يلاحظ، ومنذ تجددت المواجهات الأخيرة في صعدة وحرف سفيان في ما يسمى بالحرب السادسة، قبل أكثر من شهر ونصف، أن المصادر العسكرية الحكومية، تنقلنا من نصر إلى آخر، وتطهير المنطقة تلو الأخرى من "فلول الردة والإرهابيين"... فخلال الأيام الأخيرة، لا يمر يوم، إلا وتورد البيانات وتصريحات تلك المصادر أرقاماً أقلها 5، وأكثرها 30، وأحيانا أكثر من ذلك بكثير(100 وأكثر)، تقول إنها قتلتهم أثناء المواجهات مع المتمردين. أما من أسرت منهم في أرض المعركة، أو سلموا أنفسهم طواعية، فهناك الكثير منهم يومياً حسب تصريحات وبيانات المصادر العسكرية المختلفة..
الجمعة الماضية فقط، قال مصدر عسكري إنهم قتلوا أكثر من 100 متمرد، وجرحوا أكثر من 280 آخرين في يوم واحد! والأحد الماضي، تحدث وكيل أول وزارة الداخلية، اللواء محمد عبد الله القوسي، عن "مصرع 37 إرهابياً أثناء عمليات تمشيط في ضواحي مدينة صعدة".. وقبلها وقبلها الكثير من الأرقام والإحصاءات اليومية المتنوعة..
لكن، وبالمقابل: هناك تلك البيانات اليومية، والتصريحات الصادرة باسم مكتب قائد المتمردين الميداني عبد الملك الحوثي، التي تغذي الساحة بمعلومات أخرى! ذلك مع أنه بات من الملاحظ – غالباً مؤخراً – أن تلك البيانات لا تورد أكثر من أسطر قليلة تتحدث غالباً عن صد هجوم للجيش، أو اقتحام مواقع عسكرية جديدة وبسط النفوذ عليها وغنم معداتها. وربما كان ذلك أمراً مخططاً ومقصوداً لهدف في نفس يعقوب كما يقال!
وإذا كان من الملاحظ - للمطلع على بعض تلك البيانات الحوثية – تركيزها على إيراد المناطق التي يقوم الطيران الحربي الحكومي بقصفها في صعدة، والحرف، فإنه من المهم الإشارة إلى أنها باتت - وخلال الفترة الأخيرة تحديداً - تتسم بقلة المعلومة، إذ قلّما أن ترد فيها معلومات أخرى أكثر تفصيلاً حول سير المعارك الميدانية: كم قتلوا؟ وكم أسروا؟ وكم حصدت قذائفهم؟
أخشى أن الأمور على الأرض ليست جيدة. أن تكون غير ذلك تماماً، أو على الأقل: أن يكون الجزء الأكبر منه مجرد "طواحين هواء": مبالغات وحرب إعلامية ونفسية!
* * * ربما أن المصادر العسكرية استمرأت، أو لنقل: أعجبها الأمر الذي تقوم به على ذلك النحو. بينما يحصد الحوثيون –وبشكل هادئ، لكنه وحشي في الوقت ذاته- ويأسرون مجاميع كبيرة منهم، ويغنمون أسلحتهم الخفيفة والثقيلة. بشكل هادئ إعلامياً، لكن بصورة عنيفة على أرض المعركة. أعلن الحوثي – قبل يومين - أنه أطلق عدد 70 أسيراً من الجنود المنتمين للمحافظات الجنوبية، تنفيذاً للوعد الذي كان قطعه قبل أسابيع، إجلالاً وإكراماً للشيخ الفضلي، وبعض قيادات الجنوب حسب قوله!
ربما يدرك القادة العسكريون، معنى أن يقوموا بذلك الأمر، على نحوٍ ما يتعلق بتطبيق إستراتيجية إعلامية خاصة من التوجيه المعنوي العسكري، بهدف تيئييس المتمردين وأنصارهم، ورفع معنويات الجيش، وربما أيضاً: تطمين المواطنين الذين تتوجه أنظارهم بقلق شديد إلى ما يحدث في ساحة المعركة..
