الأسابيع القليلة الماضية وحتى يومنا هذ تشهد عصف سياسي وجمود ثوري وحيرة غير متوقعة في زمن كان يجب أن يكون خالصا للثورة فحسب. قد يتفق معي الجميع في أن الركض في دهاليز السياسة المغلقة في زمن الثورة كان له نصيب الاسد في رسم ملامح هذ الواقع الذي يبدو غريب الاطوار لا يتناسب قطعا وشهور الثورة الاولى. تعمدنا الهروب من المواجهه مع هذه الاسباب التي يزداد ثقلها يوما بعد يوم على كاهل الثورة ويعيق تقدمها ويشتت أفكار الثوار بل ويخلق الانشقاقات داخل صف الثورة بشكل مخيف جدا..ولكن بعد أن أصبحت جلية وواضحة وبعد أن انتقلت نتائج هذه الخلافات من آلة الاعلام التابعة للنظام المنهار الى الوسط الاعلامي للثورة, وخاصة تلك العاصفة السياسية التي كشفت المستور عند النخب والكتاب والمثقفين والمتمثلة بتشكيل المجلس الوطني اليمني والانسحابات التي تلته بشكل عجيب وغير متوقع بعد أن ظل المجلس في أروقة المشاورات لفترة طويلة. وبعد أن رأينا كتاب ومثقفين وساسة ومحللين ومتابعين يتناولون هذه القضايا وبطريقة الانحياز لطرف دون أخر مما سبب اتساع الفجوة وتعميق الشروخات الحاصلة والتي لا يسعنا الا أن نعترف بها ،وكان لزاما علينا كشباب أن نطرح رؤيتنا عن الواقع وفي سبل الخروج منه بما يفيد ويعزز قوة ونشاط الثورة ويقربها من الحسم وبما يدعو الى طرح رؤية مشتركة ومتقاربة للمستقبل السياسي للبلد. وقد تبلورت لدينا أفكار التعامل مع الواقع ولكن تحت مظلة واحدة وهي المظلة الجامعة لكل الاطياف والتي هي ثورتنا المباركة, والتي اذا ما عدنا للتفكير بإنجازها فإنه من الممكن أن نطرح العديد من الخيارات التي تتناسب والمرحلة الشائكة والمختلة بسبب ما نتج عن طريقة تشكيل المجلس الوطني وما نتج عن الانسحابات التي رأى الكثيرون أنها مثلت ضربات موجعه للمجلس, ونرى أن كلما حدث يكاد يتحول من خطوة هامة على طريق انجاز الثورة الى ضربة مؤلمة وربما قاصمة للثورة قبل انجازها.. خيارات انجاز الثورة: الخيار الأول: العودة بالثورة فعليا الى شهورها الاولى, عن طريق اعطاء الشباب الحرية الكاملة في ادارة والتحكم بمسار الثورة ومواجهة آلة القمع التي قد سبق وأن واجهوها وقدمو الشهداء في ملاحم بطولية لم تؤثر على قوتهم وشجاعتهم وبسالتهم بشيء, وبهذ نكون قد أجلنا المشاريع السياسية التي أعاقت الثورة الى ما بعد انجاز مرحلة الثورة الاولى مع العلم أن هذه المشروعات لم تكن تذكر في بداية الثورة ,, بل كان هناك توافق وطني واعتراف وطني شامل من قبل الثوار بكل القضايا وعلى رأسها القضية الجنوبية التي خصص لها الشعب الثائر جمعة وفاء قدم فيها إعتذار للشعب في الجنوب بما يمثل إعترافا كاملا بأهمية وقوة القضية وكذلك بالتقصير تجاهها , متعهدين بأن الثورة جاءت لتحل هذه القضايا ... هذ الخيار يدعو صراحة المؤيدين بقيادة المعارضة في المشترك ,, والفرقة مدرع الى التراجع عن قيادة الثورة والتحكم بمسارها والزج بها كورقة للوصول لتسوية سياسية مشوهه مع نظام آيل للانهيار ,وعلى بعد زحف واحد من السقوط.. وبهذ فعلى المشترك أن يتخلي علنا عن المبادرة الخليجية التي تعتبر عار كبير وجبن مخيف يجعلنا حتى الان نشكك بقدرة قيادات المشترك وجراءتهم على الارتقاء الى مستوى الثورة . بل الى مستوى الحوار السياسي الجاد وليس الذي يقدم التنازلات تلو التنازلات وهو يملك ورقة نادرة لن تتكرر على الاقل في الزمن القريب وهي الثورة .. كما يدعو هذ الخيار صراحة ,, من أراد أن يتبنى القضية الجنوبية , وقضية صعدة , وقضية السهل التهامي وقضية أبناء المناطق الوسطى الى التوقف عن الدلو بأرائهم المتطرفة نسبيا بنظر الشارع . وهذ سيكفل عدم إنشغال هذه النخب الفكرية والثورية في التعاطي مع الطروحات الاحادية , ومع الغموض المخيم على وجهات نظر من يرون أنفسهم بالنخب السياسية سواءا في المعارضة أو من يتبنون القضايا الوطنية وتخصيصها. الخيار الثاني: الخيار الثاني الذي يفترض عدم القدرة على إخفاء ما ظهر وبقوة على السطح من قضايا ساخنة أدت في رأي الكثيرين إلى تعطيل المجلس الوطني المشكل من قبل اللجنة الوطنية للحوار والذي كان مطلب وأمل الثوار لفترة طويلة من الزمن .