* قبل أيام وفي إحدى المجالس تحدث بعض الحاضرين عن ضرورة حل حزب المؤتمر الشعبي العام، ومنع قياداته من ممارسة العمل السياسي لخمس سنوات قادمة على الأقل، ذلك لأنهم شاركوا الرئيس السابق وأبناءه في نهب الثروات ومحاربة الثورة السلمية وشاركوا في القتل والاعتداء على المتظاهرين السلميين والساحات وشاركوا في بيع ثروة الشعب من الغاز والنفط وغيره. وهنا قلت لهم: يا جماعة المؤتمر الشعبي فيه شخصيات وطنية ومثقفة وقيادات تاريخية معروفة بوطنيتها، ولكن صالح وصقوره (كما يسمونهم) عملوا على إزاحتهم من مواقع القيادة والقرار وذكرت من هذه القيادات الوطنية: الدكتور حسن مكي، الدكتور أحمد الأصبحي، الأستاذ عبدالسلام العنسي، وغيرهم كثير.. فقال لي أحد الحاضرين: يا أخي لو كان فيهم خير ما بقوا في المؤتمر ولاستقالوا من زمان، فقلت له هؤلاء رأوا بأن يبقون في المؤتمر ويعملوا على إصلاحه من الداخل وما يدريك أن هؤلاء وغيرهم لعلهم الآن سيفاجئون الجميع بثورة من داخل المؤتمر نفسه في مؤتمره الثامن القادم ونشهد رحيل صالح من رئاسة المؤتمر وكذلك البركاني وبن دغر وأمثالهم من القيادات المؤتمرية التي فرضها علي صالح وأحمد علي كقادة للمؤتمر.. والأيام بيننا. وعند قراءتي للمقابلة التي نشرتها صحيفة الجمهورية في 28/2/2012 مع الدكتور حسن مكي تفاجأت وصدمت بموقفه من الثورة الشبابية الشعبية السلمية، حيث وصف ما يعتمل في الساحة اليمنية منذ سنة من ثورة واحتجاجات بقوله «لا ليس هناك ثورة وإنما هناك أزمة نظام تشظى من الداخل عسكرياً ومالياً، نظام ضعيف وفاشل».. «الثورة ثورة سبتمبر وأكتوبر فقط لأنهما من الشعب ضد الحاكم، وليس من الحكام ضد بعضهم، أو من المتسلطين ممن نهبوا الملايين»، في إشارة منه إلى أن الثورة الشبابية الشعبية اليوم ليست من الشعب ضد الحاكم (السلطة) وإنما هي فعل قام به بعض أطراف في الحكم ضد الطرف الآخر في الحكم نفسه، وفي الوقت نفسه يعرف الدكتور حسن الثورة بأنها في الأساس ثورة الشعب ضد السلطة.. ضد الإمامة.. لا يا دكتور! الشباب والمواطنون الذين في الساحات والخارجون في كل جمعة بالملايين في 18 محافظة ليسوا شعباً!. وعلي صالح وعائلته وأركان حكمه ليسوا سلطة! وهل من الضروري أن يكون الحاكم إماماً كالإمام أحمد حتى نسمي ثورة فبراير ثورة. وهل من الضروري أن لا ينضم أحد من أركان الحكم إلى الثورة حتى نسميها ثورة؟. الثورة يا دكتور، كما تعلمناها منكم ومن التاريخ، ليست موجهة ضد الحكام كأشخاص، بل ضد قيم وممارسات سالبة للحرية وسالبة للحياة، فعندما يخرج هؤلاء الحكام ومن معهم مدافعين ومصرين على هذه القيم السالبة فإنهم يصطدمون بصخرة أساسها إرادة الشعب. فكما لم تكن ثورة سبتمبر ضد شخص الإمام بقدر ما كانت ضد الثالوث الذي ذكرته في حديثك (الجهل والفقر والمرض) والذي كما قلت أنت بأنه ما زال موجوداً إلى اليوم. ألم يكن هذا مبرراً كافياً للاعتراف بثورة الشباب الشعبية السلمية، لأنه المبرر نفسه لثورة سبتمبر. مع الفارق والانتباه أن ثورة سبتمبر اتخذت النضال المسلح يعني أنها ثورة مسلحة أما ثورة اليوم فهي سلمية، مما يتطلب أن يكون للثورة مساران ثوري وسياسي، وهذا ما كان واضحاً في دور الساحات ودور الأحزاب السياسية، ولذلك لا فرق بين الثورة على الإمام أحمد أو الثورة على الرئيس صالح ما دام أنهما يحملان ويمارسان القيم نفسها السالبة للحرية والحياة. أما عندما تستنكر انضمام بعض أركان النظام السابق العسكري أو المدني للثورة، واختزلت المشكلة كلها في أزمة بين طرفي الحكم ففي هذا افتئات على حقوق الآخرين ودماء الشهداء وافتئات على الثورة السلمية، فبالمقارنة مع ثورة سبتمبر ألم ينضم لها كثير ممن كانوا في السلطة مع الإمام مثل القاضي الوزير والقائد العسكري جمال جميل والقردعي وعلي عبدالمغني وغيرهم. وكذا لا بد أن نعرف أن ثورة فبراير سلمية 100 بالمائة ونعرف ما معنى ذلك. ولهذا فإن سلاحها أمام آلة القمع السلطوية هو العمل بشكل سلمي على تفكيك النظام من داخله بإرسال رسائل من الساحات بأن ينضموا للثورة والشعب، وخاصة بعد استهداف وقتل الشباب في الساحات والتظاهرات، فانضم كثير من القادة العسكريين والمدنيين والسياسيين إلا مستشار الرئيس د. حسن مكي الذي لم نسمع له كلمة ولم تهتز له شعره، وكنا مع هذا نحسن الظن بأن الدكتور حسن وغيره من الصامتين دورهم سيأتي في الوقت المناسب كالهدوء الذي يتبعه العاصفة، خاصة أن الدكتور يتذكر محاولة اغتياله الآثمة التي غيبته عن المشهد السياسي تماماً. ولعل هذه الحادثة هي التي أثرت على موقفه من الثورة «الأحزاب بلعت الثورة، والعسكر والقبائل بلعوا الأحزاب، وأصبحنا الآن نواجه مجموعة قبائل متخلفة وعساكر منشقين». فالدكتور يعرف أن وراء محاولة الاغتيال شيخاً قبلياً كبيراً قيادياً في المؤتمر الشعبي ومقرباً جداً من علي صالح، ويعرف كذلك كيف دفنت القضية وانتهت، فهل يعقل أن صالح احتاج للدكتور في هذه الظروف ليستعين به بصفته مستشاراً له.. لعلها كبوة جواد، فلكل جواد كبوة.