لم تصب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الفائز منذ أيام قليلة في انتخابات عرفت بالتوافقية، عين حاسدة لينتقل في فترة قياسية من تلقي تهاني فوزه في الانتخابات رئيساً جديداً لليمن، إلى تقبل التعازي بأرواح ضحايا العمليات الإرهابية التي قام بتنفيذها تنظيم القاعدة في أبين الأسبوع الماضي، حيث قتل المئات من أفراد الجيش وهم في معسكرهم . ما يجري شاخص بحقائق وفي قراءات متعددة، هناك من يرى أن تنظيم القاعدة رمى الآن بكل ثقله في اليمن ويخوض معركة ذات طابع مصيري، وهو يحاول استغلال أقصى ما يمكن تحقيقه في ظل أوضاع البلاد المتدهورة من النواحي كافة، لاسيما في الجوانب الأمنية، وهؤلاء يشيرون إلى أن تنظيم القاعدة يبدو أنه حسم أمر وجوده في التحول من الخلايا النائمة إلى القوة القائمة بالسيطرة على مناطق كما في أبين وإعلان إمارات إسلامية .
وهناك آخرون يرون أن ما يجري لا يخلو من الانتقام من القوات والأجهزة والأفراد التي عانى منها تنظيم القاعدة، والانتقام من لعبة تصفية الحسابات التي تعاملت أطرافها العسكرية والأمنية مع تنظيم القاعدة كجماعات لتخوض بها صراع تصفية الحسابات .
وهناك من يشير إلى أن وجود تنظيم القاعدة في اليمن يختلف عن وجوده في أي بلد آخر، ويرون أنه بمثل ما كان وجود الإخوان المسلمين في النظام ومنذ عقود عديدة، كانوا في خلاف مع أنظمة بلدان عربية أخرى، لكن التطورات في البلاد مفتوحة على انهيار هذا الوضع الذي ظل فيه النظام قبل أن يشهد زلزال التغيير يمثل القاسم المشترك بين أهداف القاعدة بإنشاء إماراتها، وبين حقائق السياسة الأمريكية في اليمن تحت مظلة الحرب على الإرهاب وهي تمضي في قاطرة مخططات وخطوات استراتيجية متسارعة .
من هذه الزاوية دفعت الولاياتالمتحدة منذ سنوات عديدة باتجاه تحويل اليمن إلى بيئة حاضنة لجماعات وعناصر تنظيم القاعدة في هذه المنطقة خاصة وفي بلدان أخرى، وتمت في هذا الشأن اتفاقات معلنة ترتب عليها تموضع هذه الجماعات في اليمن وبدأ نشاطها العلني تحت مسميات متعددة .
التطورات في هذا الشأن ذهبت إلى ما تردد مؤخراً من أن الولاياتالمتحدة وحركة طالبان الأفغانية دخلتا في مفاوضات في شأن مواجهتهما الدموية في أفغانستان، وأن الأرضية التي تقفان عليها هي معادلة شروط ومطالب متبادلة، طالبان تضع خروج القوات الأمريكية وغيرها من أفغانستان شرط دخولها في اتفاقات وعلاقات قادمة، فيما يشترط الأمريكيون إقدام طالبان على تصفية الجماعات والعناصر غير الأفغانية الموجودة في صفوفها المقاتلة، وقدم الأمريكيون في هذا الشأن ضمانات سلامة لهؤلاء ومن ذلك خيارهم الانتقال إلى اليمن الذي تتوافر فيه كامل الظروف المناسبة لنشاطهم .
الإشكالية التي تواجه هذه الترتيبات والخطوات والمخططات تتمثل في أن الأحداث والتطورات في اليمن مفتوحة على اتجاهات مغايرة، هنا يمكن القول إن التفاعلات السياسية الحادة في شأن إعادة هيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ليست بعيدة عن هذه الموجة الهائلة من التفجيرات التي تنفذها القاعدة في اليمن؛ فمن جهة هي محاولات محمومة لاستغلال الأوضاع المتردية في البلاد للوصول إلى أقصى ما يمكن تحقيقه لهذه الجماعات، مع ما يعني ذلك من تبعات على الوضع المراد مواجهته والمثقل بتركة مدمرة، لكنها من جهة ثانية تجد فيها الولاياتالمتحدة ضالتها؛ إن لم تكن هي ضالعة فيها، لأن في اليمن أكثر من قاعدة لإعادة تسويق موقفها في شأن مستقبل عدد من الأجهزة الأمنية أنشأتها الإدارة الأمريكية في اليمن في سياق تحويل البلاد إلى قاعدة استخباراتية أمريكية في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية المهمة .
في البدء كان الأمريكيون قد انفتحوا على التغيير في اليمن في كل المجالات عدا تلك الأجهزة التي اعتبروها محرمة، لكن الأمريكيين الآن أمام ردود الفعل الشعبية الغاضبة وأمام الحقائق الساطعة المؤكدة بأن بوابة خروج اليمن من أوضاع الانهيار المتسارعة التي ستأتي على كل شيء تبدأ بمواجهة أوضاع الجيش وأجهزة الأمن المنقسمة والمنحرفة، وهم يحاولون إعادة إنتاج الموقف لليمن المقبل على ماكان قائماً تحت السيطرة الأمريكية .
في هذا الاتجاه يمكن القول إن الأمريكيين باتوا على استعداد لاستبعاد القيادات اليمنية المتربعة على الأجهزة الأمنية التي أنشأوها وهم من أبناء وأقرباء الرئيس السابق شرط أن تحدث مقايضة، والمقايضة المطلوبة مكلفة يمنياً لأنها تقوم في مقابل إزاحة هؤلاء أن تأتي القيادة اليمنية الحالية إلى المربع ذاته الذي تقف فيه تلك القيادات المطلوب تغييرها لأسباب مختلفة .
حتى الآن مازالت الأمور غير واضحة في ظل تسريبات متضاربة، غير أن خبثاء توقفوا أمام توعد الرئيس عبدربه منصور هادي تنظيم القاعدة بالاجتثاث من اليمن وملاحقته حتى آخر مخبأ، وهم لا يخفون خشية من أن يكون هادي أقدم على تقديم تعهد للأمريكيين يجدد ما هو قائم من نفوذ وتدخل وسيطرة، وهي في الإجمال سيطرة سافرة. عن الخليج