وحده علي صالح من يحظى بتدليل قوى إقليمية ودولية جعلته بمنأى عن السقوط المبكر بفعل ثورة شبابية شعبية سلمية تعم ربوع البلاد تتجاسر وتتصلب إرادة مكوناته في إسقاط عصابة حاكمة منحطة، وكلما ضاق الخناق عليه أكثر، يتحرك الخليج بمبادرته الميتة لإنقاذه وتثبيتها كحاكم مغتصب للسلطة فقد شرعيته تماما، وبعد إعلان وفاة هذه المبادرة «المؤامرة» وتشيعها في معظم مدن اليمن، تمخضت التحركات الدولية عن قرار أممي غامض وغير ملزم قوبل بمراوغات سياسية لصالح ونائبه هادي، كما قوبل قرار مجلس الأمن «رقم 2014» بتصعيد عسكري غير مسبوق لقوات صالح ضد المعتصمين السلميين والمدنيين في عدة محافظات. تشير حصيلة أولية إلى سقوط ما يزيد عن 94 شهيداً منهم عشر نساء و18 طفل، و800 جريحا ونزوح 340 أسرة، وتضرر 124 منزلا واستهداف 7 مساجد و6 منشآت عامة وتدمير 17 سيارة وناقلة خلال ثلاثة أسابيع من صدور القرار الأممي.. هذه حصيلة أولية، شهد المبعوث الأممي جمال بن عمر فصلاً أخيراً من ويلاتها وبزيارته للمستشفى الميداني بساحة التغيير بصنعاء وبلقاءاته بعشرات من شباب الثورة من معظم ساحات الثورة وسماع شهادتهم، ربما يخرج بن عمر بصورة أوضح عن وحشية صالح وقوات (أمنية، عسكرية) في التعامل مع الثورة السلمية قبل وبعد صدور قرار مجلس الأمن، ويتمنى كثيرا من شباب الثورة ان يكون تقرير بن عمر الذي سيقدمه بعد يومين للمجلس أكثر وضوحا لكي القرار الأممي المنتظر أقوى وملزماً لصالح سياسياً في توقيع تنفيذ التزاماته بتوقيع مبادرة الخليج وآلياتها، والتوقف عن أي تصعيد عسكري أو امني ضد مناوئيه من شباب الثورة وأحزاب المعارضة، هذا ما يتمناه بعض اليمنيين، مع قناعتي بألا جديد سيطرأ على المشهد بالدخل ما لم تكف دولٌ خليجية وغربية عن تدليل صالح نكاية بالثورة، وفي حال استمرت هذه الأطراف في تحركاتها وضغوطها على هذا النحو، ستتجه البلد نحو كارثة حقيقية، ستلقي بتبعاتها على المنطقة برمتها. وبعيداً عن مخاوف عدمية لدول الخليج وتحديدا السعودية من مآلات الثورة التي تحرص مبادرتهم إلى تقزيمها إلى «أزمة سياسية»، ومادامت قناعة أطراف العمل السياسي اليمني بشقيه (سلطة، معارضة) متوافقة في حل سياسي كمخرج آمن لانتقال السلطة، يفترض بدول الخليج تكثيف ضغوطها على صالح بغية انجاز مهمتهم بدلا من تصديهم بقيادة السعودية لتحركات مجلس الأمن وتدخلهم بتنسيم قرارته لا أكثر، ما تمنح صالح فرص جديدة للانتقام من شعب يطالبه بالرحيل فقط، دونما اكتراث بتطلعات شعب بأكمله لن ينهزم تحت أي ظرف، بمعنى قد يحاول صالح إدخال البلد في حرب غير مجدية قد تتمكن من إعاقة حاضر اليمن لكنه في نهاية الأمر لن يتمكن بحروبه ومراوغاته من ايقاف اليمنيين من الوصول إلى المستقبل الذي ينشده جميع أبناء اليمن بمختلف توجهاتهم تتويجاً لإرادة ثورية سلمية، وليت علمي ما حكمة الجيران في إيقاف طلوع نهار الثورة منذ خلطوا أوراقنا بمبادرتهم في أبريل الأسود..! يدرك شعب اليمن بأن السعودية لاعب رئيس في كل ما يحدث له بقصد أو دونما قصد، في حين لم تستشعر المملكة انعكاسات سياسيتهم تجاه اليمن، وما يعتبره كثيرا من المحللين بوجود أكثر من قطب داخل الأسرة السعودية الحاكمة تظهر جليا في سياساتهم إزاء اليمن فبين مؤيد لرحيل صالح ومؤيد بشرط الحفاظ على بقايا نظام صالح في يمن ما بعد صالح، ويعتبرون التخبط السعودي بين التوجهين بعدم ثقتهم بولاء أي نظام بديل بقيادة أحزاب المشترك المعارضة، ما جعل من صالح وبقايا نظامه من الاشتغال على تلك المخاوف ليس طعما بمواصلة حكم شعب حسم خياره بإسقاطه، بل للحصول على مزيدا من الضمانات له ولأسرته فقط، وحصد مكاسب