ترتبط النكتة بالهَزل و عدم الصدقية، يعلم ذلك من يطلقها و من يرددها و من يضحك لها و من لا يضحك أيضاً، و هي صورة من صور التعبير الساخر أو التنفيس أو الاستهداف الإعلامي، و التسلية هي آخر شيء في وقتنا الحاضر، و هناك من المنكتين من هو متمرس على النكات، فيسرد قصة كاملة مليئة بالنكات و يحشو كل خطوة في القصة بمواقف باسمة و مقالب ضاحكة و نكات مختلفة، و هناك من يقتصد في النكات فواحدة أو ثلاث تكفي، و على عكس هؤلاء و أولئك هناك من لا يمتلك نفَسَاً طويلاً في التنكيت، فبالكاد يلقي نكتة واحدة قد تصيب و ربما تخطيء في إضحاك الآخرين و بعض هذا الصنف من المنكتين يتبرع هو بالضحك دعماً لنفسه و للنكتة التي أطلقها بائساً لا ضاحكاً، على النحو الذي نتابعه هذه الأيام لبعض المتحدثين باسم السلطة و هم يتحولون بأنفسهم إلى نكتة، كما يفعل المهرج تماماً، حيث يتبرع بنفسه ليكون نكتة، و في مثل هذه الأحوال تغادر النكتة مربع الهزل إلى مربع الجدية، حين تشاهد أو تسمع نكتة حقيقية، ليس فيها رواية. لم يعد بعض المتابعين يهتم لما يقوله بعض أولئك المتحدثين باسم النظام، مع أنهم ينتظرون ظهورهم على الفضائيات، ليس لأخذ المعلومة بل للاستمتاع بما يلوكونه من سخافات تتمظهر بالأهمية و أكاذيب تتقمص المظلومية، لأنهم أفرطوا في الكذب و التضليل، فذاك ينتحل شخصية أحد الثوار، و آخر يقول أن الإصابات التي حدثت في أوساط الثوار مجرد تمثيل و ليست حقيقية، و سيل من الأكاذيب في شريط الأخبار العاجلة و الآجلة على شاشات الإعلام الرسمي، و صار البعض يوثق ذلك و يتناقله المتابعون لغرض التسلية، لأن ما يحدث تحول إلى نكات جديدة و جادة، بل نكات متحركة تفوق الرسوم المتحركة "توم و جيري" لأنها تدفع الكبار للمكوث أمام التلفاز. أحد إعلاميي السلطة يشمر عن ساعديه في برنامج مباشر بالفضائية اليمنية ليشرح للمذيع كيف أن عدم سقوط النظام يدل على قوته و صلابته، و ربما لو سأله سائل عن أي الأنظمة أقوى: تونس أم مصر أم اليمن، لأجاب بصفاقة مشمرة و مزمجرة: النظام اليمني أقوى، دون أن نعرف منه ما هي معايير القوة، و هل لها علاقة بنظام دولة أم بنظام عصابة عائلية و مناطقية، و هذا النوع المتذاكي لا تهمه الخلفيات و الملابسات الحقيقية للقضايا والأحداث، لأنه لم يأتِ للتحليل المسؤول، هو أتى للتضليل، و بجاهزية تصل إلى التشمير، و بعد فاصل عرضت فيه الفضائية مقطعاً لأحد قيادات المعارضة و هو يتحدث عبر قناة الجزيرة مندداً بحكم العسكر، طلب المذيع من صاحبنا أن يعلق على المقطع، فرفع أبو المفهومية حاجبيه وقال بثقة يحسده عليها المشعوذ: واضح أن هناك أزمة بين المعارضة و علي محسن (!)، ثم هاجم القيادي المعارض واتهمه بأمانته و وطنيته و تاريخه العلمي و العملي بطريقة ذكرتني بالمثل الشعبي "لا تبك على من مات و ابك على من فقد عقله"، و استأثر الرجل على أغلب ما دار من حديث في البرنامج و باقي الضيوف يتفرجون على "النكتة" بغبطة و ربما بحسد إذا كانت مخصصات التضليل مرتبطة بالوقت المهدَر في الكلام فضلاً عن تشمير السواعد، الأمر الذي سيدفع بأحد القائمين على البرنامج للقول في نهاية المطاف "حاسبوا المضلل يرح له"! و في سياق آخر يؤكد أحد خطباء الحاكم لجموع المصلين بالدليل القاطع أن " كلمة المشترك لم ترد في القرآن الكريم سوى مرتين فقط ... للدلالة على الاشتراك في الباطل والمنكرات والإعراض عن الخير والايمان والبر والصلاح والاشتراك في الصمت على الحق والاعراض عنه ومحاربة أهله والإفساد في الارض وإهلاك الحرث والنسل والاشتراك في الكيد والمكر والتامر وتدبير الفتن واشعالها في الدنيا ..."، يا حظنا العاثر حين يرتقي المنابر!. السياسة تؤكد الآن أن "شر البلية ما يضحك"، بعد أن صار المنكت نكتة مزجت التنكيت بالتبكيت، بصورة تكاد تؤكد أن السياسة الفاشلة أفسدت كل شيء حتى النكات، حولتها إلى تهريج سمج، و يا سعد من لم يضحك، ... و للحديث بقية.