وربما – بالمقابل - يكون الحوثيون، قد أدركوا – مؤخراً - معنى: أفضلية تحقيق انتصارات ومغانم كبيرة على أرض المعركة، دون تبجح، من شأنه أن يثير ويستحث العواطف الوطنية ضدهم (كما حدث من قبل في بداية المعركة حين بث الحوثيون مقاطع فيديو للأسرى من الجنود وهم يذلونهم ويجبرونهم على قول ما لا يرغبون في قوله.. وكذا بثهم مقاطع لمقاتليهم - بينهم أطفال - وهم على ظهر دبابات ومجنزرات الجيش الوطني، مكبرين وحاملين شعارهم المناهض لأمريكا وإسرائيل).
على أن ما يلاحظ - منذ فترة - أن الحرب الإعلامية – عبر مقاطع الفيديو على الشبكة الالكترونية - أخذت منحى آخر. حيث بات الحوثيون عوضاً عن بث تلك الاستفزازات المنعكسة ضدهم، يفضلون بث مقاطع أخرى: أجساد محترقة لأطفال، أشلاء بشرية ومنازل مدمرة.. الخ.
بينما أضافت السلطات إلى جانب بياناتها الانتصارية، بث مقاطع تقول إنها من فضائع المتمردين التي يقومون بها في صعدة: شيخ عجوز وهو يتحدث عن تلك الفظاعات التي ارتكبت بحقهم، امرأة تتحدث عن اغتصابات يمارسها المسلحون التابعون للحوثي ضدهن، وأحاديث مواطنين حول تصفيات جماعية تطالهم وأسرهم، وسرقة محاصيلهم، وتدمير مزارعهم.. الخ.
وتدريجياً تتحول الحرب من حرب ضد متمردين يرفعون السلاح ضد الدولة، كما تقول الحكومة، أو دفاع عن النفس كما يقول الحوثيين، إلى حرب فظاعات وبشاعة تهلك الحرث والنسل.. بينما كل طرف مازال يحاول أن يثبت بالصوت والصورة مدى الفظاعات التي يرتكبها الطرف الآخر، ليضفي شرعية على ما يقوم به، أمام الرأي العام العالمي الرافض لاستمرار تلك المجازر، ولو صوتياً، وربما أمام الرأي العام المحلي الصامت الذي مازال في بعضه صامتاً بسبب حيرته، لا يدري من على حق في حرب تستنزف مخصصات تطوير البنية التحتية للكهرباء، والمياه المستنزفة، والمدرسة والمستوصف، والطريق..الخ. تلك المشاريع التي كان يفترض ان تبنى في منطقته، المتخلفة..
* * * بالعودة إلى البيانات والتصريحات المنطلقة من أتون الحرب المعربدة هناك.. فقد هالتني الأرقام التي أوردتها مصادر الطرفين المتحاربين ليوم واحد فقط! ففي مساء الجمعة الماضية، كان مصدر عسكري مسئول يؤكد القضاء على 100 حوثي وجرح أكثر من 280 على محيط مدينة صعدة حينما حاول المتمردون التسلل إلى المدينة.
وفي الوقت ذاته، كان المتمردون – في بيان صادر عن مكتب قائدهم الميداني عبد الملك الحوثي - يسخر من الأرقام التي توردها المصادر العسكرية بين الحين والآخر. ولإثبات الخسائر التي تكبدتها الحكومة، أوضح أن "الجيش قد خسر أكثر من 70 موقعاً، وتم تدمير أكثر من 136 آلية ما بين مدرعة ودبابة في مديرية حرف سفيان فقط".
لا أحد في الميدان يمكنه أن يقوم بمهمة التأكد من تلك الأرقام، أو ما يدور على أرض المعركة من فظاعات ومن الذي يقوم بارتكابها.. إنها حرب محتكرة ميدانياً كما هي إعلامياً.
وإننا –كصحفيين- نفتقد صفة الشهادة عليها، وليس لنا من الأمر إلا ما يصلنا من مطابخ المتقاتلين أو ما يردنا أحيانا من شهود عيان ومراسلينا هناك، أولئك الذين يصعب عليهم الاقتراب من المشهد كثيراً لالتقاطه بصورة كافية يمكن الاطمئنان إليها.
إنه لأمر صعب، بات من شأنه إضفاء مزيد من التعقيدات على الحرب، وباتت الشائعات ملاذاً لابد منه للتفسير وحل بعض العقد المتراكمة يوماً إثر آخر. شائعات تتناقلها الألسن وتلوكها في سياقات تقدم تفسيراً وكأنها الحلقة الضائعة، أو لكأنها تضع النقاط على الحروف.