سياسية ومادية لا أكثر.. ومع عمق اطلاع المملكة للوضع في اليمن وتضاعف مخاوفها مشروعة من جماعة الحوثي وارتباطاتها الإقليمية المناقض للتوجه السعودي في المنطقة، وهذا يعده البعض سبب للحفاظ على صالح من سقوط حتمي عقب كل تصعيد ثوري إلى اجل غير معلوم، وربما كان لوفاة ولي عهد المملكة سلطان بن عبدالعزيز أثره في اتخاذ موقف أخير وجدي من صالح ونظامه، وفي مجمل توقعات المشهد الماثل في اليمن تثبت الأيام بأن الإبقاء على صالح ستثر أوراقها وتبدد حساباتها وبالذات المتصلة بمخاوفها من جماعة الحوثي التي تتمدد بشكل ملفت في جغرافيا شمال الشمال، يقال بأن توسع نفوذها مؤخرا بدعم من غير معلن من علي صالح، وفقا لاتهامات خصوم هذا الجماعة في الداخل.. وهنا تتضح رؤية الداخل للمشهد في حين يبدو الوضع لدول الخليج ودول غربية أكثر ضبابية وهذا ليس نتيجة مخاوفهم من انتصار ثورتنا السلمية وحسب، بل لهدرهم للوقت في حسم انحيازهم لخيار إبقاء مؤقت لصالح على حساب شعب ثائر أكد للعالم حقه في الحياة وصموده في وجه التحديات حتى هذه اللحظة دليل على صدق نيته بأهداف ثورة أشعلها وصبر على امتحانها بنهج سلمي غير معادي لأحد في الداخل أو الخارج، وهذا ما لم تستوعبه المملكة التي يفترض بها التخلي عن صالح وما يمثل بقائه من خطر على اليمن ودول الخليج كون رأس مشاكل البلد وليس رئيسا لليمن.. الآن بوسع المملكة التخلي عن صالح فالمبادرة لم تعد حلا مجديا لأي هدف ولدت من اجله، ولو كان بلغ رهانها على صالح أقصى حدوده، فعليها ان ترفع يده وتكف عن تدخلاتها قبل أن تأتي رياح شمال الشمال ما يحمد عاقبته عليها وحدها، وبدلا من توفير مبررات للحوثيين في استعداء اليمنيين عليها وعلى حلفائها في الداخل، قبل ان تعم صرخات العمائم السود حدودها الجنوبية دون منازع، من المفترض ان ينحاز أقطاب المملكة لخيار الثورة السلمية فقط، ليس لكونها حلا حقيقيا لكافة مشاكل اليمن وحدها وإنما لدول الخليج وعلى رأسهم السعودية التي شاخ تفكيرها على ما يبدو.. وبعيدا عن سر مأساة اليمن ومخاوفها الكارثية غير المبررة، تلتفت أنظار اليمنيين بمختلف أطيافهم صوب مجلس الأمن وما قد يعقب تقرير جمال بن عمر من قرار أممي سيكون معجزة بحد ذاتها في حال كفت السعودية وحليفتها الولاياتالمتحدةالأمريكية عن تدخلاتها في الشأن اليمني، ولو استوعبت الخليج والدول الغربية درس 30 يوما من مراوغات صالح والصمود السلمي لشباب الثورة والمدنيين في مواجهة آلته العسكرية البربرية التي تقطف أرواح اليمنيين على مرأى العالم ومسمع الخليج.. لو اتخذ مجلس الأمن قرار جديا وصريحا ينحاز لخيارنا برحيل صالح وعائلته الحاكمة على غرار قراراتهم في سوريا مثلاً، أو حظيت شعبنا بنزر من كرم مواقفهم كشعب ليبيا، لا أتوقع هكذا كرم أممي إطلاقا، ومع هذا لا يساورني شك بممارسته لضغوط جدية تجاه صالح هذه المرة، من تهديده بفرض عقوبات او تجميد أرصدته المالية الخ..، بدون ما اسلفت ذكره لن يكف صالح عن عناده ولن يركع لأي قرار مادمنا عرفنا سر عناده وتهربه من توقيع مبادرة الخليج او تكليف نائبه هادي الذي لا يقل مكرا عنه.. في الأخير لن أسرف أكثر في توقعاتي في انتظار ما لا تنتظر من عالم يتعامل مع اليمن من ثقب في برميل نفط السعودية ويبنى قرارته التي تخصنا كيمنيين، كما لن أكون «متسعوداً» أكثر آل سعود بما قد يلحقهم توجههم في المنطقة من خسارة في حال استمر تأييدهم لوهم الشرعية الدستورية لربيبهم المدلل علي صالح، فقط أقول للجميع في نهاية المأساة سينتصر اليمن بصمود شعب عظيم أذهل العالم بسلميته وتمدنه وسيعترف الجميع يوما بقوة إرادته التي ستتكلل بنصر قريب بإذن الله..