول اليمنية صاغتها تلك العوامل وبمقدار متفاوت تغير كل عامل عبر السنين ولكن السائد ان النخب السياسية والجيش والقبيلة والأنظمة أو الدول المجاورة او السائدة على الساحة الدولية هي من كانت تُشكل النظام السياسي اليمني على الدوام. التفاؤل المفرط حول الثورة الشبابية والعرائض المثالية ومقالات التبجيل ليست سوى ردات فعل عاطفية تحاول التنظير على الأرض بينما هي مجرد تنظير على سطور الورق. الثورة الشبابية بلا شك أصبحت عاملا مؤثرا جديدا دخل على مجموعة عوامل بناء النظام اليمني الجديد أو إعادة ترتبيه وتشيكله. من سيرسم ملامح النظام الجديد في اليمن هي مجموعة العوامل المذكورة انفا ولن يرسمها عامل واحد مستفرد ومن قال غير ذلك فأنه يضحك على نفسه ويدغدغ به أحلام الحالمين.
النخب السياسية في السلطة والمعارضة والجيش ورموز القبائل القوية والرموز الدينية ومجموعات الضغط الإقتصادي المستترة سواء كانت محلية أو اقليمية أو دولية، ومتخذي القرار في الدولة السعودية صاحبة التوكيل الحصري سواء من الولاياتالمتحدة أو من بريطانيا وربما من كل دول الإتحاد الأوربي ومن دول الخليج وبغياب التأثير المصري بعد إعادة انتاجه والعراقي بعد التشكيلة الجديدة هي "أي السعودية" صاحب العامل المؤثر والقوي في صناعة وتشكيل النظام السياسي اليمني لإعتبارات سياسية وتارخية واقتصادية وثقافية واستراتيجية بحسب المنظور السعودي. طبعا عامل القوى العظمي ومع إختفاء القطب الآخر المتمثل بالإتحاد السوفييتي السابق والذي كان شريكا رئيسيا في صناعة الأنظمة السياسية حول العالم قد أختفى وأصبح ذو تأثير هامشي على مجمل احداث العالم عامة، ولهذا فدور الولاياتالمتحدةالأمريكية واضح ومؤثر ليس في النظام اليمني وحسب ولكن في معظم أنظمة العالم المعاصر وبلا منازع حتى الساعة.
في تونس ومصر لعبت النخب السياسية والجيش والعوامل الخارجية على امتصاص غضب الشارع الشبابي والشعبي ونفذت استراتيجية ناجعة في أمتصاص ذلك الغضب والثورة عبر التضحية برموز معدودة ومحدودة ونجحت في الإبقاء على تلك الأنظمة والدول بأقل الخسائر، وشرعت في تنفيذ حزمة إصلاحات سياسية كانت من البديهيات وأساسيات اي نظام جمهوري ديمقراطي وتم تصويرها بأنها مكرمات وتلبية لمطالب الثورة وشبابها الطيبين، وإن كنا نأمل حقا في استمرارية ضغط الشباب او كل النخب السياسية والشعبية وذلك من اجل ضمان التغيير وان كان بشكل متدرج. لهذا تجري هذه الأيام وخلف الكواليس وبعيدا عن الساحات الشبابية الثائرة والتي أمست ورقة سياسية رابحة للمتفاوضين خلف الأبواب، يشترك فيها الجميع وليس هناك مكان لإقصاء اي طرف موجود ومؤثر، من أجل صياغة أو اعادة تشكيل النظام السياسي اليمني. وببساطة من سيشكل النظام السياسي الجديد هم أولئك النخب والمجموعات مكتملة وبحضور كل العوامل، وهذه الثورة الشبابية مجرد عامل جديد مؤثر في تلك الصياغة أو المشكلة التي سيتم حلها في أطار تشكيل النظام الجيد. وربما مجرد ورقة ظهرت بقوة على الساحة العربية عامة واليمنية خاصة ويعمل الجميع على استثمارها في تحقيق أهدافه ومصالحه وسيتم تلبية رغبات الشباب الثائرين وامتصاص الصدمة عبر حزمة إصلاحات متدرجة حقيقية وغير حقيقية لن تغير من الواقع السياسي والإجتماعي والإقتصادي الا بعد وقت طويل قد يمتد الى سنوات وربما عقود، لان عمليات التغيير هذه تحتاج جهد ضخم محلي وإقليمي ودولي لدعم أي نظام سياسي جديد من أجل تنفيذ عملية نهضوية وتغيير ملموس في المجتمع اليمني سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا يمكن لمسه واقعا على الأرض و على حياة المواطن ويمكن رسمه عبر معايير ومؤشرات علمية. هذه بإختصار رؤية شخصية لماهية النظام الجديد في اليمن بعد الثورة الشبابية، ونسأل الله العالم بما كان وسيكون، ان يكون المستقبل وشكله ملبيا لطموحات الأمة اليمنية العظيمة.