فمثلاً، التعقيد الحاصل في التساؤل: لماذا الدولة، بقوام جيشها الكبير، الذي تم بناؤه على مدى 47 عاماً، وتدريبه على القتال، والدفاع عن الجمهورية، وبقوام آلياتها العسكرية التي تصرف معظم ميزانية الحكومة في تحديثها، ويفترض جاهزيتها في مواجهة دول..لماذا تعجز عن القضاء على مجموعة أفراد مسلحين بسلاح تقليدي؟
تتبرع الشائعات ببعض التفسيرات، ومنها: أن النظام يتعامل مع الحرب كابتزاز لأطراف إقليمية ودولية، بهدف تخويف تلك الأطراف من العدو القادم. العدو العقائدي القوي، الذي لم تستطع آليات الدولة العسكرية اجتثاثه حتى الآن. وبالتالي جلب مزيد من الدعم الإقليمي والدولي لمساعدة النظام في مواجهته..!
وهي شائعة ربما وجدت مكانها في التفسير والتحليل عند العديد من المتابعين المهتمين، منذ الحرب الثالثة وحتى الخامسة، بشكل كبير.
لكنها اليوم - ومع دخول المعارك شكلاً جديداً من الشدة والإصرار على "اجتثاث المتمردين" حسب تصريحات الرئيس، إضافة إلى رفض النظام إيقافها حتى الآن كما كان ديدنه مع سابقاتها عند نقطة الصفر، كما يقال - فربما أصبحت تلك الشائعة غير محتملة الصواب في سياق ما يحدث على أرض المعركة من جدية كبيرة، إلى جانب أنها (تلك الشائعة) اليوم أصبحت تأتي من طرف الحوثيين أنفسهم ومناصريهم في الداخل والخارج.
لكن، على الرغم من ملاحظة تلك الجدية، وجد اليوم من يفسر ذلك العجز تفسيرات أخرى. كأن يقول البعض، مثلاً: إن أفراد الجيش والأمن المقاتلين هناك، أصابهم الإحباط المعنوي بعد خمس سنوات من المواجهات، التي كانت تنتهي بإبرام اتفاقيات ثنائية بين القيادات العليا للطرفين، كلما اقتربت ساعة الحسم.
ويستند البعض في تفسيراتهم تلك إلى الطبيعة النفسية التي توصل أي مقاتل إلى مرحلة الملل والإحباط، طالما ظل في ساحة المعركة لأكثر من عدة أشهر دون إحداث أي تقدم أو تجديد في التخطيط والمواجهة. ويجد هؤلاء، لتأكيدات الرئيس وقيادات الحكومة والجيش (من أن الدولة عازمة على مواصلة القتال حتى اجتثاث الحوثيين نهائياً ولو استمرت الحرب لسنوات).. يجدون منها منهلاً عذباً لتفسيراتهم تلك، بالقول: إنها تأتي في إطار إزالة ذلك الجمود والإحباط لدى أفراد الجيش المقاتلين في ساحة المعركة، وقياداتهم، من خلال تطمينهم بأن النظام لن يفعل بهم ما فعله سابقاً، ويجنح للسلم المخاتل إذا ما اقتربت ساعة الحسم.
* * * على أن هناك المزيد والمزيد من الإشاعات التي تقدم المزيد والمزيد من أسباب العجز القائم لإنهاء المعركة. مثلاً هناك من يؤكد، نسبة لمصادر قيادية في الجيش : أن المتمردين باتوا يمتلكون من الأسلحة الخفيفة والثقيلة ما يكفيهم للاستمرار في الصمود والقتال لمدة سنوات كثيرة، بعضهم يؤكد أنها تكفيهم لخمس سنوات من الآن، وأخرى تبالغ حين تضاعف تلك المدة. وهنا يلجأ الملاذ التفسيري الآمن للربط بين ثلاث إشاعات تفسيرية مرافقة. الأولى: أن هناك تواطؤ ما! ممن هذا التواطؤ؟ توزع الشائعات الاتهامات بين عدة جهات: بعضها في قيادات الدولة العليا (من آل البيت والمناصرين لهم)، وبعضها في الجيش، وأخرى تتجه صوب بعض المشائخ. كما يجد البعض، في مثل هذا، ما يمكنه من تعزيز تهمة الدعم الخارجي، وبالتحديد الدعم الإيراني.
