موضوع الانتماء والهوية في المنطقة العربية يغرق في اشكالات عدة اهما وجود عدة "قوميات" تتصارع بالدرجة الاولى لإلغاء الاخرى دون ادنى رغبة جماعية للوصول الى صيغة توافقية تضمن العيش المشترك. وأنا هنا لا أود الخوض في مسألة هذا الصراع بل أريد إسقاط هذه الفكرة على الوضع الداخلي اليمني بإعتباره جزء من النسيج العربي في المنطقة فيتأثر طوعاً وكراهيةَ بالمناخ المحيط به, قد لا يكون بالضرورة مؤثراً كبيراً او قد لا يُرى تأثيره لكن هذا لا يلغي مسألة انه مؤشر يمكن قياس فكرة العيش المشترك في المنطقة عليه أو العكس. يخال للبعض اني اتحدث عن المجتمع اليمني كمجتمع مختلف القوميات او الطوائف والحقيقة هي انه هنالك فئات كبيرة في اليمن تنحدر من اصول "ثنائية القومية" إن صح التعبير كأبناء من هاجروا من اليمنيين الى دول القرن الافريقي كأثيوبيا وكينيا وجيبوتي إبّان حكم الامامة او من اختلطت دمائهم بدماء الهنود في جنوب اليمن اثناء الاحتلال البريطاني وبالطبع هنالك الحضارم من جالوا العالم ولا بد من انهم كونوا فئة ليست بالبسيطة مختلطة الأعراق. لكني اود الغوص اكثر في مسألة المناطقية, نحن ان لم نكن طائفيين في اليمن فنحن مناطقيون بإمتياز فكل منطقة في اليمن لديها اسبابها وقناعاتها التي تجعلها افضل من بقية المناطق. التفكير هذا في جوهره عنصري ولا يمكن لأي شي ان يبرره لكن في اليمن تجد هذا النوع من العنصرية مدعاة للتفاخر وهذا ناتج لعدم "الوعي" الاهلّي بخطورة المسألة وتبعاتها على الاجيال القادمة لا بل حتى على الجيل الحالي باعتباره نتاج لمجتمع عنصري تربى على الفوقية تجاه كل من لا يشبهه وفي هذه الحالة كل من ليس من منطقته. وها نحن في وقتٍ حرج من تاريخ اليمن يجب علينا فيه ان نوّحد المجتمع ليس بالصيغة الوحدوية السياسية التي اثبتت فشلها منذ عام 1990 بل بصيغة مجتمعية مستدامة لا تفسح مجال للتصدع او وقوع اي شروخ في النسيج المجتمعي اليمني اذا ما اراد بناء دولة مدنية تقوم أُسُسها على المواطنة المتساوية والعدالة. الثورة هي بداية هذا الطريق لكنها كشفت عن سؤتنا التي مازلنا نحاول اخفائها الا وهي ان الفرد اليمني مناطقي ولا يهمه ما يجري في اليمن الا مايحدث في "منطقته" اي المناطق التي تنحدر اصوله العائلية منها وهذا يوصلنا إلى نقطة في غاية الأهمية وهي مسألة الارتباط بالأصل بالقرية ومسقط الرأس, اغلب اليمنيين يعرِّفون مسقط رأسهم بالمنطقة التني تنحدر اصولهم العائلية منها وهذا لا ضير فيه لكن ان تصل الى درجة تهميش دور المدينة التي عاشوا وكبروا بها فهذا يدخل في باب الجحود للمدن التي سكنوها وتأثروا وأثروا بمناخها العام الذي بالتأكيد له النصيب الاكبر في صقل هويتهم. ومن هذا الانتماء المناطقي المتقوقع على الذات تخرج علينا البلادة السياسية تجاه كل ما يحدث خارج صنعاء والبلادة المجتمعية تجاه كل مايحدث لدى "الغير". اليمن كلها في حالة فوضى وتعز اصبحت عملياً منطقة حرب وارحب ونهم تُقصفان بشكل شبه يومي وابين تُقصف جواً ولا نعلم من يقصفها بالضبط! لكن النخبة السياسية – التي تتمركز في صنعاء- لم تُستثار إلا عندما وصل "التوتر الامني" الى صنعاء وكأن من يموتون يومياً ليسوا جزءً من هذا الوطن. البلاد في حالة حرب وهذه النخبة يصعُب عليها الاعتراف بذلك دام ان الوضع في صنعاء لم يصبح حربياً بعد. اما عن البلادة المجتمعية إزاء ما يحدث مع الغير فهي للأمانة قد تراجعت منذ بدء الثورة لكنّ هذا لن يشفع لنا ما سكتنا عنه قبل الثورة. نرى الان حملات التبرع والإغاثة لنازحي أبين من قبل أهالي عدن وبقية المحافظات وترى المظاهرات تردد شعارات التعاضد بين جميع المدن وحتى صنعاء فاجأتني بحملة تبرعات لأطفال الحصبة ممن تأثروا بحرب الحصبة ونزحت عائلاتهم الى مناطق صنعاء الاخرى. لكن ما سكتنا عنه كان افضع من ان يُنسى, فتلك الحروب ضد الحوثيين راح ضحيتها العديد من الابرياء والمدنيين ولا ننسى منظر النازحين على الحدودد السعودية في الخيام ولم نتحرك لو قف تلك الحرب او لمساعدة النازحين ولولا بعض الأصوات الصحفية ممن نددوا بما يجري في صعدة لمرت تلك الحروب ربما بتأييد شعبيٍ عارم والمؤيدوون يعلمون في قرارةِ أنفسهم أن من يُقتَلون هم إخوة لهم. وماذا عما سكتنا عنه من ظلمٍ واقع على اهل الجنوب الذي حين انتفضوا لم يجدوا من يؤيدهم من خارج مناطقهم ليس لأنهم ضدهم بل لانهم ببساطة لا يهمهم مايحدث هناك. وماذا عن الفقر والجفاف والجوع الذي سكتنا عنهم طالما كنا نجد قوتنا ولم نفكر في من هم في العراء. وماذا عن من يُستعبَدون ولازالوا ونحن نغض الطْرف عن المشايخ المتنفذين الذين يستعبدونهم دام اننا نظن أننا احرار. هذه البلادة وعدم الاكتراث بما يحدث مع الاخر بالتاكيد ستقضي علينا عاجلاً ام اجلاً ان لم نجد لها حلاً يجعلنا نرى الاخر كما نرى انفسنا, فبغض النظر عن المنطقة التي ينتمي إليها الفرد لابد ان يتوفر له نفس المستوى المعيشي كنظرائه في هذا المجتمع. وهذا المستوى المعيشي ليس بالضرورة ان يُقاس بالمادة بل عليه أن يوفر نفس مستوى العيش بكرامة لجميع الافراد, وكي تصل الى هذا الموقع يجب على افراد المجتمع الوعي بأنهم كلهم ينتمون للوطن الواحد وان ليس على الانتماء المناطقي ان يتقدم على انتمائهم لهذا الوطن وان اي رِفعة يتمناها الفرد لمنطقته لا تتأتّى إلا برِفعة الوطن. فإن لم نتوصل لهذه الصيغة التوافقية بين الانتماء المناطقي والانتماء الوطني التي تبتعد بنا عن الخطابات الفوقية العنصريه تجاه بعضنا البعض فإنها ستكون نهايتنا وعلى أيدينا. وان الارواح الغاضبة لمن تركناهم يموتون دون اكتراث ستعود لتطاردنا وتنتقم لنفسها. المصدر أونلاين