يتركز هذ الخيار على بعدين محوريين وهم مسار الثورة ومسار المفاوضات والحوار بين أطراف الفعل الثوري.. على مسار الثورة .. لا يجب أن يكون هناك أقل من إعطاء التصعيد الثوري مساحته الكافية لتحريك عجلة الثورة والتقدم بها بسرعة نحو الامام.. وعلى مسار السياسية ,, يجب أن يتخلى المشترك ولجنة الحوار الوطني عن الحوار مع بقية النظام ,, واستغلال الجهد والوقت في الحوار والنقاش مع المكونات الثورية للوصول الى أرضية مشتركة واتفاق مبادئ يرضي جميع الاطياف السياسية والثورية للوصول الى توافق ممكن يتم من خلاله الاعداد لمجلس وطني يتولى المرحلة الانتقالية الاعدادية لمشروع الدولة المدنية وليس للمحاصصه السياسية .. يبقى الخيار الثاني أهم وأبعد الى الواقع عند الكثيرين وخاصة أولئك الذين تعاطو بالشجب والتخوين وحسابات النوايا مع الاسلوب الاستفزازي (حسب الكثيرين) لقائمة ال23 من أبناء الجنوب الذين انسحبو من المجلس الوطني الثوري وليس الانتقالي. البعد الذي أقصده ليس بسبب الصعوبة أو الخطورة لمثل هذ الخيار ,بل لأن من نريدهم أن يتحاورا أرسلو لنا رسائل مخيفة من خلال ما أحدثوه من بلبلة وبلبة مضادة.. دواعي الحوار بين أطياف العمل "السياسي" المؤيد للثورة .. • ضرورة الخروج من الازمة السياسية البينية بين مكونات الثورة . • ضرورة التفكير بالقضايا المحورية وطريقة الطرح والرد في مثل هذه القضايا وإيجاد الرأي والرأي الاخر.. فعلى سبيل المثال نرى أن قائمة ال23 التي كانت تنادي قبل الثورة وفي بدايتها بشعار التغيير لا التشطير أصحبت توقع على بيان يدعو الى الاعتراف بحق تقرير المصير للجنوب والمناصفة في المجلس الوطني للحصول على المعطل الضامن, الحوار على الأقل يمكنه أن يظهر رأي الطرف الموجه اليه البيان حتى تتضح الرؤى للجميع, فالتجاهل مصيبة , والعجز عن الرد يعني أن المجلس الوطني حمل نفسه ثقيلا لا يقدر عليه, والا لما وجد ل23 طرفا كي يطرحوا بين يديه مشروعهم ,فقد كنا في ثورة عفوية ستخلص حتما الى مجلس وطني متفرغ لطرح القضايا على الطاولة وإعطاءها حقها بالنقاش وتبادل الأراء بعيدا عما يراه الكثيرون تهورا وتعميقا للفجوة بين الممكنات الغير مطروحة أصلا . و زيادة في البعد عن نقاط التقارب والالتقاء. • الحوار ضرورة لتهدئة نفوس الكثيرين ممكن أثرت فيهم تراكمات الماضي وجعلتهم يشككون بكل شيء ,ويرون الحاضر من منظار الماضي غير معتبرين الفارق المهول والمتوقع بعد أن قامت الثورة.. • الحوار ضرورة ملحة للتفكير المبدئي بالنظام السياسي القادم لليمن ,بعد أن ظهرت بعض الرؤى من قبل بعض الاطراف وخاصة تيار الرئيس السابق ناصر والمهندس حيدر عطاس.. الذي يرى بالفيدرالية ويوصي بأن تكون إقليمين . وبعض الرؤى التي ترى بالفيدرالية الكاملة أي بأقاليم متعددة , فبالحوار فقط نستطيع أن نتوافق على الحل الامثل لقضية الوطن الرئيسية .
هناك العديد من الضرورات التي تستدعي الحوار وبروح الثورة وروح الوطن وبرؤى جديدة تتناسب وحجم الحدث الوطني ,, والتوقيت ,, في ظل حسن النوايا التي يجب أن تسود بين أطراف الحوار .
متطلبات الحوار: • الصراحة في طرح القضايا وتحديد أبعادها وكافة الرؤى لمستقبلها السياسي. • أشراك شريحة الشباب بشكل مكثف وتمكينهم من طرح الحلول ومناقشتها من قبل الساسه على طاولة الحوار. • تعريف القضايا السياسية بمعناها الوطني وليس المناطقي بما يكفل تعزيز حل القضية الوطنية التي قامت لاجلها الثورة. • طرح كل الحلول المقترحة والرؤى على طاولة الحوار مهما كان نوعها وتصنيفها . • الاعتماد على الاسس المدنية والديموقراطية في نقاش وطرح الحلول والتوافق عليها. • البعد عن قوالب الماضي وترسيباته بإعتباره مرتبط كليا بالنظام الذي قامت ضده الثورة. وبهذ يمكن أن نخلص الى نتائج تقوي وتنشط الثورة وتعيد اللحمة الوطنية في طريقنا الى تحقيق آمال وتطلعات الجيل الشاب الثائر والاجيال القادمة في انجاز مشروع الدولة المدنية الحديثة.