أفضل التوقعات أن لا نتوقع شيئا على الإطلاق. لا أظن أن فارقا كبيرا ستحدثه عودة "صالح" في المعادلة السياسية الراهنة، إلا أن يعود إلى المشهد بالأصالة عن نفسه.. إن كان من فرق فهو ذاك. حين غادر لم أكن ممن فرحوا بذلك، أو ممن بنى عليه نصرا ثوريا، بل انتقدت في مقال بعنوان "لأجل ثورة جيدة" بعد يومين على حادثة النهدين من أراد البناء على العملية كعمل غير ثوري منجزا ثوريا.. والآن لست محبطا من عودته أو قلقا منها على الثورة في شيء. الرجل ذهب إلى المملكة للعلاج كمريض وليس بفعل "الثورة"، ومن الطبيعي عندما تماثل للشفاء أن يعود وألا يمنعه شيء عن ذلك. إلا أن الأمر الطبيعي الآخر أنه لم يعد كرئيس طبيعي يمارس الحكم، كما كان قبل أن يذهب، فما تزال هناك "ثورة" قائمة تسعى للإطاحة به، ولم يتغير شيء في المعادلة السياسية على الإطلاق. كما لم يكن الفرح المبالغ بمغادرته أمرا كافيا لإخراجه من المشهد السياسي، لن يكن الفرح المبالغ فيه من أنصاره الآن أمرا كافيا لإعادته رئيسا مظفرا إلى كرسي الحكم، لاحظوا حتى أنه لم يحظ باستقبال رسمي، أو حتى يقدر على زيارة نصف أحياء العاصمة، لدواع أمنية، ثمة أمر معقد أكبر من الفرح والحزن أو التفاؤل والإحباط بكثير.. أي ما جاء ليفعله.. الذهاب في التسوية السياسية، أو الحسم العسكري، لم يكن من مكان أفضل له من "صنعاء"، ليفعله، التوقيع على المبادرة لمشاعره وكرامته، والعمل العسكري لكون المملكة لم تكن لتسمح له بذلك وهو موجود على أراضيها.. كما أن وجوده في صنعاء إن قرر العمل العسكري أفضل للثورة أيضا.. مع أني لا أفضل ذلك ولا أجده مأمون النتائج في الأخير، ليس تخوفا من نصر "صالح"، وإنما لسلامة وأمن ووحدة واستقرار البلد.، ولنجاح الثورة في أهدافها الأخيرة أيضا.. الكرة في ملعبه الآن.. المبادرة الخليجية مفرغ منها، ولم يبق غير توقيعه، والآلية التنفيذية متفق عليها بين النائب والمعارضة برعاية المبعوث الأممي "بن عمر" منذ شهرين، ولا أظن أن المجتمع الدولي سيسمح له بالذهاب بالبلد للحرب الأهلية.. أظن أن الوقت بات مناسبا لتفعيل ورقة الضغوط الإقليمية والدولية لتنفيذ المبادرة الخليجية، وقد باتت المملكة السعودية في حل أخلاقي من ضيافة "صالح" وعلاجه، إن كان ذلك المبرر الوحيد لدخول العملية السياسية الجمود الماضي.. في كلام "أوباما" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة - وقد بدا صريحا في دعم التغيير في اليمن- ما يشير صراحة لأهمية وثقل دور الجيران في هذا الشأن، ونعلم جميعا أن لا جار مؤثر في اليمن مثل المملكة، ولا أظن إلا هي المعنية في كلام أوباما عن الجيران.. دعونا لا نستبق الأحداث، ولا نكثر التكهنات التي تصل بعضها حد التناقضات بين من يرى العودة كدعم سعودي لصالح وبين من يراها طردا منها له، مع أني لا أجد الأمر أكثر من أن رجلا استكمل علاجه الضروري وعاد.. عاد إلى واقع رجع إليه كما غادره.. فلا العودة كما المغادرة ستغير من حقيقة الأمر شيئ، أن هناك ثورة قائمة، وأن هناك رئيسا يراوغ في الامتثال لها ويتهرب من النقل السلمي للسلطة، لا فرق أن رغب في مواصلة تلك المراوغة إن يفعل ذلك في "الرياض" أو في "صنعاء".. إن يكن من فرق في هذا الشأن فهو في موقف المملكة والمجتمع الدولي حياله ومدى جديتهم في ممارسة الضغوط عليه إن هو قرر الاستمرار في التنصل عن الخطة الخليجية للنقل الآمن والسلمي للسلطة، وقد عاد معافى سليما، أما التهديد العسكري فهو كان قائما في كل الأحوال قبل ذهابه إلى المملكة وأثناء وجوده هناك، و الآن بعد عودته.. أظن أننا سنكون أمام مسلسل آخر من المراوغات الصالحية، مالم نجد ضغوطا إقليمية ودولية تدفعه للامتثال لخطة الخليجيين المدعومة دوليا، بدون هذا الضغط ربما لن يختلف المشهد عن مشهد المغادرة ولكن في ضفة المناصرين هذه المرة بمجموعة احتفالات صاخبة بالعودة، قبل أن ندخل في جمود آخر.. وهو المشهد الأقرب في تصوري.. أي يكن الأمر.. لن يغير من قناعة لدي بأن الثورة قد نجحت بمجرد حدوثها، ولن يغير من حقيقتها مغادرة "صالح" أو عودته، فهو بات ماضيا سياسيا، رغم بقاءه في الحكم حتى الآن.. ما يجب أن نفهمه أن مسألة بقائه ليس إلا مراوغة في فترة محددة السقف، ما نرجوه من المجتمع الدولي في ذلك غير مساعدتنا في التقليل منها، وفي عدم الذهاب للحرب الأهلية، أما الثورة فهي قد نجحت بنا وبسلميتنا بالفعل..