أما الربط الثاني، فهو يدخل في الإطار السابق من التفسير، إذ يمزج البعض السبب بالربط بين أمرين: بين الدعم الخارجي وتجار السلاح المحليين. حصول المتمردين على أموال دعم إيرانية تمكنهم من شراء أي كمية أو نوعية من الأسلحة التي يريدونها من السوق المحلية وتجار السلاح المعروفين في البلاد وخارجه. حيث يشيع بعضهم أن أحد تجار السلاح المعروفين والمشهورين في البلاد، استقدم شحنة أسلحة كبيرة، قسمت ثلثين بثلث. القسم الأول للدولة، والثاني للمتمردين. وتفيد الإشاعات في هذا الإطار، أن إصدار رئيس الجمهورية قراراً، بتعيين اللواء محمد عبد الله القوسي وكيلاً أولاً للداخلية في 27 سبتمبر الماضي، يأتي في إطار تضييقه الخناق على التجار، وشحنات السلاح القادمة للمتمردين في صعدة. حيث يقال – حسب الإشاعات ذاتها – أن "القوسي" قام من خلال تواجده هذه الأيام في صعدة، بتدمير مخازن سلاح - تتبع تجار سلاح معروفين في المحافظة - على أنها تتبع المتمردين، كما قام بكشف وإيقاف وتدمير مجموعة من شحنات السلاح التي كانت متوجهة للحوثيين خلال الأيام الماضية. ويدخل بضمن ذلك: أنه ولأول مرة يتم إيقاف سفينة تحمل شحنة سلاح كبيرة في ميناء الحديدة، يقال إنها للتاجر المعروف، وأنه تم تزوير وثائقها باسم وزارة الدفاع!
أما التفسير الآخر للربط بين الإشاعات، وامتلاك المتمردين مخزوناً وعتاداً عسكرياً كبيراً يكفيهم للقتال لسنوات كثيرة قادمة، فيشيع البعض – نسبة لمصادر عسكرية في الميدان، ربما تطابق مع تصريحات الحوثيين - أنهم حصلوا عليها كغنيمة من المعسكرات والمواقع في صعدة وحرف سفيان التي أغاروا وسيطروا عليها منذ تجددت المواجهات الأخيرة وحتى اليوم.
ويحلو لهؤلاء أن يعززوا تلك الإشاعات بالربط المباشر بينها وبين تفسيراتهم القائلة بانكسار معنويات الجنود الذين يفرون بأرواحهم أثناء اشتداد وقرب المواجهات منهم، تاركين كل شيء للمتمردين، مفسرين – في السياق ذاته – حصول المتمردين على أسلحة ثقيلة في تلك المعسكرات والمواقع، لقيام قيادات الجيش باستغلال فترة الهدنة الأخيرة لتعزيز تلك المعسكرات والمواقع المهمة في المنطقة بالمدرعات والمجنزرات الثقيلة، تحسباً لأي مواجهات قادمة، ولإضفاء الأمن والسكينة في المحافظة.
* * * لا أحد يجزم بدقة تلك المعلومات، كونها مبنية على تفسيرات ترتبط معظمها باشاعات، غير أن البعض يرى أن إصرار المتمردين على الاستمرار بالإغارة اليومية على القصر الجمهوري بمدينة صعدة، بغية السيطرة عليه، معززاً للتفسير القائل أن لديهم معلومات مؤكدة أن القصر محمي بعتاد وآليات عسكرية وبشرية كبيرة، ربما يسعون لغنمها أو تدميرها لإضعاف تعزيزات وقدرات الجيش في المحافظة.
بينما أن هذا التفسير، قد يكون سليماً في الجزء الآخر منه: أن القصر محمي بتعزيزات بشرية وآلية كبيرة (كونه يمثل الرمز الجمهوري)، لكنه تفسير قد يكون معلولاً في جزئه الأول، وهو: التأكيد بامتلاك الحوثيين لأسلحة ثقيلة وكثيرة، وكافية للاستمرار ومواجهة الجيش لسنوات. وعلته تأتي من حيث أن عدم قدرتهم السيطرة على القصر، إنما يدل على ضعف ما يمتلكونه من عتاد وأفراد، وإلا لاستطاعوا نيل مرادهم، خصوصاً وأن القصر الجمهوري – غير أنه قد يكون مخزناً من العتاد الحربي – فهو بمثابة الرمز الذي يرفع علم الجمهورية شامخاً في صعدة، كما يعتقد البعض.
من جهة ثانية، فإن علة التفسير القائل بامتلاكهم آلة عسكرية كبيرة أستولوا عليها من معسكرات الجيش، تأتي – ربما – من خلال الأخبار القائلة بكشف وتدمير شحنات سلاح مهربة كانت تتوجه إلى أوكارهم في صعدة! أو إيقاف تلك السفينة من شحنة الأسلحة في ميناء الحديدة. فلو كانوا فعلاً قد غنموا الأسلحة الثقيلة من معسكرات الجيش، فلماذا مازالوا بحاجة إلى كميات منها، ويحاولون شحن وتهريب السلاح الى أوكارهم.
كما أن الإشاعة القائلة بغنم المتمردين تلك الأسلحة بعد فرار الجنود من مواقعهم، هو الآخر – ربما - تعتريه بعض العلة. وهنا نستند لتصريحات الحوثيين أنفسهم، من خلال بيانهم الصادر مساء الجمعة الماضية عن مكتب قائدهم الميداني، والذي أكد فيه الاستيلاء على سبعين موقعاً في حرف سفيان وحدها، وتدميرهم أكثر من 136 آلية ما بين مدرعة ودبابة.
والاعتلال هنا يتضح، بكشف الحوثي – إن كان بيانه يحمل شيئاً من الصواب – أنهم قاموا بتدمير تلك الآليات العسكرية، ولم يقل أنهم غنموها سليمة، وبالتالي ففرار الجنود، أمر غير منطقي، مع حدوث التدمير لكل ذلك العدد. (إلا إن كانت قيادات الجيش غبية لدرجة أنهم يتكرمون بوضع آليات ثقيلة بأعداد كبيرة في كل موقع! كما أن البيان لم يوضح كم عدد من قتلوا أو تم أسرهم، أوعدد الغنائم في تلك المواقع التي يقولون أنهم سيطروا عليها.
* * * لاشك أن التعقيدات في الحرب تزداد تسارعاً، بفعل ضخ الطرفين لمعلومات يعتقد أنها مضللة في معظمها. ربما من باب الحرب الإعلامية النفسية، والتي تستند – ربما - على القاعدة الحربية التي مفادها: كلما شعرت بقرب الهزيمة، فقل أنك على وشك الانتصار. على أن ما يزيد ذلك التعقيد تعقيداً، هو اللجوء إلى بث ونشر الإشاعات. أو ربما هي شبه الصورة المنعكسة بشكل تفسيرات تخمينية لغياب المعلومة الحقيقية من أرض الميدان!
على أن ذلك كله لا يمكنه أن يقلل من ضرورة الحاجة لكشف الحقيقة التي يجب أن تنشر وفق أي شكل من الأشكال، حتى لا تتكرر مأساة "الصحاف" وزير الإعلام العراقي أثناء الحرب الأمريكية على العراق (2003) حين خدع العالم العربي بتصريحاته، وجعلهم يعتقدون أن الجيش العراقي مزق الأمريكيين وبعثرهم شذراً في كل أنحاء العراق، بينما جاءت الحقيقة مرة حين اتضح العكس تماماً، وبعدها فر الصحاف، بينما ظلت علامات الاستفهام المحيرة مستقرة في أذهان كل العرب، حتى أن الأمريكان لم يضعوا الرجل في قائمة المطلوبين، بذريعة أنه كان يؤدي واجبه الإعلامي. وفي الحقيقة لأنه خدمهم أكثر مما كانوا يتوقعون!
وبالمثل، كلنا يتذكر، ما كان إعلام الانفصاليين يبثه أثناء حرب صيف 1994م الداخلية، لقد جعلنا نعتقد عكس ما كانت المعارك تفضي إليه على الأرض!
نخشى أن تتكرر التجربة. نخشى أن يستغل الحوثيون ذلك، لحصد الكثير على الأرض دون إثارة الريح من ورائهم.. خصوصاً إذا كانوا يخططون من وراء ذلك تحقيق هدفين بضربة واحدة: ضرب القوة البشرية والآلية للجيش بعنف وشراهة، وفي الوقت ذاته، إشعار المجتمع الدولي أنهم يتعرضون لحرب إبادة جماعية، يكون لها ما بعدها أمام المجتمع الدولي القانوني!